التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

علاقات تركيا المتذبذة مع أمريكا وحلف الناتو وروسیا 

يوماً بعد يوم يتعمق الخلاف بين تركيا وحلف الناتو، حيث يتخوّف الأتراك من عدم بقاء الناتو على ضماناتهم، ومن ناحية أخرى، يشكّك الناتو بأهداف السياسيين الأتراك في الوجود في الحلف الأطلسي أصلاً، وتعدّ الأنشطة التركية الأخيرة مع روسيا من أبرز العوامل المهمة التي تساهم في ازدياد انعدام الثقة بين الطرفين، وبحسب أعضاء حلف الناتو تساهم تركيا في تسهيل توسع النفوذ الروسي في البحر الأسود وسوريا، وتقوم أنقرة أيضاً، بصفتها عضواً في حلف الناتو، بتطوير استراتيجيتها الأمنية لتحسين العلاقات مع روسيا وتقليل اعتمادها على أمريكا وحلف شمال الأطلسي. من هنا يطرح محللون أسئلة عديدة مهمة حول سياسة تركيا الأمنية وتأثيرها على العلاقات التركية الأمريكية والأوروبية، أبرزها ما هي الآثار المترتبة على العلاقات التركية الأوروبية الأمريكية بسبب الأنشطة العسكرية التركية؟ منذ عام 1948 شكّل دخول تركيا في حلف الناتو علامات استفهام كبيرة، حيث قال المسؤولون الأتراك آن ذاك: “إنها كانت رغبة أمريكية في انضمام تركيا إلى حلف الناتو”. فخلال الحرب الباردة، وبسبب الخسائر التي منيت بها تركيا بفعل الضغط السوفياتي، طالب الأتراك بالحصول على ضمانات أمنية أمريكية، ما شكّل فرصة للمسؤولين الأمريكيين لإعادة تقييم أهمية وجود تركيا في حلف شمال الأطلسي.

في ذلك الوقت، كانت إحدى أولويات السياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط هي الحصول على عضوية في حلف الناتو، حيث كانت تسعى من خلالها إلى الحدّ من المخاطر الأمنية والحفاظ على علاقاتها الودية والحذرة مع جيرانها، وعلى الرغم من انضمام تركيا الرسمي إلى حلف شمال الأطلسي عام 1952، إلا أنها لم تحصل على تلك الضمانات ما دفعها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى تعزيز مصالحها الاستراتيجية خارج أسوار حلف الناتو.

وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، غيّرت تركيا استراتيجيتها الأمنية والتي لا تتوافق مع استراتيجية حلف الناتو، وفي عام 2010 أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خلال زيارة قام بها إلى تركيا أنه يدعم استراتيجية الناتو في المنطقة، الأمر الذي أغاظ الأتراك وسبّب أزمة جديدة بين أنقرة وواشنطن، وعلى ضوء هذه الحقائق، أدركت تركيا أن ثمّة رفضاً ملموساً داخل الدوائر الأوروبية لإدخال دولة إسلامية إلى الاتحاد، خاصة بعد التعقيدات التي طرأت على ميزان القوى العالمية وصعود إرهاب منظمات متطرفة كالقاعدة وداعش، وفي الأيام والأسابيع التي تلت المحاولة الانقلابية أقدمت أنقرة على عمليات اعتقال وتطهير في الجيش ودوائر الحكومة تضمّنت تحييد العناصر المؤيدة لعبدالله غولن الإرهابي الذي ثبت ضلوعه في المحاولة، بل إشرافه عليها وتدبيره لها، شعرت أنقرة بما لا يدع مجالاً للشك أن مستقبلها ليس في الانضمام إلى أوروبا.

أمريكا وتركيا؛ تحديات الشراكة الاستراتيجية

تاريخياً، تلعب العلاقات التركية الأمريكية دوراً مهماً في العلاقات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، إلا أن الخلافات السياسية الأخيرة بين البلدين شكّلت مصدراً رئيسياً للضغط على العلاقات الثنائية، حيث تشعر تركيا بالقلق من دعم أمريكا للحزب الديمقراطي الكردي في تحالف ضد تنظيم داعش الإرهابي كما تدعم أيديولوجيته الانفصالية وتشكيل دولة كردية على الحدود التركية، في حين أن أولوية أنقرة هي محاربة حزب بي كي كي (حزب العمال الكردستاني). وعلى صعيد آخر تشعر أمريكا بالقلق من حرية التعبير والأداء الإعلامي في تركيا.

وإن نقطة التحول المفصلية في مسار العلاقات التركية الأمريكية كانت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، التي تتهم تركيا الداعية فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1999، بالوقوف وراءها. ومن ثم، رفض أمريكا تسليمه بسبب عدم كفاية الأدلة. وارتبط ذلك بتحالف واشنطن مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري و(وحدات حماية الشعب الكردية)، وهو ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاعتقاد بأن واشنطن تحاول زعزعة استقرار تركيا والإطاحة بحكمه.

تركيا وروسيا؛ قطار العلاقات المتدحرج

خلال الـ 16 عاماً الماضية شهدت العلاقات التركية الروسية تطورات لافتة، رغم المطبّات والتوترات التي شهدتها بين الحين والآخر، أبرزها موقف تركيا من الأزمة السورية وإسقاطها لمقاتلة عسكرية روسية أواخر 2015، واغتيال السفير الروسي بأنقرة، فبعد وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة في روسيا عام 2000 ووصول حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان إلى الحكم في تركيا عام 2002 دخلت العلاقات الثنائية بين الطرفين مرحلة جديدة حيث شهدت تطوراً ملحوظاً على جميع المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وذلك بفعل الزيارات المتبادلة بين رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أروغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وساهمت تلك الزيارات في رفع مستوى التبادل الاقتصادي والتجاري والمشاريع المشتركة، فضلاً عن تعزيز التعاون في شتى المجالات وإلغاء تأشيرات الدخول، وقفز حجم التبادل التجاري بين الجانبين من 4.5 مليارات دولار عام 2016 إلى حوالي 25 مليار دولار حالياً، وبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا أواسط 2016، اكتسبت العلاقات بين الجانبين زخماً كبيراً، عبر الزيارات الرسمية المتبادلة بين مسؤولي البلدين، لتذيب “جبل الجليد” الذي شهدته العلاقة بين الجانبين.

ختاماً، على الرغم من التعاون المتزايد بين تركيا وروسيا في أزمات المنطقة وتدهور العلاقات التركية مع أمريكا وحلف الناتو، يرى محللون أن أنقرة ستعود عاجلاً أم آجلاً إلى تفعيل علاقتها مع حلفائها السابقين وسوف تتشبث بعضويتها في حلف الناتو بوابتها إلى أوروبا، وهذا لا يعني انتهاء تنسيقها مع روسيا في الأزمة السورية بل سيستمر التنسيق حتى تحقق أهداف كلا الطرفين في سوريا، وفي الوقت نفسه سيسعى ترامب للتغلب على مخاوف تركيا الأمنية عبر تشديد دور الوجود التركي في الناتو لإخراجها من عباءة الدب الروسي عدو أمريكا الأبدي.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق