التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

أمريكا ليست كل العالم؛ طهران تتحدى واشنطن وتفرض 7 شروط 

يذهب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سياسته الحالية التي تأخذ شكلاً متطرفاً إلى أبعد حدّ ممكن، نحو السعي لفرض الشروط والهيمنة والبلطجة إن صح التعبير على دول العالم التي تملك اعتباراً بين الدول وذات مكانة في هذا العالم، وما يريده ترامب صراحة هو سحب هذا الاعتبار وإرضاخ هذه الدول وتحويلها إلى دول عديمة الشخصية غير قادرة على بناء قرار مستقلّ بمعزل عن واشنطن ومنطقها في السياسة.

طبعاً هذه السياسة الأمريكية ليست بالجديدة فقد رأيناها في العراق وأفغانستان وليبيا والنتيجة واحدة، تحويل هذه الدول إلى دول فاشلة خاضعة للقرار الأمريكي، وعاجزة عن الدفاع عن نفسها أمام أي تحدٍ يواجهها كبيراً كان أم صغيراً، وحالياً يريد ترامب أن يكرّر السيناريو نفسه مع كوريا الشمالية وإيران.

كوريا الشمالية مؤخراً حاولت التفاوض مع الأمريكي وكسرت الكثير من التابوهات التي بُني عليها نظامها منذ عدة عقود، وقدّمت الكثير من حسن النوايا من تدمير أنفاق نووية إلى تحرير رهائن أمريكيين وتقديم العديد من التعهدات فيما يخصّ برنامجها النووي، ومقابل ذلك لم تقدم واشنطن أيّ تعهد فالسياسة الأمريكية واضحة “تريد أن تأخذ دون أن تعطي بنساً واحداً” ومع ذلك عادت أمريكا والتفت على تعهداتها وألغت اليوم الاجتماع الذي كان مقرراً بين الرئيس الأمريكي والزعيم الكوري كيم جونغ أون في 12 يونيو المقبل بسنغافورة.

ما حدث مع كوريا الشمالية ليس مفاجئاً أو مستغرباً من واشنطن وما يجري الآن مع إيران أيضاً يأتي في نفس السياق، لذلك ما طرحه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي، يوم أمس من شروط على الجانب الأوروبي، لا يمكن اعتباره سوى عين الصواب، خاصةً أنه جاء بعد 12 شرطاً تعجيزياً قدّمهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الاثنين الماضي لتطبيع العلاقات مع طهران، مع توعده بفرض أشدّ العقوبات في التاريخ على إيران.

لم تبدِ واشنطن أي حسن نية في تعاملاتها مع طهران، فبينما كانت الأخيرة تبدي التزاماً فيما يخصّ الاتفاق النووي، يشهد عليه الغرب والعالم مجتمعين، كانت واشنطن تهرب من التزاماتها في هذا الاتفاق، واليوم تخرقه بالكامل وتلغيه، ومقابل ذلك كان جيداً بالنسبة لإيران عدم انسحاب أوروبا من الاتفاق من الناحية السياسية والإعلامية ويعدّ ذلك نقطة إيجابية تحسب للأوروبيين بعدم خرق القرارات الدولية كما فعل الأمريكي، ولكن ما هي الضمانات التي يمكن أن تقدّمها أوروبا لإيران فيما يخصّ التزامها ببنود الاتفاق النووي، وكيف يمكن لطهران أن تثق بالأوروبي الذي عجز عن إقناع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق وفي نفس الوقت يخشى أن تتدهور علاقاته الاقتصادية مع واشنطن في حال ضغطت الأخيرة عليه بقطع العلاقات مع طهران؟!.

المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، كان لديه الجواب ولكونه يثبت دائماً أنه على حق فيما يخص طبيعة الأمريكي وتعهداته، استبق ما سيجري في المستقبل واضعاً نحو سبعة شروط أمام الأوروبيين، قائلاً إن بلاده ستحتفظ بحق استئناف الأنشطة النووية، إذا ماطلت أوروبا في تنفيذ هذه الشروط.

الشروط جاءت على الشكل التالي:

1- استصدار قرار يدين انتهاك أمريكا للاتفاق النووي.

2- التعهد بعدم السعي لإجراء مفاوضات بشأن برنامج إيران الصاروخي وأنشطتها بالشرق الأوسط.

3- مواجهة أي نوع من العقوبات الأمريكية على إيران.

4- حماية مبيعات النفط الإيرانية.

5- شراء النفط الإيراني للتعويض عن أي أضرار محتملة تسببها أمريكا.

6- توفير تأمين من البنوك الأوروبية للتجارة مع إيران.

7- حماية البنوك الإيرانية.

ويجب أن نذكر جملة شدّد عليها المرشد الأعلى الإيراني في خطابه يوم أمس، فقد أكّد ضرورة “عدم الوقوع في نفس الخطأ مرة أخرى، والاستفادة من التجارب السابقة، محذّراً من أن أوروبا لن تعارض أمريكا في قضية الاتفاق النووي”.

لماذا يشكّك المرشد الأعلى في صدق الأوروبيين؟!

أولاً: النقطة الأولى سنجيب عليها من كلام خامنئي نفسه، فقد أشار في خطابه الأخير إلى أن الدول الأوروبية الثلاث، نكثت بتعهداتها “قبل نحو 14 عاماً في المفاوضات النووية التي جرت عامي 2004 و2005، ولم يفوا بوعودهم، يجب أن يثبتوا اليوم أنهم لن يكونوا غير أمناء وناقضي عهود، في العامين الماضيين نقضت أمريكا الاتفاق النووي مراراً والتزم الأوروبيون الصمت، يجب على أوروبا التعويض عن صمتها”.

ثانياً: تحاول أوروبا التأكيد على التزاماتها ببنود الاتفاق النووي وظهر هذا الكلام جلياً في كلام المسؤولين الأوروبيين مؤخراً، ولكن يمكننا أن نلاحظ لحناً جديداً في كلام هؤلاء المسؤولين أنفسهم، نستشف منه أن أوروبا حالياً “تضع قدماً هنا وقدماً هناك” ولكن عيونها تميل إلى الجانب الأمريكي الذي يضغط عليها اقتصادياً إن لم تماشه في قراراته، لذلك بدأ الأوروبيون يظهرون أنصاف مواقف تجاه الاتفاق النووي، فمثلاً مؤخراً نقلت مجلة نيوزويك الأمريكية عن مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي قوله إن المسؤولين الأوروبيين سيعملون مع إيران وحلفائها للحفاظ على أكبر عدد ممكن من جوانب الاتفاق النووي الإيراني حتى من دون أمريكا، أن يبقى الخيار مفتوحاً هذا بحد ذاته مشكلة، ماذا يعني “أكبر عدد ممكن من جوانب الاتفاق”، هل هذا يعني أن بعض الجوانب سيلتف عليها الأوروبي كنوع من تقديم حسن النوايا للأمريكي وعدم حسم القرار في هذا الخصوص.

وكان لافتاً حديث المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم الخميس أثناء زيارتها للصين، حيث صرّحت أن ألمانيا والصين تؤيدان الاتفاق النووي القائم مع إيران، وأضافت في مؤتمر صحفي “لقد تفاوضنا على هذا الاتفاق لسنوات قبل أن نتمكن من التوصل إليه. هذا الاتفاق غير مثالي، لكن البدائل ستكون أكثر غموضاً”.

لا أعتقد بأن إمساك أوروبا العصا من المنتصف أو أن تتحدث بلغة وسيطة سيكون محط رضا لدى الأمريكي أو الايراني، فالأول يريد من الأوروبيين تحديد موقفهم وتأييده في قراراته وإلا ستكون العقوبات الاقتصادية في طريقها إليهم، أما الثاني فيريد ضمانات من الأوروبي العاجز عن تقديمها في ظل الضغط الأمريكي عليه، لذلك ستتجه الأمور نحو مزيد من التصعيد ما لم تأخذ أوروبا موقفاً واضحاً مدعوماً بمجموعة قرارات تضع النقاط على الحروف فيما يخصّ هذا الملف.

في الختام؛ أن تفرض إيران شروطها على الأوروبي هذا يعني أنها بموقع قوة وليس ضعف، فترامب لا يجد حرجاً بأن يفعل كل شيء من أجل إسقاط النظام الإيراني، ولكنه عجز عن ذلك سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، واليوم يريد أن يذهب إلى إجبار العالم على أن يقف إلى جواره في هذا التحدي، لكن العالم لم يعد اليوم أمريكا لوحدها، ولا يمكن لترامب أن يراهن كثيراً على بقية الدول وأن يبالغ بثقته بذلك، فإيران حالياً قوية وتملك أوراق ضغط لا يمكن تجاهلها ولديها علاقات استراتيجية غير مسبوقة مع روسيا والصين ودول إقليمية مهمة، فأينما ذهب ترامب سيجد إيران صامدة كجبالها الشامخة، فالانحناء لم تعرفه طهران منذ عقود واعتقد أنها أصبحت ذات خبرة عالية في إدارة الأزمات لذلك على ترامب أن يحذر ويعرف من يستهدف.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق