رغم شعاراتها البرّاقة؛ أخطاء قاتلة لما يسمى بالثورة السوريّة؟
سبع سنوات تكاد أن تكتمل من عمر ما يسمى “الثورة السورية” كما أطلق عليها اصطلاحا، ولكن هذا الاصطلاح ذهب إلى غير رجعة نظرا لمجموعة من العوامل التي أفقدته محتواه ليتم انهائه وبشكل كامل خلال عمر الأزمة، هذه العوامل جلها جاء من “الثوار” أنفسهم، حيث لم يستطيعوا أن يوجدوا منهجية واضحة لثورتهم ولم يرسموا طريقاً صحيحاً لها، ما دفع الناس للابتعاد عنها رويدا رويدا، خاصة بعد بدء استخدام السلاح وقتل المدنيين فيها.
في البداية تمكن من أسموا أنفسهم بالثوار بجذب شريحة شعبية إلى جانبهم، من خلال اللعب على الوتر العاطفي ونظرا لكون الناس لديها مطالب محقة وجدت بهذا التحرك فرصة للمطالبة بتحسين ظروف معيشتها، لذلك خرج الناس إلى الشارع مطالبين بالإصلاح في البداية، وبينما كانت شريحة واسعة من الناس تائهة وليس لديها ادنى علم إلى أين ستؤول الأمور، كان هناك من يخطط في الغرف المغلقة، حيث وجدت الكثير من الدول في سوريا فرصة ثمينة للانقضاض عليها وسلبها خيراتها واضعاف حكومتها وتمزيقها وتقسيمها، ومن هنا بدأت تضيع الأهداف وتتغير وتتحول، خاصة بعد أن بدأت بعض الدول تمول بعض الجماعات في الداخل لتأزيم الأمور أكثر وجرها إلى حرب داخلية من خلال استخدام شعارات طائفية ومذهبية كان لها سبب كبير في تأجيج الأزمة وابعاد “الثورة” عن الهدف الذي بدأت به.
في مقابل هذا الضياع في الشارع السوري، “نظرا لتعدد الممولين وأهدافهم” جاء الخطاب الإعلامي الرسمي للدولة السورية ضعيفا في ظل الماكينة الإعلامية المقابلة العربية الغربية التركية التي نهشت الشعب السوري بكثرة الكذب والتحريض وبث اخبار كاذبة والتأكيد عليها مرارا وتكرارا حتى تحولت إلى حقيقة في بعض الاماكن، لذلك لم يكتب للإعلام السوري الرسمي النجاح في توعية الناس على التمييز بين المطالب المحقة وغيرها.
ولكن رغم الضعف الإعلامي على المستوى الرسمي في سوريا في مواجهة الحملة الشرسة إلا أن صمود الجيش السوري وحفاظه على وحدة صفوفه بالرغم من بعض الانشقاقات حال دون تقسيم البلاد، خاصة أن الجيش كان يشمل أبناء سوريا جميعا على اختلاف طوائفهم ومناطقهم، ولهذا ضخ الإعلام الغربي والعربي آلاف الأخبار الكاذبة عن هذا الجيش ومع ذلك بقي صامدا شامخا.
في مقابل هذا الصمود الأسطوري للجيش السوري الذي سانده فيما بعد بعض الحلفاء من قبيل ايران وروسيا، كان هناك أحلاف ومجموعات أخرى على الأرض متعددة الانتماءات والأهداف وفقا لمصالح داعميها، لذلك لم يكتب لهذه المجموعات النجاح، وبدأت بعد السنة الأولى من عمر الأزمة تتناحر فيما بينها حتى أن بعضها تم تصفيته بشكل كامل ولم يعد يسمع أي خبر عنه.
النقطة الأهم أن المعارضة المسلحة في سوريا على اختلاف تسمياتها لم تتمكن على مدار سبع سنوات من الأزمة السورية من جعل الناس تلتف حولها، للأسباب التالية:
أولاً: القيادات السياسية لهذه المجموعات لا تملك منهجاً وخارطة طريق واضحة لسوريا، لذلك كنا نجدها تتناحر فيما بينها في كل مناسبة يتم فيها الدعوة لعقد اجتماع يوحد كلمة هذه المجموعات، ومع كل اجتماع كان يزيد الانقسام فيما بينهم عوضا عن اتحادهم، ولهذا لم تتمكن هذه المجموعات من إقناع شريحة واسعة من الشعب السوري بالانضمام إليها لعدم امتلاكها لأي أسباب مقنعة للطرف الآخر، وكما يقول المثل “فاقد الشيء لايعطيه”.
ثانياً: الخطاب الطائفي الذي كانت تتحدث به الجماعات المسلحة في سوريا، كان له السبب الأبرز في ابتعاد الناس عنها، فجميعنا يعلم حساسية هذا الأمر في سوريا، البلد الذي يتميز بنسيج متنوع ومتعدد من شرائح اجتماعية مختلفة وطوائف واثنيات متعددة، وبهذا الخطاب الطائفي أبعدت هذه الجماعات الناس عنها وجعلتها تتجه رويدا رويدا باتجاه الحكومة السورية التي تحترم جميع الطوائف وتحارب كل من يدعو للتقسيم واستخدام هكذا نوع من الخطابات.
ثالثاً: في سوريا كل جماعة مسلحة كانت تدعمها دولة ما، البعض كان يأخذ دعمه من تركيا أو السعودية والبعض الآخر كان يلتجئ للحضن الأمريكي أو القطري ومع اختلاف المصالح بين هذه الدول الأربع كانت تبدأ الخلافات بين الجماعات المسلحة على الأرض، وفي بعض الأحيان كانت تترك بعض الجماعات دون تمويل أو تسرق أموالها من قبل أطراف داخلية ضمن الجماعة نفسها، لذلك كانت الناس تبتعد أكثر وأكثر.
رابعاً: المعارضة في الخارج كانت مبعثرة ومتشرذمة أيضا ولا تملك أي منهجية واضحة ولا حتى أي شيء تستطيع من خلاله جذب الناس إليها، لذلك كانت تتنقل من فندق إلى فندق آخر وتبيع الناس الذين يعيشون في ظروف معيشية صعبة جدا داخل سوريا، كلاماً فارغاً من أي محتوى عملي ويدعونهم لاسقاط النظام من شرفة فنادقهم دون أن يكون لديهم أدنى علم عن طبيعة المعركة على الأرض.
ختاماً، عدم استخدام خطاب وطني بل طائفي وعدم تقديم نموذج ناجح، بالإضافة إلى ضعف الهيكلية الناتج عن ضعف الخبرات، والارتباط بمشاريع خارجية “تركيا، السعودية، قطر، أمريكا”، فضلا عن الالتجاء للخيار العسكري والتعاون مع الجماعات التكفيرية، كل هذه الأسباب وغيرها أنهت كل مشاريع المعارضة بجميع فصائلها واضعفتها، لتعلو كلمة الدولة وجيشها القوي المتماسك ويصبح هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة على الأرض بعد هذه السنوات السبع.
المصدر / الوقت