ما هي نظرية “امن الشبكة” الإيرانية وهل يمكن تطبيقها في جنوب آسيا؟!
في 18 يناير / كانون الثاني، كشف وزير الخارجية الإيراني محمد جود ظريف في “مؤتمر طهران الثاني للأمن” والذي استمر ليوم واحد، النقاب عن استراتيجية السياسة الخارجية الجديدة لإيران. ووصف ظريف الاستراتيجية بـ “أمن الشبكة”، معتبراً إياها الحل الوحيد من أجل خروج الشرق الأوسط من أزماته الحالية، بما في ذلك الصراعات العسكرية والتوترات السياسية المتزايدة. ويعدّ مصطلح “أمن الشبكة ” مصطلحاً شائعاً في الأدبيات السياسية لوزير الخارجية الإيراني، وقد حاول مراراً وتكراراً شرح ذلك في الخطابات والمقابلات في الأروقة الدولية.
مفهوم أمن الشبكة
باختصار، إن “أمن الشبكة” هو محاولة للحدّ من النزاعات السياسية والأمنية والاقتصادية والتاريخية وغيرها من أجل الحفاظ على الاستقرار الدائم في المنطقة من خلال المفاوضات الثنائية أو المتعددة الأطراف حول طاولة المفاوضات وليس عن طريق المواجهة العسكرية المباشرة أو عن طريق الحرب الباردة بين المتنازعين. وفي هذه الحالة تحاول جميع الأطراف المجتمعة الاعتراف بالاختلافات في المفاهيم (الخاطئة أو الصحيحة)، بدلاً من انتقاد الجهات الفاعلة الأخرى والقضاء عليها، وتحت مبدأ الفائز – الفائز تبدأ المفاوضات بين جميع الأطراف، التي تهدف إلى تحقيق منطقة خالية من التنافس العنصري والعرقي، وفي نفس الوقت، العيش والتعاون السلمي والسلام بين البلدان.
وفي الوضع الحالي، تحاول الجمهورية الإسلامية في إيران تطبيق هذه النظرية في غرب آسيا مع التركيز على التوترات الكبيرة في الخليج؛ لأن معظم الصراعات والمنافسات تنطلق من بعض الحكومات العربية في هذه المنطقة وفي مقدمتها السعودية ضدّ إيران.
ويعدّ إعلان ظريف عن هذا النظام خطوة أولى نحو الانتقال إلى نموذج جديد لشبكة الأمن في غرب آسيا الذي سيجعل من المنطقة أكثر قوة واستقراراً وتنعم بالسلام والأمان. وفي هذا السياق دعت إيران، باعتبارها واحدة من القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة وخاصة بعد نجاح الاتفاق النووي، إلى إنشاء “منتدى حوار إقليمي” في الخليج، والذي يمكن استخدامه كآلية للحوار على جميع المستويات الرسمية وغير الرسمية في المناطق المتوترة.
ولكن هل من الممكن تطبيق هكذا نظرية في جنوب آسيا؟ من أجل فهم أفضل للموضوع، من الضروري إلقاء نظرة عامة على الوضع في جنوب آسيا.
الوضع الحالي في جنوب آسيا
تبلغ مساحة المنطقة حوالي خمسة ملايين كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها أكثر من ملياري نسمة، وتعاني من التوترات والحروب الدامية المستمرة طوال السبعين سنة الماضية على الأقل (منذ استقلال الهند وتأسيس باكستان)، والتي ولدت على أثرها بنغلاديش. وبسبب التنافس الحاصل بين الهند وباكستان، حصلت كلٌّ منهما على تكنولوجيا القنبلة الذرية، واستطاعت كل من أمريكا والكيان الإسرائيلي من ناحية، والصين والاتحاد السوفيتي (لاحقاً روسيا) من ناحية أخرى، من اكتساب موطئ قدم قوي في جنوب آسيا، وقد كسبت مئات المليارات من الدولارات جراء بيع الأسلحة الذي كان له عوائد اقتصادية كبيرة كما استفادت هذه البلدان من تبادل المعلومات الاستخبارية التي كان لها دور فعال بزيادة التوترات بين بلدان الجنوب الآسيوي.
أفغانستان
وفي ظل هذه الظروف، تعاني أفغانستان أيضاً من لهيب الحروب الدامية المستمرة منذ نحو أربعين سنة مضت، كما أنها تعرّضت للاحتلال الأمريكي وحلف شمال الأطلسي لأكثر من سبعة عشر عاماً والذي ساهم في تفتت وتشتت البلد. ومن الناحية السياسية، تعدّ أفغانستان من البلدان الفقيرة والمفلسة إلى حد ما، وبفضل المساعدات والمنح من بعض القوى الاقتصادية الرئيسية في العالم مثل أمريكا والصين واليابان وبعض الدول في المنطقة، مثل إيران والهند، استطاعت تجنب الانهيار حتى أيامنا هذه.
باكستان
أما بالنسبة لباكستان، فتعاني من ظروف اقتصادية والسياسية متقلبة كثيراً، حيث شهدت مراراً خلال العقدين الماضيين انقلاباً عسكرياً واستقالات متكررة للحكومات المدنية لأسباب مختلفة، بما في ذلك تفشي الفساد الإداري في المؤسسات الإدارية وغيرها من الأمور الأخرى.
الهند
أما بالنسبة للهند فالوضع مختلف تماماً عن باقي دول جنوب آسيا، فهي دولة بها أكثر من 1.2 مليار نسمة وفيها تعدد عرقي وديني فريد، وتعدّ ثاني اقتصاد في العالم بعد الصين وواحدة من أبرز الدول المتميزة في مجال التكنولوجيات الجديدة وتكنولوجيا المعلومات. ويقول محللون إن هذا التطور في الهند يعود إلى اتباع قادتها سياسة النأي بالنفس في التعاطي مع أزمات المنطقة كالصراع الفلسطيني-الصهيوني، والصراع السياسي بين إيران وأمريكا وبين إيران والسعودية.
احتمال نجاح
نظرية “الأمن الشبكية” في جنوب آسيا
في ظل الظروف الحالية، وعلى الرغم من الصراع المستمر بين الهند وباكستان، والذي يكلّف حكومة “مودي” مصاريف مالية هائلة، فضلاً عن التكاليف المالية التي يدفعها الأخير من أجل التوسع في دول صغيرة في جنوب آسيا، مثل سريلانكا وجزر المالديف وبوتان ونيبال وميانمار من أجل الحدّ من النفوذ الصيني الباكستاني هناك. وتعدّ نظرية “أمن الشبكة” في مثل هذه الظروف مفيدة من أجل حلّ النزاعات بين الأطراف إلا أن المقاربة الأمريكية والصهيونية السريعة للأوضاع في الجنوب دفعتهم إلى التقرب من نيودلهي، والتي قابلت هذا التقرب بالترحيب، ما قد يسهم في عدم نجاح تطبيق هكذا نظرية بسبب تيقن الأمريكي والإسرائيلي من أن استقرار مناطق الجنوب الآسيوي سيكون له نتائج عكسية على اقتصاد أمريكا والكيان الإسرائيلي المستفيدين الأكبر من اشتعال الصراعات في المنطقة.
المصدر / الوقت