لماذا تريد السعودية تقسيم اليمن وتدعو لتشكيل “كردستان الكبرى”؟!
تصريح لافت جديد تطلّ به علينا السعودية عن طريق لوائها الجنرال المتقاعد أنور عشقي، الرجل المعروف بعشقه للتطبيع مع كيان الاحتلال والذي لا ينفكّ عن المطالبة به منذ أكثر من عقد كامل، ولكن هذه المرة وعلى الرغم من أنه لم ينسَ مباركة التقارب “السعودي الإسرائيلي” إلا أن نغمته اليوم تعزف على وتر “تقسيم المنطقة” وتفتيتها وإحداث فتنة جديدة هدفها إشعال المنطقة من جديد بعد أن كادت نيرانها تنحسر.
اللواء المتقاعد عشقي غرد على حسابه على تويتر يوم أمس الثلاثاء، داعياً إلى تقسيم اليمن وإعلان “كردستان الكبرى”، وكأن ضابط الاستخبارات عشقي لا يعلم ما يجري في المنطقة أو يريد تجاهل ذلك بعد أن فشلت بلاده بتحقيق ما غرّد به في كل ما يخص كلّاً من اليمن والعراق، وبالتالي لا يمكن أن نقرأ كلامه إلا في إطار إعلان تحدٍ مباشر لـ”تركيا” التي تعتبر اللعب في ملف الأكراد “خطاً أحمر” ولن تتوانى لحظة واحدة عن تحريك جيوشها في حال استشعرت أي خطر يقترب من الأمن القومي لبلادها، والتحدي الآخر في كلام عشقي يمكن أن نعتبره موجّهاً نحو العراق التي لهث مسؤولو السعودية إليها بعد أن تحررت من “داعش” لمحاولة الحصول على أي فرصة للدخول إلى السوق العراقي للحدّ من نفوذ إيران هناك وضمان علاقة مستقبلية مع العراق عبر التلويح بمشاريع اقتصادية تعود بالخير على الشعب العراقي، لكن ما يفعله المسوؤلون السعوديون وعلى رأسهم عشقي لا يبرهن وجود أي حسن نية من السعودية تجاه العراق، فهل يمكن لدولة مثل السعودية تخاف حقيقةً على المصالح العراقية وتريد الخير لأبنائه ومن ثم تدعو لتقسيمه بعد كل الدماء التي ضحى بها العراقيون للحفاظ على وحدة أراضيهم.
اللواء عشقي نشر سلسلة من التغريدات على “تويتر”، كتب في إحداها ” لو أن شعب الجنوب العربي وحد صفوفه، وشكل دولته، وطوّر الموانئ، لكان من أفضل الدول في الشرق الأوسط، ولسوف يحقق ذلك”.
وكلام عشقي واضح فهو يدعو لتقسيم اليمن إلى دولتين جنوبية وشمالية، بعدما كانت الإمارات وحدها تتبنى تلك الرؤية، ولا نعتقد أنه بعد ثلاث سنوات من العدوان على اليمن يمكن لضابط الاستخبارات المتقاعد عشقي أن يتحدث بلغة أخرى، فهل يتصور أحد بأن عشقي المقرّب من السلطات السعودية يمكن أن يتحدث عن فشل بلاده هناك وعجزها عن تحقيق أي هدف لها، أو أن يعتذر عن المجازر التي فعلتها بلاده بحق أطفال اليمن ونسائها، وبالتالي ليس أمامه سوى الهروب للأمام في الملف اليمني، فحتى الحكومة التي أنشأتها بلاده لليمنيين وسمتها حكومة شرعية، فقدت شرعيتها بعد أن انهارت من الداخل وخرج منها ثلاثة وزراء، الحقيقة الواحدة الموجودة اليوم في اليمن هي أن السعودية عاجزة عن إحداث أي تغيير على الساحة اليمنية لمصلحتها أو لمصلحة اليمنيين وما انتقالها إلى التحريض الإعلامي عبر عشقي وغيره لتقسيم اليمن إلا دليل ضعف وعجز بعد أن فشلت كل المحاولات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية لإرضاخ اليمنيين.
هذا العجز تكرر في العراق، فمن يلاحظ ما يجري في المنطقة من معادلات سياسية جديدة يجد أن السعودية خارج جميع هذه المعادلات، ويمكننا أن نلاحظ بنسبة أكبر أفول النجم السعودي مقابل صعود النجم الإيراني لأسباب كثيرة أهمها إيمان إيران بأن المنطقة يجب أن تحارب مشروع التقسيم الذي تصدره الولايات المتحدة الامريكية إلينا، وهذا الأمر أعطاها ثقة كبيرة من قبل الشعب العراقي والسوري وكذلك الأمر بالنسبة لليمني، وبما أن الرياض أصبحت خارج اللعبة السياسية في المنطقة لا بدّ لها من أن تجد طريقة للدخول من جديد في هذه اللعبة، ولكن على ما يبدو ضعف التكتيك السعودي يجعل أعداءها يصعدون ويكسبون الثقة، حتى حلفاؤها السابقون يلجؤون إلى خصومها نتيجة سياستها الإقصائية المتكبرة، ولذلك ونتيجة العجز نجد عشقي يغرد بالتالي: إن “أمريكا حليف تكتيكي لكردستان، لكنها حليف استراتيجي لكل من تركيا وإيران، وليس لنظام الملالي وأردوغان. وهذا ما يفسر الواقع من حولنا”.
وأضاف الجنرال السعودي المتقاعد: “على الأكراد أن يوحدوا صفوفهم وأن يكون هدفهم الاستراتيجي كردستان الكبرى بطريقة سلمية وبهدوء وروية”.
هل يعتقد عشقي بأنه يستطيع أن يكسب الأكراد بهذه التصريحات؟!، بالتأكيد لا فالأكراد ونتيجة تحالفهم مع واشنطن وحلفائها عاشوا مرارة لم يعيشوها طوال العقود الماضية، لذلك لا نعتقد بأن الأكراد -وإن كان كلام عشقي يدغدغ مشاعرهم – يستطيعون الذهاب بهذا الاتجاه، لأن المناخ الإقليمي لا يسمح بذلك، ونحن هنا نتحدث عن دول كبرى تعارض ذلك، مثل “تركيا وإيران وحتى أوروبا” وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا والعراق، وبالتالي لا يمكن أن نصف كلام عشقي سوى أنه” تحريضي يهدف لرمي فتن جديدة دون أهداف واضحة سوى تقسيم البلاد التي سيكون لها ارتدادات سلبية على السعودية نفسها في حال حدث ما تتمناه السعودية، علماً أن ذلك لن يتحقق طالما أن هناك عراق موحد استطاع الدفاع عن وحدة البلاد في أحلك الظروف ولطالما هناك رفض تركي، إيراني وسوري.
المصدر / الوقت