اعترافات بتراجع قوة أمريكا في استراتيجية ترامب الدفاعية!
بعد اكثر من عقد ونصف على تركيز أمريكا في استراتيجيتها للأمن القومي على محاربة “الجماعات الإسلامية”، وضع الجيش الأمريكي يوم الجمعة الماضي مواجهة كل من روسيا والصين في أولوية استراتيجيته الدفاعية الجديدة.
وتعد الوثيقة التي يطلق عليها “استراتيجية الدفاع الوطنية”، وهي الأولى من نوعها منذ عام 2014 على الأقل، أحدث إشارة على إصرار إدارة الرئيس دونالد ترامب المتزايد على مواجهة التحديات التي تمثلها كل من روسيا والصين على الرغم من دعوات ترامب لتحسين العلاقات مع موسكو وبكين.
استراتيجية الأمن القومي الأمريكي بلسان وزير الدفاع الأمريكي
وقال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، أن التركيز الرئيسي للأمن القومي لأمريكا هو على منافسة القوى العظمى وليس الإرهاب، مؤكداً أن “امريكا تواجه تهديدات من مختلف القوى الرجعية كالصين وروسيا”.
وقال وزير الدفاع الأمريكي امام الكونغرس الأمريكي خلال إعلانه استراتيجية الدفاع الجديدة “سنواصل حملة ملاحقة الإرهابيين، لكن منافسة القوى العظمى هو محل تركيز الأمن القومي الأمريكي الآن وليس الإرهاب”.
واضاف “نعتزم تحديث القدرات الرئيسية. الاستثمار في الفضاء الإلكتروني وقوات الردع النووي والدفاع الصاروخي”، معترفاً ان ” تفوق الولايات المتحدة عسكريا في الجو وعلى الأرض وفي البحر والفضاء الإلكتروني يتلاشى”.
كما أكد ماتيس ان هذه الاستراتيجية تعطي اولوية للاستعداد للحروب الأساسية، قائلا “تماشيا مع واقع اليوم، هذه الاستراتيجية توسع مساحتنا التنافسية، وتعطي الأولوية للاستعداد للحرب، وتوفر اتجاها واضحا للتغيير الملموس بالسرعة الملائمة، وتبني قوة أكثر فتكا للتنافس الاستراتيجي”.
وختم قائلاً “سوف نعزز التحالفات التقليدية مع بناء شراكات جديدة مع دول أخرى”.
عقيدة ترامب الجديدة ام استكمال طريق أوباما
على الرغم من إشارة وزير الدفاع الأمريكي الى ان وثيقة استراتيجية الدفاع الأمريكية وثيقة جديدة في حكومة ترامب وهي تختلف عن سابقاتها، الا انها غير ذلك. فالأوراق الـ 11 المنشورة من هذه الوثيقة هي مماثلة لتلك التي وردت في وثيقة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الاستراتيجية عام 2014، وهي لا تختلف إلا في ترتيب بعض الأولويات كإعلان عن ان كل من الصين وروسيا تشكلان خطرا على الأمن القومي الأمريكي.
ومن جهة أخرى، تشابهت وثيقة ترامب بما قاله باراك أوباما، في تشرين الثاني / نوفمبر 2011، عندما خاطب البرلمان الأسترالي، أن سياسة بلاده الخارجية، لن تكون أولويتها مكافحة الإرهاب، بل سينصب التركيز على التحديات الأمنية والاقتصادية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
حتى ان وزيرة الخارجية السابقة في عهد اوباما “هيلاري كلينتون” قالت في أكتوبر من ذلك العام، أن مستقبل السياسة العالمية سيكون في آسيا والمحيط الهادئ، وليس في أفغانستان والعراق. وتظهر هذه الموقف بوضوح أن الحرب على الإرهاب، التي تجري في العراق وسوريا وأفغانستان، لم تعد الأولوية لدى واشنطن وهي تتطلع الى مراجعة استراتيجياتها الدفاعية وتصويبها بتجاه اسيا.
اعترافات بتراجع أمريكا عن المنافسين
ومن ناحية أخرى، فإن الجدير بالذكر هو ان اعتراف وزارة الدفاع الامريكية بتأخر واشنطن عن منافسيها الدوليين الآخرين بالكلام الخطير. حيث قال وزير الدفاع الأمريكي أن “الولايات المتحدة تواجه تهديدات من مختلف القوى الرجعية كالصين وروسيا”. وأضاف ان “منافسة القوى العظمى هو محل تركيز الأمن القومي الأمريكي الآن وليس الإرهاب”. مما يعني بشكل غير مباشر تقدم روسيا والصين على أمريكا في شتى المسائل العسكرية وتراجع القدرات العسكرية الامريكية امام هاتين القوتين العظمتين.
تحدي واشنطن مع عالم متعدد الأقطاب
وبالتالي، ما يمكن استخلاصه من وثيقة “استراتيجية الدفاع الأمريكية” الجديدة هو عدم إدراك واشنطن للمتغيرات والظروف الدولية الجديدة، وبالنسبة للقادة الأمريكيين، فإن افول النظام الاحادي القطبي وتشكيل نظام متعدد الأقطاب ليس مقبولا بأي حال من الأحوال.
ومثالا على تعدد القطبية في العالم، يبرز في الشرق الأوسط كل من دور إيران وتركيا وروسيا، وفي شبه الجزيرة الكورية كل من كوريا الشمالية والصين وغيرهم من الدول الذين خرجوا من تحت العباءة الامريكية ويقفون بالند المنيع لمصالح أمريكا في المنطقة.
إذا بالنظر لما اتى في الوثيقة الامريكية، والتركيز فيها على مواجهة إيران وكوريا الشمالية وتعزيز العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين والعرب، تعي ان واشنطن قلقة بشأن مستقبل النظام العالمي ومن الطبيعي، ان لا تقبل أمريكا نظام تعدد الأقطاب وذلك بعد فترة الهيمنة غير المسبوقة التي عاشتها في السابق.
المصدر / الوقت