التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

الأساليب التكتيكية للتطبيع الاستراتيجي بين الدول العربية والكيان الاسرائيلي 

يترّقب العالم بصمت صفقة القرن التي تلعب فيها السعودية دوراً محورياً، والتي تهدف عملياً إلى تصفية القضية الفلسطينية والقبول بالكيان الصهيوني المصطنع “كدولة جارة وصديقة” للدول العربية، إلا أن هذه الخطوة لم تأتِ دفعة واحدة بل سبقها الكثير من الخطوات التطبيعية التمهيدية، والتي نعاصرها منذ معاهدة كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري السابق أنور السادات مع الكيان الإسرائيلي، هذه الخطوات تنوّعت في المناسبات الثقافية أو الإعلامية أو الفنية أو الرياضية، ولعل أكثرها خطورة ما بدأنا نشهده اليوم من التطبيع حتى على المستوى الديني خاصة عندما دخلت دول الخليج على الخط مندفعة بفعل الابتزاز الواضح الذي تمارسه عليها الإدارة الأمريكية، بأن عروشهم هي رهن لدعم ورضى السيد الأمريكي عنهم.

ونحن هنا لا نتحدث عن التطبيع على مستوى الحكومات والدول، إذ إن التعاون بين الكيان الإسرائيلي وبعض الدول العربية قديم وإن لم يظهر للعلن في كثير منه، ومردّه أن هذه الدول تشترك مع “إسرائيل” بكونها قائمة أساساً على دعم الإدارة الأمريكية التي توظّفهم كأدوات للهيمنة على المنطقة، بل ما نريد أن نشير إليه هي الأساليب التآمرية التي تقوم بها هذه الدول بالشراكة مع أمريكا و”إسرائيل” من أجل تطويع شعوبها والدفع نحو تقبل الكيان الإسرائيلي والتطبيع معه على المستوى الشعبي.

وفيما يلي نسلط الضوء على أهم الأساليب التكتيكية التي يجري العمل عليها من أجل التطبيع الاستراتيجي للشعوب العربية مع الكيان الإسرائيلي:

أوّلاً: الإعلام

من خلال تصوير الصراع العربي “الإسرائيلي” ضمن العناوين الرئيسية على الشاشات الكبرى العربية وعلى رأسها الجزيرة والعربية أنه صراع فلسطيني “إسرائيلي”، وحتى في بعض الأحيان على أنه نزاع إيراني “إسرائيلي” على الأرض العربية، وكأن الدول العربية الأخرى غير معنية بكل الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والأراضي العربية المحتلة، كذلك تفرد هذه المحطات مساحات واسعة من برامجها لاستضافة الشخصيات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية وإعطائها المجال لبث خطابها المليء بالشتائم ضد المقاومة، هذا عدا عن الزيارات المتبادلة لوفود إعلامية من الدول العربية والكيان الإسرائيلي كان آخرها التي قام بها وفد إعلامي مغربي إلى الكيان الإسرائيلي والإشادة التي عبّر عنها تجاه الكيان المغتصب.

وعلى صعيد الشبكات الاجتماعية، فقد عمد الكيان الإسرائيلي إلى إنشاء العديد من الصفحات باللغة العربية، التي تحظى بالآلاف من المتابعين والأعضاء، عبر توظيف جيش من المحاورين المحترفين لتجميل الصورة الإسرائيلية للمتابع العربي، أو بالحدّ الأدنى نقل المتابع العربي من حالة الرفض إلى حالة القبول والنقاش.

ثانيا: المناسبات الدينية

في كل مناسبة دينية يطلّ الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي “أفيخاي أدرعي” ليبارك للمسلمين سواء بحلول العيد أم دخول شهر رمضان المبارك، وللأسف بدأ البعض يتجاوب مع الخطوات الماكرة للصهاينة في هذا المجال، معتبراً إياها خطوات تجاه السلام والتعايش المشترك مع “أهل الكتاب”، ناسياً أن الموضوع هنا يتجاوز موضوع أتباع ديانة سماوية، بل يتعلق بكيان عنصري مغتصب للحقوق والمقدسات، وممعن في جرائمه قتلاً وتهجيراً ضد أصحاب الأرض الأصليين.

كما أن الدعوة التي وجّهها وزير الاتصالات الإسرائيلي “أيوب قرا” لمفتي السعودية ورئيس هيئة العلماء “عبدالعزيز آل الشيخ” لزيارة فلسطين المحتلة تعتبر مؤشراً خطيراً لمساعي التطبيع الديني الذي يسعى إليه “الكيان الإسرائيلي”، خاصة وأن الدعوة جاءت مع إشادة بمواقف مفتي السعودية وفتواه بتحريم قتل اليهود وتجريم حركة المقاومة الإسلامية حماس ووصفها “حركة إرهابية”، ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي انسجاماً مع الموقف السعودي الرسمي الصريح تجاه تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” والذي عبّر عنه ولي العهد محمد بن سلمان في أكثر من مناسبة، ولا نستغرب استجابة هيئة العلماء السعودية لهكذا دعوات في المستقبل القريب، خاصة في إطار صفقة القرن ودور السعودية المحوري فيها.

فالسعودية باعتبارها أرض الحرمين الشريفين، والتي حاولت أن تكرّس نفسها على مدار عقود كدولة ذات دور محوري وذات قداسة خاصة في العالم الإسلامي، من شأن أي خطوة تطبيعية بينها وبين الكيان الإسرائيلي أن تشكّل عامل تضليل كبير للكثير من المسلمين حول العالم.

ثالثاً: المناسبات الرياضية

كثر في الآونة الأخيرة التطبيع العلني مع الكيان الإسرائيلي سواء عبر المشاركة في البطولات التي تقام في الأراضي المحتلة أم دعوة الفرق الرياضية الإسرئيلية للحضور في الدول العربية، والأنكى من ذلك أننا أصبحنا نرى هذه الخطوات تقام احتفالاً بذكرى اغتصاب فلسطين. حيث شارك مؤخراً كل من فريق البحرين والإمارات في سباق الدراجات الهوائية المقام في القدس المحتلة بمناسبة الذكرى السبعين لـ “قيام إسرائيل”.

كما شهد شهر مارس المنصرم مشاركة سائقين من الدولة العبرية في “رالي أبو ظبي الصحراوي” للسيارات، وقبلها احتضنت العاصمة الإماراتية بطولة “غراند سلام أبو ظبي للجودو”، وشهدت مشاركة لاعبِين “إسرائيليِّين”. كما شارك الكيان الإسرائيلي في نفس الفترة في بطولة لكرة اليد أقيمت في قطر بفريق للفتيان وآخر للفتيات، كما سمحت قطر قبلها بعدة أشهر للاعب “إسرائيلي” للمشاركة ببطولة لكرة المضرب، الأمر الذي تبعه إشادة من الإعلام الإسرائيلي بالموقف القطري.

هذا عدا عن الضغوط التي تُمارس على اللاعبين العرب سواء من قبل حكوماتهم أم المنظمات الدولية لمعاقبة من يرفض المشاركة في مواجهة اللاعبين الإسرائيليين.

رابعاً: التخويف من إيران

وهي السياسة التي تنتهجها أمريكا و”إسرائيل”، من أجل بثّ الفرقة بين المسلمين ودفع الدول العربية إلى حضنها، واليوم نجد أن الحجة التي تتذرع بها دول مجلس التعاون والسعودية بشكل خاص لتبرير التقارب الفج مع الكيان الإسرائيلي، هي مواجهة الخطر الإيراني المزعوم. فالماكينة الإعلامية الأمريكية والإسرائيلية مصحوبة ببعض القنوات الإعلامية الخليجية تعمل اليوم بشكل حثيث لترويج “إيران فوبيا” بين الشعوب العربية، كإطلاق “هاشتاغات” على الشبكة الاجتماعية مفادها أن “إسرائيل أهون الشرين”، وأن التحالف مع الكيان الإسرائيلي أصبح ضرورة لمواجهة “المدّ الإيراني”، وتخصيص آلاف الساعات على الشبكات التلفزيونية للحديث عن “خطر البرنامج النووي الإيراني”، وتدعيم هذه الفكرة لدى الشعوب العربية من خلال اللعب على الوتر الطائفي واستخدام خطاب الكراهية بشكل محترف ضمن حملة موجّهة وغرف عمليات تكلف مليارات الدولارات، في حين يتم الحديث عن الإسرائيليين بأنهم أهل ذمة وأهل كتاب وأهل عهد وميثاق..!

مما سبق نجد أن الخطوات تجاه التطبيع مع الكيان الإسرائيلي تأخذ يوماً بعد يوم مساراً أكثر جدّية، مع تفشي حالة من اللامبالاة بالحقوق العربية والجرائم الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتيح للإسرائيليين المزيد من التوغل في جرائمهم، وهو ما يتطلب وقفة واعية من الشعوب العربية ضد كل الممارسات التطبيعية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق