التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

ماذا فشلت واشنطن في تطبيق نظرية “الضفدع المغلي” في ايران؟! 

لم تدخر واشنطن أي جهد في تسخين الأوضاع داخل ايران من خلال فرض عقوبات اقتصادية متتالية على الجمهورية الإسلامية لتفجير الوضع من الداخل وخلق هوة بين الشعب والحكومة، ومع وصول رجل الاعمال دونالد ترامب إلى سدة الحكم، استمر بنهج أسلافه ولكن بتشدد أكبر، وبدأ سياسته مع ايران بفرض عقوبات جديدة على مؤسسات إيرانية والسعي لتمزيق الاتفاق النووي والالتفاف عليه.

ومع بدء الاحتجاجات الإيرانية في 28 كانون الاول / ديسمبر من العام المنصرم، ظن ترامب أن الفرصة الذهبية جاءت على طبق من ألماس معتقدا أن نظرية” الضفدع المغلي” آتت ثمارها، وتقول هذه النظرية أنه في حال تم وضع الضفدع في ماء حار سيقفز فورا، أما لو وضعته في “ماء معتدل الحرارة” ثم سخنت الماء تدريجيا لن يشعر بالحرارة وهي تزيد..بالتالي لن يشعر بالخطر حتى يغلي ويموت دون أن يقفز من مكانه.

وبدأ ترامب يعمل على تحريض الشعب الإيراني مع بدء الاحتجاجات من خلال نشر عشرات التغريدات على حسابه على “تويتر”، منها ما وجهه بشكل مباشر للشعب قائلا: “احترام كبير لشعب إيران الذي يسعى لإسقاط حكومته”، وأخرى : “سترى دعما عظيما من قبل الولايات المتحدة في وقت مناسب”!. ولكن ترامب تناسى مع من يتحدث ولمن يوجه كلامه، لم يعلم أنه يخاطب نفس الشعب الذي وصفه قبل هذه التغريدات بأنه “إرهابي”، ومنعه من دخول الولايات المتحدة الامريكية، وتناسى قومية الشعب الايراني التي يشهد لها العالم بأسره.

وفي تقرير لها اليوم عنونت صحيفة المونيتور تصريحا للبيت الأبيض، يقول إن المواجهة مع إيران لها أولوية أعلى من مخاوف الإرهاب!.

هذا الكلام يفضي فيما يدعو للشك بأن واشنطن ماضية في توجيه أي صفعة ممكنة لإيران ولو على حساب محافظة الولايات المتحدة على الجماعات الإرهابية التي دعمت قسما منها وأنشأت قسما آخر وفقا لتقارير صحفية غربية، في سبيل الحد من نفوذ ايران في المنطقة، خاصة أنها تكشف في نجاح تحققه ايران خارج حدودها زيف المشروع الأمريكي الذي جاء وفق برنامج تقسيمي للمنطقة يعمل على تفتيتها إلى أجزاء صغيرة هشة غير قادرة على اتخاذ أي قرار أو القيام بأي فعل، ومع دخول إيران إلى خط المواجهة مع الجماعات الإرهابية في كل من سوريا والعراق على وجه الخصوص، ومساعدتها جيشي كلا البلدين في القضاء على الإرهاب، جن جنون الأمريكي، الذي كان يصور للعالم بأن الإرهاب والجماعات الإرهابية قوية جدا ولا يمكن القضاء عليها، وهذا يبرهن لنا أمرين، إما أن واشنطن بالفعل هي عاجزة عن القضاء على الجماعات الإرهابية في مقابل تفوق ايران في ذلك، أو رغبتها في إبقاء هذه الجماعات تتكاثر وتنتشر خدمة لمصالحها في المنطقة، وفي كلتا الحالتين كان النصر لإيران في هذه الجولة، ما دفع واشنطن للبحث عن أي طريقة لجعل ايران تدفع ثمن محاربتها للارهاب وابعاده عن حدود أراضيها.

كيف أسقط الشعب الإيراني وحكومته نظرية “الضفدع المغلي”؟!

أولاً: أراد ترامب أن يعيد الهيبة والثقل والسياسي لواشنطن من خلال تطبيق مبدأ “العصا الغليظة” في الاحتواء أو التطويق، ولكن ما حدث أن الحكومة الإيرانية ووعي الشعب كسر هذه العصا على رأس ترامب، الذي ما زال يتألم من نتائجها، خاصة بعد توقف الاحتجاجات بسرعة مفاجئة تشابه السرعة التي أشعلتها وفاجئته هو ورجاله في المنطقة.

ثانياً: لدى ايران علاقات استراتيجية ودبلوماسية مع أكبر القوى العالمية والتي بدأت تبعد الولايات المتحدة عن التفرد بالهيمنة على العالم وتتمثل هذه القوى بكل من الصين وروسيا، هذه العلاقات الاستراتيجية التي تتضمن علاقات اقتصادية وتجارية واستثمارات خارجية، فضلا عن المساندة العسكرية والسياسية لكتلا الدولتين لإيران أبعد عن الأخيرة خطر العزلة وإلى أجل غير مسمى.

ثالثاً: يتمتع المجتمع الإيراني على المستوى الرسمي والشعبي بتماسك قل نظيره في العالم، فلا احد يستطيع ان ينكر بأن ايران تمارس انتخابات ديمقراطية وبمشاركة شعبية واسع شهدها العالم أجمع العام الماضي، وبحسب دراسة أجريت مؤخرا فإن 79% من الشعب الإيراني يُجيد القراءة والكتابة، وما يقارب 46 مليونًا منهم يأتي في إطار أعداد القوى العاملة، ويُشير ذلك إلى نوعية سكان إيران كمًا ونوعيةً، ويعني أنها تملك قوة بشرية اقتصادية مُستهلكة ومُنتجة تشكل دورة اقتصادية جيدة يمكن، عبر توجيه الحكومة، أن تواجه العقوبات الاقتصادية عبر توسيع نطاق عملها التجاري والاستثماري الخارجي، لا سيما في ظل وجود مصادر ريعية يمكن للحكومة أن تركن إليها لرفع مستوى الاستثمار السلعي والخدماتي والرأسمالي الداخلي والخارجي.

رابعاً: عدم امتلاك واشنطن أي وسائل تأثير قوية على الحكومة والشعب في ايران وإلا لكانت استخدمتها في الاحتجاجات الأخيرة ومكنتها من إنجاح خططها هناك، وفي هذا الاطار يقول الباحث الاميركي المعروف “آرون ديفيد ميلر” لمحطة “سي. إن. إن”، يجب على واشنط أن تأخذ نَفَس عميق والقبول بالحقيقة المرة، وهي انها لا تملك إلا القليل من الوسائل للتأثير على النظام أو المتظاهرين في الميادين، والمطلوب منها العثور على المفتاح الصحيح القادر على خلق التوازن الفعال بين الجهد الكبير الذي تبذله دون حاجة، والجهد القليل فقط المطلوب منها.

ختاماً؛ ايران خارج تاثير واشنطن إلى ما شاء الله لطالما أنها تملك كل المقومات التي ذكرناها آنفا، قد تتمكن الولايات المتحدة من إحداث تأثيرات إعلامية تتمثل بجعجعة ترامب المعتادة على “تويتر” ومعادا ذلك يبقى في إطار التأثير المؤقت الذي يزول خلال مدة ليست بالطويلة وفقا لما تمتلكه ايران من أوراق قوة تمكنها من الوقوف بشكل شامخ وسط هذا الشرق الكبير.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق