التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

العدسات اللاصقة… جمال والتهابات في عيون النساء 

لا تزال الشابة الغزيّة ياسمين أبو مرعي تعاني من آثار التهابات حادة في قرنية العين اليُمنى، بعد وضعها عدسات لاصقة تجميلية، اشترتها بعشرة شواكل “3 دولارات” من محل “إكسسوارات”، في سوق النصيرات وسط قطاع غزة، مطلع سبتمبر/أيلول الماضي. وعقب ساعات من ارتداء العدسات أصيبت ياسمين بالتهابات أجبرتها على زيارة مستشفى العيون الحكومي في مدينة غزة، وهناك أبلغها الطبيب صبري حجاج، أخصائي العيون في المستشفى، بأن سبب مرضها يرجع إلى استخدامها عدسات مخالفة للمواصفات، الأمر الذي كلفها علاجا بقيمة 210 شواكل “60 دولارا”.

وتعد حالة ياسمين واحدة من بين 85 مريضة خضعت للعلاج في مستشفى العيون الحكومي بغزة، خلال الأشهر الستة الماضية، بعد إصابتهن بالتهابات القرنية والتهابات بكتيرية في العين من جراء عدسات لاصقة رديئة يتنشر استخدامها في قطاع غزة، كما يقول مدير الاستقبال والطوارئ في المستشفى، الدكتور حمدي حمدية، والذي أوضح أن العيادة الخارجية للمستشفى تستقبل 25 حالة شهرياً مصابة بالتهابات الجفون أو احمرار العيون، بسبب العدسات اللاصقة، فيما يستقبل المستشفى الأوروبي الحكومي الواقع في جنوب قطاع غزة، خمس حالات شهرياً لفتيات يعانين ذات الأعراض، كما يقول طبيب العيون في المستشفى، إياد أبو عبيد.

تحليل محاليل تعقيم العدسات

فحص مُعد التحقيق أربع عينات عشوائية لمحاليل تعقيم العدسات من منتجيFresh look، Solrex Alpha تم الحصول عليها من محلات إكسسوارات من مدينتي غزة والنصيرات وشمال القطاع “جباليا”، في دائرة مختبرات الصحة العامة التابعة لوزارة الصحة. وكشفت النتائج تلوث عينة رقم 2/34 ومصدرها سوق الشجاعية، بنسبة 100 ألف خلية/بكتيرية في المليليتر، وأخطرها بكتيريا Pseudomonas SPP المسببة لإصابة العيون بالتهابات القرنية، و15 ألف خلية/فطريات وخمائر بمليليتر لنفس العينة، على الرغم من أن المحاليل مهمتها تعقيم العدسات من الطفيليات والفطريات والبكتيريا. فيما فشلت العينات الأربع خلال عملية التعقيم في قتل البكتيريا والفطريات، خاصة بكتيرياPseudomonas Aeruoginosa، وذلك حسب نتائج الفحوصات، وتأكيد مُجري التحاليل الدكتور هاشم عرفة، مدير قسم تحليل الميكروبيولوجي، في دائرة مختبرات وزارة الصحة.

وأجرى معد التحقيق استطلاعاً للرأي غير قياسي استهدف 51 فتاة، ممن يرتدين العدسات التجميلية المباعة في المحلات التجارية، وتبيّن أن 31 فتاة تعرّضن للإصابة بالتهابات طفيفة، وتعرضت 13 فتاة للإصابة بالتهابات القرنية وتلقين علاجهن بشكل فوري، ولم تتعرض 8 فتيات لأي إصابات، وحمّلت الفتيات المسؤولية للجهات الحكومية التي تسمح للباعة بترويج تلك العدسات في المحال التجارية من دون رقابة.

مخاطر العدسات

خلصت دراسة أجراها باحثون من مركز لانغون الطبي التابع لجامعة نيويورك، في يوليو/تموز من عام 2015، نشرتها مجلة ساينتفيك أميركان، إلى أن مرتدي العدسات اللاصقة تميل أعينهم إلى إيواء بكتيريا مختلفة عن الأشخاص الذين لا يرتدونها، ما يجعل أعينهم تحوي أنواعا من البكتيريا لا تعيش عادة في العين.

وأظهرت نتائج الدراسة وجود ما يزيد عن 5000 نوع فريد من البكتيريا التي توجد على مُقل عيون مرتدي العدسات اللاصقة. وخصّت الدراسة أربعة أنواع من البكتيريا التي كانت أكثر شيوعا ثلاث مرات في مرتدي العدسات اللاصقة وهيMethylobacterium، Bacteria “friendly”، Acientobacter، Pseudomonas، موضحين أن بكتيرياPseudomonas سبب أساسي للإصابة بالتهابات العين، ويمكن أن تتسبب في الإصابة بقرحة القرنية، التي قد تهدد المريض بفقدان البصر، وهي ذات البكتيريا التي ظهرت في نتائج الفحوصات التي أجراها “العربي الجديد”، والتي بلغت نسبتها 100 ألف خلية في المليليتر، وهو ما يراه الدكتور عبد السلام صباح خطرا “يهدد سلامة عيون مرتديات العدسات الرديئة، واللاتي قد يفقدن بصرهن من جراء حدوث المضاعفات”.

كيفية إدخال العدسات إلى غزة

يستورد التاجر الغزي سعد الوادية محلول Solrex Alpha وعدسات Fish look، من الصين، ويقول إنه يقوم بإدخال العدسات من خلال المعابر، وأحيانا يشتري بعضها مهربة من الأنفاق. وهو ما يراه وكيل وزارة الاقتصاد الوطني، الدكتور أيمن عابد، أمرا دالا على عدم الرقابة والمتابعة لتلك المنتجات، التي تعامَل معاملة السلع العادية، ولا توجد عليها أي قيود.

ويؤكد مدير دائرة الإشعارات والقضايا لدى وزارة المالية، محمد عايش، أن العدسات التجميلية كانت تدخل من خلال الأنفاق بين قطاع غزة والأراضي المصرية بكميات كبيرة وسط البضائع الأخرى لصغر حجمها، ويتم إدخالها من دون إجراء الفحوصات عليها من الجهات المختصة.

إلقاء المسؤولية

حسب قانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005 الخاص بوزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية، فإن الوزارة هي الجهة الحكومية الرقابية والإشرافية على المحال التجارية “محال الإكسسوارات” والباعة على الأرصفة، فيما ينص القانون الداخلي لوزارة الصحة الفلسطينية في مادته الثانية على أنه لا يجوز إدخال أية أدوات أو مواد طبية أو طرحها في الأسواق أو استخدامها إلا بعد تسجيلها لدى دائرة التسجيل الدوائي. ويقول مدير دائرة التسجيل الدوائي في وزارة الصحة في غزة، محمد النونو، إن العدسات التجميلية ليست مسجلة ضمن المستلزمات الطبية، في حين بيّن المفتش في قسم الرقابة والتفتيش على المهن الطبية، في وحدة الإجازات والتراخيص بوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، محمد العشي، أن مهام وزارته تنحصر في مراقبة مراكز البصريات التخصصية التابعة للقطاع الخاص، وأشار إلى أن محلات الإكسسوارات والبسطات المتواجدة داخل الأسواق الشعبية، التي تقوم ببيع العدسات المقلدة، لا تندرج ضمن اختصاص وزارة الصحة، قائلا إنها تتبع وزارة الاقتصاد. وهو ما رفضه مدير دائرة حماية المستهلك، الدكتور رائد الجزار، والذي قال إن دائرته ليست ذات الاختصاص بضبط العدسات التجميلية المقلدة المباعة في محلات الإكسسوارات، متابعا “العدسات مستلزمات طبية وتندرج ضمن اختصاص وزارة الصحة”.

ويقر نائب مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، زياد أبو شقرة، بإدراكهم بتواجد عدسات مغشوشة تباع في محلات الإكسسوارات التي تقع مسؤوليتها على وزارته، موضحا أن الخلل يكمن في غياب العمل والتنسيق المشترك مع وزارة الصحة، مما يعطل ضبط هذه الحالة.

وحسب إفادة وزارتي الصحة والاقتصاد، فإن المسؤولية الرقابية تقع على عاتقهما، كون وزارة الاقتصاد هي المسؤولة عن المعابر والمحال التجارية، ووزارة الصحة مسؤولة عن المستلزمات الطبية، مما يجعل العملية الرقابية منعدمة وتحتاج لعمل مشترك لضبط الحالة، وفق ما قاله أبو شقرة.

التعقيب القانوني

دخلت إلى قطاع غزة 95 ألف عدسة تجميلية، خلال عام 2016، وتم إدخال 47 ألف عدسة تجميلية خلال عام 2017 حتى شهر سبتمبر/أيلول، عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، بخلاف التهريب، بحسب ما قاله مدير دائرة الدراسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد أسامة نوفل.

ويحدد قانون حماية المستهلك رقم (21) لعام 2005 المسؤولية القانونية على من يروّج سلعا مغشوشة، إذ تنص المادة “27” في الفصل السادس على أن: كل من عرض أو باع منتجاً ينطوي استعماله على خطورة ما، من دون أن يؤشر أو يرفق به تحذير يبين وجهة الخطورة والطريقة المثلى للاستعمال أو الاستخدام، وكيفية العلاج في حال حدوث ضرر ناتج عن الاستخدام، أو خالف أحكام المواد (11-19) من هذا القانون، يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، أو دفع غرامة مالية لا تتجاوز خمسمائة دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو بكلتا العقوبتين”، وبالرغم من هذا النص القانوني، الذي يمنح سجى وياسمين وغيرهما من ضحايا العدسات إمكانية رفع دعاوى قضائية على التجار والباعة الذين يتاجرون في تلك العدسات المغشوشة، إلا أنهما لن تخوضا تلك التجربة، لارتفاع تكاليف إقامة دعوى قضائية، قائلتين “نحذّر صديقاتنا وقريباتنا ونتمنى الشفاء من الله”.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق