التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, نوفمبر 20, 2024

استراتيجية التخويف والتخويف بالوكالة 

تعدّ الإدارة بالتخويف إحدى الاستراتيجيات الإدارية البارزة التي تهدف للتحكم في البشر والدول باستخدام التهديدات سواء أكان بطريقة مباشرة وهو النوع الكلاسيكي أم غير مباشرة وهو النوع الأكثر تعقيداً تحت عنوان الإدارة غير المباشرة بالتخويف.

هذا النوع من الإدارة، الأوّل والثاني، يحضر بقوّة في العلاقات العربية الغربيّة فما كشفته صحيفة شبكة “سي أن أن” الأمريكية حول توجيه ترامب كلاماً قاسياً لعاهل دولة خليجية لم يكن بعيداً عن السياق السياسي الرائج في المنطقة.

يعتقد كثيرون أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط اختلفت كثيراً منذ قدوم الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، ولكن حقيقة الأمر تبدو مغايرة بعض الشيء.

لا يختلف اثنان على حدوث جملة من التغيّرات في السياسة الأمريكية، ولاسيّما لناحية عدم استقرارها في ظل تغييرات وتعيينات ترامب شبه اليومية، إلا أن الاعتقاد السائد أعلاه يعود لأسباب تتعلّق بشخصية الرئيس الأمريكي، فما كان يهمس به الرؤساء السابقون في السر، يجاهر فيه ترامب بالعلن، بل بوقاحة غير مسبوقة.

شبكة “سي أن أن” الأمريكية وفي معرض نقلها لوقائع الاجتماع الصاخب والمتوتر بين ترامب وعدد من جنرالات الجيش ومسؤولي البنتاغون حول الانسحاب الأمريكي من سوريا، نقلت عن مصادر خاصّة تباهي ترامب “بين بعض الأصدقاء بأنه وبمجرد انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، فسيحتاج الملوك الأثرياء في تلك الدول إلى التخلي عن طائراتهم الخاصة، وأساليب حياتهم باهظة الثمن”. توضح الصحيفة نقلاً عن المصدر نفسه أنّ ترامب خاطب أحد ملوك الدول الخليجية بالقول: “من دوننا لن تبقى مدة أسبوعين، بلدك سوف تُجتاح، وسيكون عليك أن تطير بطائرات عمومية”.

يكشف الكلام الأخير جانباً غامضاً في العلاقات الأمريكية الخليجية بشكل عام، والعلاقات الأمريكية السعودية على وجه الخصوص، يُضاف إلى استراتيجية “الحلب” المتّبعة من قبل ترامب مع السعوديّة. يتعلّق هذا الجانب باستراتيجية “التخويف” و”الفوبيا” التي يزرعها الراعي الأمريكي مع حلفائه الخليجيين، أو “أتباعه” بعبارة أدقّ، ولعل هذا الأمر يفسّر استراتيجية التخويف التي يعتمدها العديد من الزعماء الخليجيين تجاه إيران، حزب الله، سوريا، وفي وقت سابق الشيعة.

من هنا عندما يعلو صوت بعض الزعماء الخليجيين في إثارة سياسة التخويف من إيران أو أي دولة أخرى، فهذا الأمر يكون بمثابة نقل الخطاب الأمريكي إلى الشارع العربي عبر الزعيم الخليجي بعبارة تتلاءم مع ظروف معيشة المواطن العربي التي تتطلّب حذف عبارات تتعلّق بالطائرات الخاصّة واليخوت واللوحات الفنية الموجّهة للزعيم نفسه من قبل الجانب الأمريكي.

أي إنّ المعركة التي يحاول الترويج لها هؤلاء ليست في الحقيقة معركة الشارع العربي، بل يرونها معركتهم، معركة طائراتهم الخاصّة ويخوتهم، وهي في الحقيقة معركة الجانب الأمريكي مع الجهة المُراد التخويف منها، إيرانية كانت أم روسيّة أم سوريّة أم عراقية. لذلك، لا يستغرب البعض غياب أي تخويف من الكيان الإسرائيلي للشارع العربي، فبطبيعة الحال أمريكا لا تثير هذا الأمر مع هؤلاء الزعماء، بل على العكس تطلق عبارات التطمين تحت شعارات السلام، وهذا ما ينقله إلينا هؤلاء الزعماء الذين يدركون حجم الردّ الشعبي على أي خطوات تطبيعية علنيّة.

إيران فوبيا

تتربّع إيران على رأس التهديدات في الخطاب السعودي، ويبدو جليّاً كيف يدأب النظام هناك على توجيه البوصلة نحو إيران، كما تقدّمها واشنطن، لحرف الرأي العام عن الوضع الداخلي، والبوصلة الحقيقية فلسطين، ولكن هنا نسأل هل اعتدت إيران على أي دولة، عربية كانت أم غير عربية، منذ انتصار ثورتها الإسلاميّة؟.

قد يقول قائل “نعم” لقد دعمت النظام السوري على سبيل المثال، لتأتي الإجابة: اعتقادك السياسي هو الذي أوصلك إلى هذه النتيجة، وإيران ترى أنها تدعم الشعب السوري والنظام المقاوم هناك، تماماً كما دعمت حزب الله والفصائل الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني، والمقاومة العراقيّة في مواجهة الاحتلال الأمريكي. بعبارة أدقّ، يمكن تلخيص سياسة إيران الخارجية تجاه المنطقة بعبارة “فلسطين البوصلة”، ولعل هذه العبارة تفسّر أغلب المواقف الإيرانية تجاه القضايا العربيّة، فإيران ترى من واجبها الدفاع عن فلسطين ودعم حركة حماس التي يصفها البعض بالإرهابية، سواءً رضي البعض بها أم رفضها.

تدرك القيادة السعوديّة أن هذه الأساليب والحجج محدودة التأثير في الشارع العربي، لا بل أكثر من ذلك، أثبت ابن سلمان من خلال اعترافاته الأخيرة بطلب أمريكا من الرياض دعم القاعدة في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي، كيف أنّ السعوديّة تنفّذ الأجندة الأمريكية في سياستها الخارجيّة. ولا نستبعد أن تعيد السعودية هذه الاعترافات مجدداً، ولكن حول إيران، أي أن يفصح مسؤول سعودي في وقت لاحق عن ضغط أمريكا على الرياض لاستخدام سياسية إيران فوبيا، واستخدام لهجة طائفية ومذهبية الأمر الذي عزّز الحضور التكفيري والإرهابي في المنطقة.

إذاً، ما نشاهده اليوم من سياسة تخويف أو فوبيا في الإعلام العربي هي استراتيجية أمريكية بالأصالة، وسعودية بالوكالة، تماماً كما أن الحرب في سوريا والعراق مع الجماعات التكفيرية هي حرب بالوكالة تؤديها هذه الجماعات لمصلحة واشنطن، وبدعم سعودي، تماماً كما حصل في أفغانستان.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق