التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

أميركا بين إيران والعرب 

هي نفسها ​أميركا​ التي ترفع شعلة الحرية مدعية نشر الديمقراطية في العالم والممسكة بأحادية القرار وبالإمبراطورية المالية والإعلامية والعسكرية الفريدة في العالم.

هي ذاتها أميركا صاحبة المبادئ والقيم المدافعة عن حقوق الإنسان بقدر ما يخدم مصالحها، هي أميركا صاحبة الهالة التي يسكنها البيت الأبيض الشهير المحكوم من هواة السياسة ديمقراطيين كانوا أم جمهوريين، فالأمران سيان والثوابت هي نفسها، والاعتقاد أن أميركا هي أقوى دولة في العالم، هي القطب الواحد، هي المقرر لسياسات واقتصاد العالم، هي أميركا نفسها المحترفة بتصنيع الأسلحة وتصدير التكنولوجيا لمن والاها، هي أميركا نفسها التي تقيل وتعين الرؤساء والملوك والأمراء من عرب ومن غير العرب، هي التي قتلت وتقتل في كل يوم أطفال العرب في ​اليمن​ و​العراق​ و​ليبيا​ وسورية، هي التي اغتالت رموز العالم الحر ومشت في جنازاتهم، هي أميركا نفسها التي تشرف على عمليات النهب والسلب لثروات الأمة العربية وتجيرها لمصلحة عدو الأمة ​إسرائيل​، أميركا رمز الحرية في العالم هي نفسها المعتمد الوحيد في تجويع وتشريد وتمزيق وتفتيت المجتمع العربي وتحويله إلى مجتمعات إثنية عرقية تلعب على أوتار المذهبية السنية الشيعية بهدف إغراق منطقتنا العربية بحروب لا تنتهي، هي أميركا نفسها التي أوجدت ​تنظيم القاعدة​ لمحاربة جيش الاتحاد السوفييتي في ​أفغانستان​، كما أنها نجحت في تغيير اسم تنظيم القاعدة ليصبح ​تنظيم داعش​ صاحب الراية السوداء المتفرع من تنظيم القاعدة مدغدغاً لمشاعر الكثير من الضعفاء وغسل عقولهم وتفكيرهم وخصوصاً بعد تأمين المساحة الإعلامية الواسعة لهذا التنظيم وتغلغله في داخل المجتمع العربي وبأمر أميركي تحت راية لا إله إلا اللـه، وبتعليمات أميركية أيضاً ولد من رحم القاعدة تنظيم ​جبهة النصرة​ وبعده ولدت ميليشيات «جيش الإسلام» و«جيش الفتح» و«نور الدين الزنكي» و«أحرار الشام» وغيرها العديد من الجيوش والتنظيمات الإرهابية والتسميات المتعددة، لكن جميعها تسبح وتأتمر بأوامر أميركية صافية وبتمويل ​دول الخليج​ (الفارسي) النفطية، وذلك بهدف نشر الإرهاب والفوضى والحرب وفي ضرب العرب بالعرب والمسلمين بالمسلمين وتفتيت المجتمع العربي وثقافته وحضارته وهدم أي أثر للتاريخ، وجعل الأمة العربية وحتى الأجيال العربية القادمة تائهة من دون تاريخ وبلا حضارة ومن دون انتماء وطني أو هوية.
أياً تكن الجهة التي تحكم أميركا فإن النهج الأميركي الداعم للكيان الصهيوني والمدافع عن عدو الأمة إسرائيل لن يتغير وسيبقى نهج أميركا المعادي لمصالح شعبنا وأمتنا العربية نهجاً ثابتاً لا مناص من تغييره.
هي نفسها أميركا التي نشرت الإرهاب في بلادنا العربية بدلاً من نشر الديمقراطية، كما أنها سمحت للتنظيمات الإرهابية بنشر ثقافة القتل والسحل والذبح والتهجير والسلب والنهب وتهديم مدن الحضارة والتاريخ.
هي نفسها أميركا التي تنشر سفنها الحربية في بحرنا وطائراتها الحربية في سمائنا وأجوائنا وتقيم قواعدها العسكرية على أرضنا وكل ذلك بحجة محاربة الإرهاب التي أوجدته ونشرته في أوطاننا، أميركا نفسها تماماً كما يجري تسويقه في أفلام هوليوود حيث يجري إظهار أميركا بصورة المنقذ الأول والحريصة على منع ومحاربة الإرهاب لتعلن في نهاية الفيلم انتصاراً أميركاً مدوياً، لكن تحت هذا العنوان فإن أميركا تقوم بتسليح وتدريب التنظيمات الإرهابية ونشرها في منطقتنا وذلك بهدف إخافة مجتمعنا ودفعه للإسراع في طلب النجدة من أميركا نفسها.
أميركا ناشرة الإرهاب في بلادنا هي نفسها التي تعمل على إخافة العرب من نيات إيران كما أنها تعمل على إخافة إيران من نيات العرب، فها هو وزير الدفاع الأميركي ​جيمس ماتيس​ يصف إيران بالدولة الراعية للإرهاب وأن القواعد الأميركية ستبقى موجودة على الأرض العربية لمنع النفوذ الإيراني من التغلغل، كما أن أميركا نفسها نجحت في نسج علاقات عسكرية وإعلامية في عملية تطبيع مبطنة بين بعض ​الدول الخليجية​ وبين عدو الأمة إسرائيل تحت عنوان مواجهة التهديد الإيراني.
إيران التي تمسكت بالراية الفلسطينية المناصرة لقضايا الشعوب المظلومة في العالم، إيران الرافضة للاحتلال الإسرائيلي، إيران الداعمة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة العدو الإسرائيلي، إيران الساعية إلى علاقات متوازنة محترمة مع الدول العربية، ذنبها أنها لم تساوم يوماً على الحق الفلسطيني في كل فلسطين الدولة والقدس عاصمتها الأبدية، ذنب إيران أنها لم تذعن يوماً للضغوط الأميركية بل إنها استطاعت تطويع أوروبا وأميركا بقبول إيران دولة متقدمة نووية للأغراض السلمية، والذي توج باتفاق بين إيران والدول 5+1، بينما بعض العرب فضل سلوك درب التخاذل والخيانة للقضية الفلسطينية والعمل على طمس الحقوق الفلسطينية، كما أن هذا البعض من العرب وخصوصاً عرب الخليج(الفارسي) النفطي استسهل مبدأ التطبيع والتحالف مع عدو الأمة إسرائيل على حساب مصالح العرب أنفسهم، ولم يزل مشاركاً وداعماً وراعياً وممولاً للإرهاب في سورية قلب العروبة المتمسكة بفلسطين كل فلسطين الداعمة للمقاومة نصرة للحق العربي بتحرير الأرض العربية من الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس أبشع أنواع التعذيب والاعتقال وسياسة التمييز العنصري بحق الفلسطينيين.
إن أميركا تخوض على العرب وإيران حرباً ثقافية وتغيير مفاهيم ومبادئ وقيم، إضافة إلى حرب عقائدية إعلامية خطرة وجب علينا مواجهتها بكل السبل المتاحة، وأن نعتمد العلاقة أو التحالف الإستراتيجي القائم بين سورية وإيران ومحور المقاومة سبيلاً، والعمل على تطوير هذه العلاقة وجعلها المظلة الواقية، وأن نحذو حذوها لمواجهة النيات والخطط الأميركية البعيدة كل البعد عن الإنسانية والديمقراطية السيئة لبلادنا ومنطقتنا العربية، وأن نعتمد فلسطين كل فلسطين هي الجامعة بين العرب وإيران.
بقلم / رفعت البدري

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق