سر بقاء واستمرارية الثورة الإسلامية في إيران
خمسة عقود مرّت وما زالت الثورة في إيران محافظة على هويتها الثورية، و”النظام الإسلامي” المنبثق عنها لا يزال يعمل بأفكار ثورة عام 1979، لم تتغير أي من مبادئ واهداف الثورة الإسلامية ولم تفقد أهميتها، فالقيادة والثوريين ما زالوا يحافظون على مسار الثورة، ولا يزال العالم ينتظر ايضاً تطورات استراتيجية جديدة ستحققها هذه الثورة. هذا هو الفرق المهم بين الثورة الإسلامية والثورات الأخرى التي حدثت على الصعيد الدولي أو المحلي على مدى ثلاثمائة سنة مضت. وفي هذا الصدد يمكن القول:
عندما نتحدث عن الثورة بالمعنى الحقيقي، في الثلاثمائة سنة الماضية، كانت هناك ثورات مثل ثورة (1789-1799) في فرنسا، ثورة (أكتوبر 1917) في روسيا، ثورة (1949) في الصين، ثورة (1947) في الهند وثورة (1964- 1954) في الجزائر. كل ثورة من هذه الثورات كان لها اهداف معينة وثارت ضد نظام معين ونجحت في تحقيق انقلابها. ولم تستطع هذه الثورات والثورات المشابهة لها من البقاء والاستمرار لفترة طويلة من الزمن، حتى انها انحرفت عن أهدافها الأساسية. من هنا يمكن اعتبار الثورة الإسلامية استثناءً يحتذى به.
الثورة الفرنسية، التي اندلعت في أواخر القرن الثامن عشر ضد سلالة بوربون الملكي، انتهت في 1793، بعد أربع سنوات من انتصار مجموعات بقيادة روبسبيري. وبعد ذلك بوقت قصير، اندلعت الحرب الأهلية الفرنسية، والتي امتدت الى بعض البلدان الأوروبية الكبرى، واستمرت نحو 13 عاما وهي تعرف بالثورة النابليونية. وفي أعقاب هذه الحروب، قتل أكثر من 2,567,000 مليون جندي فرنسي ومواطنون من إسبانيا وبريطانيا وإيطاليا، وبلغ عدد الضحايا الفرنسيين 1,836,000. وفي ذلك الوقت، كان عدد السكان الفرنسيين يتراوح بين 15 و17 مليون نسمة.
وعلى الرغم من ان الثورة الفرنسية قد استمرت في البعد الثقافي، ولها تأثير ايضا حتى الان في العالم، الا ان طبيعة شعبها الان والذي ضرب وعطل في علاقات الجماعات القوية، فضلا عن عدالته في ذلك الوقت قد اختفت تماماً بل انها في البعد الثقافي أيضا ضاعت الحقوق الأسرية والفردية.
الثورة العمالية الروسية، نجحت ثورة أكتوبر الروسية في التغلب على القيصريين عقب سلسلة من الصراعات الطويلة بين عامي 1905 و1917. في هذه الثورة، تغلبت الطبقات العاملة الروسية بقيادة ليون تروتسكي (1940-1879) على الجيش الأبيض المدعوم من البريطانيين والفرنسيين، ونجحت في هزيمة القيصر نيكولاس الثاني. وبعد 130 يوم تمت الإطاحة بحكم تروتسكي، ليأتي مكانه “فلاديمير لينين” الذي توفي في أوائل عام 1924، بعد ثلاث سنوات من المعاناة مع المرض ليتسلم الحكم جوزيف ستالين، الذي استمر حتى وفاته في عام 1953. كل الذين كتبوا عن الثورة الروسية ذكروا بصراحة أن ثورة العمال الروس بقيادة لينين عام 1922، حتى سلفه ستالين، دمرت وانقلبت على نفسها.
ثورة المزارعين الصينيين، بدأت في عام 1921 تحت قيادة ماو زيونغ، ونجحت في عام 1949، أي بعد ما يقرب من 28 عاما على انطلاقها. وكان شعارها والغرض منها إلغاء النظام الطبقي وانصاف حقوق المزارعين، اما في المجال الخارجي، كان هدفها النضال ضد الهيمنة الأمريكية والسوفياتية. واسفرت الثورة الصينية عن مقتل أكثر من 40 مليون شخص.
وعلى الرغم من أن ماو توفي في عام 1976، بعد 33 عاما من الثورة، ولكن في العقد الأخير من حياته، أشعل الثورة الثقافية الكبرى وكان في السبعينيات من عمره وقتها، أراد منها سحق المعارضة، فقام بإطلاق ملايين الطلبة من المدارس العليا والجامعات ليخدموا كحرس حمر ولكنهم سببوا الفوضى في البلاد، دافعين بالصين إلى حرب أهلية ضارية انهت الثورة.
ثورة الجزائر، حقق الشعب الجزائري النصر على الاستعمار الفرنسي بين عامي 1954 و1962، وكان الهدف الأساسي من هذه الثورة هو تحقيق الاستقلال السياسي والحكومي عن الاستعمار الفرنسي، الا ان هذه الثورة لم تستمر لأكثر من ثلاث سنوات فقط، حيث عادت مرة أخرى في شكل “الجمهورية الجزائرية” الى الحضن الفرنسي عبر سيطرت حزب “جبهة التحرير الوطني” على الحكم في الجزائر المدعوم منها.
باختصار، يمكن القول إن الثورات في العالم، بما في ذلك الثورات العالمية او الداخلية قد انتهت في غضون فترة قصيرة من الزمن، وفي الوقت نفسه، تدخل الثورة الإسلامية في إيران عامها الأربعين على التوالي، وتواصل تحقيق الأهداف الطموحة على الصعيدين الوطني والدولي. ولكن لماذا وكيف؟
كانت الثورة الإسلامية في إيران ثورة دينية بامتياز، قادها أكبر الزعماء الدينيين. ويمكن القول ان الدين، وبسبب قيمه الأساسية، قد كان له أثر كبير في ديمومة واستمرار الثورة في إيران. أيضا ان القيادة الدينية كان لها أثر كبير في الحافظ على إرث الثورة واستمرار خط المؤسس. ويضاف الى ذلك ان الزعيم الثاني للثورة الإسلامية، يختلف عن القادة الثانيين للثورات الأخرى، فبعد وصوله الى قيادة الثورة لم يقم بمراجعة اهداف الثورة بل على العكس أكد وحافظ عليها عبر اشرافه الشخصي والمباشر على متابعة أمور الدولة وتسيير أمور المواطنين ومحاربة الأعداء المتربصين بالثورة.
إذا ً11شباط 1979 تاريخ كبير لن تنساه شعوب المنطقة والعالم، حدثٌ تاريخيٌ قلب الموازين الاستراتيجية اقليمياً ودولياً فارضا واقعاً سياسياً مغايراً، بعيداً عن تلك الإصطفافات التي كانت موجودة في تلك الفترة. ثورة حدثت في توقيت حساس حيث كانت المنطقة تعيش جملة من التعقيدات واستمرت حتى اليوم رغم الثورات الكثيرة التي شهدتها المنطقة من حولها في الآونة الاخيرة وهي تمثل اليوم ثقلاً سياسياً، اقتصادياً، عسكرياً، إقليمياً واستراتيجياً شغل ولا يزال يشغل العالم.
المصدر / الوقت