كيف أحرجت إيران أوروبا وكيف سيكون شكل العلاقة مع الأمريكي مستقبلا؟!
لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال عزل إيران عما يجري من تطورات في العالم بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية استطاعت أن تحجز لها مكاناً فاعلاً ومؤثراً في التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة، وأثبتت هذه الدولة الإقليمية صمودها وقوتها للعالم أجمع بالرغم من كل الحصار الذي تعرّضت له والعقوبات الاقتصادية التي تنهال عليها الواحدة تلو الأخرى بحيث لا يكاد يجفّ حبر حزمة العقوبات الأمريكية التي تفرضها واشنطن على طهران حتى تصدر أمريكا حزمة جديدة غير مبررة الأسباب، ومع ذلك لم تستسلم إيران بل على العكس أصبحت أقوى وأمتن وبرهنت للجميع أنه لا يمكن تجاوزها أو حتى تحييدها من أي لعبة إقليمية قد تشهدها المنطقة.
والأمر الأبرز الذي يتم من خلاله محاولة الضغط على إيران وإجبارها على التنازل عن مجموعة من الثوابت التي تتمسك بها هو “الاتفاق النووي” الذي وقع في يوليو/تموز 2015 والذي اعتبر حينها انتصاراً منقطع النظير للدبلوماسية الإيرانية، وكانت الدول الست الكبرى ماضية في تطبيق بنود الاتفاق إلى أن جاء الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب لينسف هذا الاتفاق ويحاول تقويضه بجميع الوسائل الممكنة حتى لو اقتضى الأمر فرض عقوبات على أوروبا لثنيها عنه ومنعها من المضي قدماً في هذا الاتفاق الذي على ما يبدو لم يناسب صفقات ترامب التجارية.
السياسة الجديدة التي انتهجتها واشنطن بعد وصول ترامب أحرجت أوروبا ووضعتها في مكان لا تحسد عليه كونها تعلم جيداً ماذا يعني أن تعطل الاتفاق النووي وتعلم أكثر ما مدى تأثير ذلك على المنطقة ككل، ومؤخراً تحدثت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عن مخاطر المس بهذا الاتفاق موجهة كلامها لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو محذرة إياه بالقول: ” إلغاء الاتفاق النووي سيؤدي لحرب شاملة”، بحسب ما كشفته القناة العاشرة الإسرائيلية، وأضافت القناة العبرية: خلال الاجتماع قبل شهر بين نتنياهو وميركل في القمة الاقتصادية في دافوس، مررت ميركل تحذيراً ورسالة قوية إلى نتنياهو على خلفية الاتفاق النووي مع إيران الذي ينوي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلغاءه. وسألت ميركل نتنياهو: ما هو البديل الذي تراه للاتفاق؟.
واعتبرت ميركل أن إلغاء الاتفاق من جانب ترامب سيؤدي إلى حرب في كل المنطقة. وقالت محذّرة: في حال قام الرئيس الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق الموقّع بين طهران والدول الكبرى سيؤدي ذلك إلى فقدان العالم ثقته بالدول الغربية، وسيجعل دولاً، مثل كوريا الشمالية لا ترغب بالتوقيع على اتفاق كهذا في المستقبل، كما أن خطوة من هذا القبيل ستؤدي إلى تقسيم الدول الغربية إلى معسكرين، إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وباقي الدول الغربية من جهة أخرى.
في مقابل ذلك يخشى مسؤولون ومحللون أوروبيون من أن يؤدي انهيار الاتفاق الإيراني إلى سباق تسلّح في الشرق الأوسط وصراع بين إيران وإسرائيل بالإضافة إلى تصعيد الحروب بالوكالة في المنطقة بين إيران والسعودية، كما يخشون أن يقضي ذلك على أي فرصة مهما بلغت ضآلتها للتوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية عن طريق التفاوض، كما أن هناك خطراً يتمثل في مزيد من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا خاصة إذا استهدفت واشنطن المؤسسات الأوروبية التي لها أنشطة تجارية في إيران.
ولكن وبالرغم من هذا الحرص الأوروبي لعدم السماح للاتفاق النووي بالانهيار إلا أن أوروبا لا يمكنها الذهاب كثيراً في معاندة واشنطن لما تعانيه من ضعف غير مسبوق في هذه المرحلة، لذلك نجدها لا تدّخر جهداً في فرض عقوبات هي الأخرى على إيران، ومؤخراً أظهرت “وثيقة سرية” اطّلعت عليها “رويترز” أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا اقترحت فرض عقوبات جديدة من الاتحاد الأوروبي على إيران وتعتقد هذه الدول الثلاث أن الإجراءات ستكون مبررة بموجب الاتفاق النووي مع طهران، وقال مصدران مطلعان إن الوثيقة المشتركة أرسلت لعواصم الاتحاد الأوروبي الجمعة لحشد الدعم لمثل تلك العقوبات التي ستحتاج لموافقة حكومات كل الدول الأعضاء في التكتل.
هذا الكلام يثبت لنا بأن لعنة الاتفاق النووي تلاحق أوروبا وتعرّي سياستها ومنهجيتها الازدواجية في التعاطي مع إيران، وتثبت للمرة الألف أن أوروبا فقدت شخصيتها التي كانت تمتاز بها لعقود طويلة، ولا نبالغ إذا قلنا إن القارة العجوز وخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أصبحت تعتمد أنصاف مواقف لا ترتقي لمستوى دول بحجمها وكأنها استسلمت للولايات المتحدة الأمريكية وانتقلت في العلاقة مع واشنطن من المنافسة والندية إلى التبعية السياسية.
هذه الطريقة الانهزامية تدلّ بشكل واضح على خضوع أوروبي شبه كامل لسياسة واشنطن من أجل استرضائها، لكن في الوقت نفسه لا تريد أن تقطع حبل التواصل مع إيران كونها تربطها بها علاقات اقتصادية ومصالح عدة لذلك نجدها ترغب في الاستمرار في الاتفاق النووي من جهة ولا تريد الوقوف في وجه واشنطن من جهة أخرى، لذلك نجدها تمسك العصا من الوسط في سياستها المتبعة تجاه هذا الملف الحساس من أجل خداع الرأي العام العالمي وترك مساحة للعب، ولكن لا نعتقد أن هذا الأسلوب سيخدم أوروبا طويلاً وقد تضطر قريباً لتحديد موقفها من الملف النووي الإيراني.
المصدر / الوقت