التصفيق للمجهول !
ثقافة – الرأي –
* حسين الهاشمي
في قاعات الغنائم البائسة ، وفي زمن التواطؤ بين المنتفعين من الوهم ، في ذروة الفوضى المحتشدة دونما هدف أو أفق ثقافي حقيقي قريب أو بعيد .. وفي أوقات وأماكن (بعضهم) ، من المنتفخين بوجه الحقول أملاً باهتزاز غصن من أغصان المتلقي البعيد وغير الآبه لما يأملون ، في أمكنة الدس والكذب والرياء والشيطنة والبيع والشراء بالكلمات والمواقف والنوايا الرخيصة ، وهي بعض الملامح لمجتمع ثقافي مريض بأمراض مزمنة ،يكون موقف العزلة أو الوقوف متفرجا أشرف من الإيغال في الخراب تحت يافطات بشعارات كبيرة جدا وخيالية حد التطرف أو الدجل ، وأشرف من المساهمة في ثقافة الأسواق لنشل المغفلين ، من الباحثين عن العناوين والصفات والهويات ، ومن اللاهثين نحو طوابير الضجيج والمنصات والشهادات والمهرجانات الخاوية إلا من التصفيق للمجهول .
هكذا هم يصفقون ، في كل زمان ومكان، للمجهول الذي يتم دعوته في كل عام وبإلحاح وجهد وصوت عال ، كي يكون حاضرا على المنصات ، من فوقهم ومن تحتهم يغرد الأناشيد والقصائد والمواويل المكررة ، ليكملوا دورهم ودورتهم في تعميق الخراب من دون أن يشعروا ، وربما يشعرون ، من يدري ؟! وتلك مصيبة أعظم ، هؤلاء أصحاب الأصوات العالية اليوم ، هم أكثرهم خنقا للأصوات في زمن غابر ولّى ، هؤلاء تراهم دائما قرب الميكروفونات ومصادر الضوء والشاشات والصحف ووكالات الأنباء ، وكل وسائل التوصيل المتوفرة ، وبلا أثر ..ولكن الأهم أن يكتمل حفل الخواء وتكتمل نشوة انجاز واجهات قادمة مدفوعة الأجر لمعارض النفايات ، ونشوة رحلات يومية إلى خارطة المجهول ، المجهول الذي يصفقون له دائما وهم يتلاعبون بالقوافي ذاتها التي كانوا يرددونها قبل عقود من الزمن ،مثل بوق عتيق ، والفرق بين موسم وآخر هو تحوير العناوين والأسماء والتواريخ ، كي تكون النسخ الجديدة صالحة للتداول بين أناس مشغولين بحجز مقاعدهم من أجل التصفيق له ، للمجهول اللامع المناور والمخادع والملازم ، دون انقطاع ، ومن أجل التقاط الصور التذكارية معه أيضا..
وتستمر الدورة ، ويستمر الدور من أجل زبد يراد له أن يمكث في الأرض عنوة ، ولو بالتكرار والانحطاط وبجهود المصفقين دائما.