الواقع الأمني الإسرائيلي-الأمريكي بعد هجوم السبت
هل يشك أحد بأن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت أضعف من السابق في سوريا والعراق حتى؟!، وربما أكثر بُعدٍ يمكن التركيز عليه في هجومها الأخير على سوريا يوم السبت الماضي هو “البحث عن إعادة الهيبة لنفسها والبحث عن تأمين قواعدها هناك إلى جانب محاولة تثبيت الواقع الأمني لإسرائيل في ظل ظروف المنطقة المتأرجحة والتي تميل إلى كفة الجيش السوري وحلفائه”.
أظهر تحرير الغوطة الشرقية مؤخراً مدى ترهل المسلحين وداعميهم في سوريا، وأظهر أكثر كيف يمكن للجيش السوري وحلفائه أن يخرجوا من يقف في وجههم بكل ثقة وثبات ودون الخوف من أحد، ومن يلقي نظرة على تطور الأحداث في سوريا يجد أن الظروف جميعها تتجه لمصلحة الحكومة السورية التي أصبحت أقوى من أي وقت مضى، وبالتالي لا نستغرب تحريرها البقية المتبقية من البقع الجغرافية التي ترزح تحت سيطرة المسلحين في أي وقت تريده الدولة السورية والذي لا نعتقد بأنه سيطول، وبناءً على هذا ستواجه تركيا والولايات المتحدة نفس مصير المسلحين وسيتم إخراجهم من سوريا إن كان في السياسة أو في العسكر وفي كلا الحالتين دمشق حاضرة ومستعدة لذلك.
المخاوف الأمريكية والغربية ظهرت بشكل واضح في العدوان الثلاثي على سوريا فجر الـ14 من نيسان، هذه المخاوف تتجسد في قلق واشنطن من أن تتمكن الحكومة السورية من إعادة السيطرة على كامل سوريا وهذا الأمر ليس بالبعيد، خاصةً أن خيبة الأمل التي تعرّض لها المسلحون في سوريا لا يمكن لأحد من داعميهم أن يستوعبها، لأن القدرة التي أظهرها الجيش السوري تجعل واشنطن محقة في قلقها ونحن نعتقد بأن هذا القلق سيزداد أكثر فأكثر خاصة بعد أن فشل العدوان الثلاثي والأحادي والجمعي، فأولاً أسقطت الدفاعات الجوية السورية ثلث صواريخ ترامب الذكية الحديثة والجميلة وثانياً كان لإسرائيل مصير مشابه، حيث أسقطت الدفاعات نفسها طائرة “اف 16” عسكرية إسرائيلية “أمريكية الصنع” وثالثاً أحبط الجيش السوري جميع العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف دمشق وتمكن من تأمينها وكسر شوكة المسلحين في جميع بقاع البلاد، فكيف لا تقلق واشنطن؟!.
هل تبقى القوات الأمريكية في سوريا؟!
بحسب ما يزعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فإن لديه رغبة للانسحاب من سوريا، وبعد الهجوم الأخير نعتقد بأن هذه الرغبة زادت أكثر بكثير، وفي السابق قال ترامب التالي: “إنه يريد الخروج من سوريا لكن إذا كانت السعودية تريد بقاء القوات الأمريكية في سوريا فعليها دفع فاتورة بقائها”، وذلك رداً على تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمجلة “تايم” الأمريكية، والتي قال فيها إنه يدعم بقاء القوات الأمريكية في سوريا على المدى المتوسط، موضحاً، أن “وجود قوات أمريكية في سوريا، من شأنه الحدّ من طموحات إيران في توسيع نفوذها”.
وعلى ما يبدو إن هذه الفاتورة ستكون كبيرة على واشنطن حتى لو دفع ابن سلمان ثمنها، خاصةً أن أرواح العسكريين الأمريكيين في خطر مستمر والشعب الأمريكي لديه حساسية كبيرة تجاه هذا الموضوع، ولدى الجيش الأمريكي تجربة مريرة في العراق ولا يريد أن يعيدها في سوريا، خاصة مع تنامي قوة محور المقاومة ونشوء حركات مقاومة جديدة في سوريا لا نعلم إلى أي مدى ستهاجم القواعد الأمريكية على الأراضي السورية، وبالتالي ترامب لا يريد أن يخاطر بجنوده هناك، إذاً ما الحل؟!.
الحل تحدثت عنه اليوم صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، حيث كشفت الصحيفة عن خطة تعدّها إدارة الرئيس دونالد ترامب لإحلال قوات عسكرية عربية مكان القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا.
وقالت الصحيفة إن الإدارة الأمريكية طلبت من السعودية والإمارات وقطر المساهمة بمليارات الدولارات، وإرسال قواتها إلى سوريا لإعادة الاستقرار، وتحديداً في المناطق الشمالية، ولفتت إلى أن مستشار الأمن القومي جون بولتون اتصل بمسؤولين مصريين وطرح عليهم المبادرة.
هذا الكلام يتناغم إلى حد كبير مع رد ترامب على تصريحات ابن سلمان، وكأن لسان حاله يقول تريدون أن تدعموا الإرهابيين وتحاصروا إيران فلتذهبوا بأنفسكم إلى هناك عندها ستعملون ماذا ستختبرون هناك.
التجربة الأمريكية في المنطقة أصبحت ناضجة إلى حدّ ما وتعلم واشنطن جيداً أن الحل العسكري لن يجدي نفعاً ولا بأي شكل، وحالياً إن أي دولة ستكون عاجزة عن إسقاط سوريا بعد ثماني سنوات من الصمود، ولكن في نفس الوقت لا مانع لدى أمريكا في إحلال الفوضى هناك إذا دفع لها مقابل ذلك ولكن دون خسائر في الأرواح، لذلك الحل الجديد يوضح تماماً، الاعتراف بالعجز من جهة وعدم الرغبة بتحمل المزيد من التبعات من جهة أخرى، فقد أدركت القوات الأمريكية المتمركزة في سوريا أن عليها أن تهتم أكثر بما يجري حولها، حيث أصبحت الأعمال العسكرية ضد الولايات المتحدة أكثر شرعية في المنطقة من أي وقت مضى ولا أحد يستطيع أن يضمن عدم الاعتداء على القواعد الأمريكية التي لا يمثل وجودها أي صفة شرعية هناك.
المصدر / الوقت