لماذا يؤثر الأرق في كلّ منا بشكلٍ مختلف
معاناة الأرق بضع مرات في السنة أمرٌ لا يدعو للقلق، ولكن الحرمان المزمن من النوم له آثار صحية سلبية. يتأثر البعض بقلّة النوم أكثر من الآخرين. تساعدنا الأبحاث الجديدة على فهم السبب.
آثار ومضاعفات
تضاعف قلة النوم خطر التعرض لحوادث السير والاضطرابات الصحية، فهي تؤثر سلبًا في الصحة بشكل عام، اذ يزيد نقص النوم خطر الاصابة بارتفاع في ضغط الدم والسكري والبدانة والسرطان، بالاضافة الى كثير من الامراض الاخرى.
للحرمان من النوم مجموعة واسعة من الآثار السلبية. وقد أظهرت الأبحاث الجديدة ان الإنعكاسات “الادراكية” أو المعرفية لفقدان النوم تختلف من شخص لآخر، وأن سبب هذه الاختلافات هو تركيبنا الجيني.
فقد اكتشف علماء بقيادة أستاذ علم النفس في جامعة واشنطن بول ويتني وجود اختلاف جيني يفسّر قدرة بعض الناس على أداء بعض المهام الفكرية بشكل أفضل من الآخرين بعد حرمانهم من النوم.
وقد نشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة “التقارير العلمية” الأميركية.
اختبار الانعكاسات الملموسة
فحص ويتني وزملاؤه القدرات المعرفية لـ49 بالغًا يتمتعون بصحة جيدة ويبلغ متوسط عمرهم 27 عامًا. وقُسّم المشاركون في الدراسة الى مجموعتين: مجموعة الحرمان من النوم التي ضمّت 34 شخصاً ومجموعة المراقبة التي ضمّت 15 شخصاً. لم ينم أعضاء المجموعة الأولى لفترة 38 ساعة، بينما نام أعضاء المجموعة الثانية بشكل طبيعي. ولاختبار قدرات المشاركين المعرفية، طلب منهم الباحثون القيام بمهمّة قبل التجربة وبعدها، وكانو يستخدمون فيها شاشة كمبيوتر وفأرة. والهدف طبعاً هو تقييم قدرتهم على التحكّم بتركيزهم، عبر اختبار قدرتهم على النقر بشكل صحيحٍ على زر الفأرة الأيسر بعد رؤية مجموعة معينة من الأحرف على الشاشة، وزر الفأرة الأيمن بعد رؤية مجموعة أخرى من الأحرف. وطلب إليهم القيام بذلك بسرعة وبشكلٍ دقيق. وفي منتصف التجربة، طلب فجأة من المشاركين النقر على زر الفأرة الأيسر بعد رؤية مجموعة جديدة ومختلفة من الاحرف. وأجرى ويتني وفريقه تحليلاتٍ وراثية للمشاركين، وقسّمت المجموعة المحرومة من النوم إلى ثلاث مجموعات فرعية استنادًا إلى ثلاثة متغيرات في جين يسمى DRD2، وهو من مستقبلات الدوبامين التي تنظم معالجة المعلومات في منطقة الدماغ المرتبطة بالمرونة المعرفية.
خلاصة الدراسة: متغيّر جيني يحمي من آثار نقص النوم!
بعد “تبديل” قوانين اللعبة وتوجيه الانتباه الى مجموعة مختلفة من الاحرف في منتصف التجربة، اختلط الامر على بعض المشاركين وانخفض مستوى أدائهم بشكل ملحوظ في المهمة “الجديدة”.
ومع ذلك، تمكن مشاركون آخرون لديهم متغير معين في الجين DRD2 من أداء المهمة على أكمل وجه.
ويوضح المؤلف المشارك في الدراسة هانز فان دونغن (مدير مركز وسو للنوم والأبحاث) أهمية النتائج قائلا: “تبين أبحاثنا أن هذا الجين الخاص يؤثر على قدرة الشخص على تغيير اتجاهه فكرياً عند تقديم معلومات جديدة إليه”. ويتابع: “بعض الناس محميّ من آثار الحرمان من النوم بسبب هذا الاختلاف الجيني. ولكن بالنسبة الى معظمنا، يؤثر نقص النوم في الدماغ، مما يمنعنا ببساطة من التركيز عندما تتغير الظروف”. ويؤكد ويتني بدوره أهمية هذه النتائج فيعلّق:
“يُظهر عملنا وجود أشخاص قادرين على التكيف مع آثار الحرمان من النوم في ما يتعلق بالمرونة المعرفية. ولكن المثير للدهشة هو أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم يتأثرون بنفس القدر الذي يتأثر به الآخرون حين يتعلق الامر بأداء مهام أخرى تتطلب قدرات معرفية مختلفة، مثل الحفاظ على التركيز”. ويضيف: “هذا يؤكد ما شكّكنا به منذ زمنٍ طويل، وهو أنّ آثار الحرمان من النوم ليست عامةً بطبيعتها، بل تعتمد على المهمة المحددة الواجب تأديتها وجينات الشخص الذي يقوم بها”.
ويختتم ويتني حديثه قائلاً: “هدفنا على المدى الطويل هو تدريب الناس على التعامل والاستجابة بشكل مناسب مع السيناريوهات المتغيرة مهما كان تركيبهم الجيني، بحيث يكونون أقل عرضة للتأثيرات السلبية لنقص النوم”.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق