التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

التحالف الإيراني – الروسي تكتيكي أم استراتيجي؟ 

بعد الاعتداءات الجويّة المتكررة التي شنّها الكيان الصهيوني على سوريا طوال الشهور الماضية والتي ردّت عليها دمشق بـ 68 صاروخاً استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية في منطقة “الجولان” المحتلة، أعلنت الحكومة السورية أنها بصدد استعادة المناطق التي مازالت بيد الجماعات الإرهابية المدعومة من تل أبيب ولاسيّما في محافظتي “درعا” و”القنيطرة” جنوب غربي البلاد.

وإثر ذلك أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان بأن واشنطن تعارض بشدة قيام سوريا باستعادة “درعا والقنيطرة” وستردّ على ذلك بهجمات عسكرية قوية بحجة أن هاتين المحافظتين واقعتان ضمن ما يعرف بـ “مناطق خفض التوتر” التي اتفقت عليها كل من روسيا وأمريكا والأردن ضمن هدنة لوقف إطلاق النار في هذه المناطق.

كما أعلنت تل أبيب أنها ترفض وجود قوات إيرانية وقوات حزب الله جنوب سوريا ولهذا أرسلت وزير الحرب “أفيغدور ليبرمان” إلى موسكو لإقناعها بالضغط على دمشق ومنعها من القيام بعمليات عسكرية لاستعادة درعا والقنيطرة، وكذلك الطلب من إيران سحب قوات المقاومة من المناطق القريبة من الجولان المحتل.

وزعمت بعض وسائل الإعلام الغربية بأن موسكو وتل أبيب اتفقتا على إطلاق يد القوات الصهيونية لشنّ هجمات عسكرية ضد قوى المقاومة داخل الأراضي السورية، كما أشارت هذه الوسائل إلى تصريح وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” الذي طلب فيه من القوات الأجنبية مغادرة مناطق خفض التوتر في جنوب غرب سوريا، زاعمة بأن هذا التصريح موجه إلى إيران.

وسعت وسائل الإعلام الغربية إلى الإيحاء بوجود خلافات بين موسكو وطهران بشأن سوريا في حين يتفق الجميع على أن التحالف بين روسيا وإيران قد وصل إلى مستوىً عالٍ من التنسيق في الكثير من المجالات ومن بينها الجهود المشتركة للقضاء على الإرهاب في سوريا تمهيداً لتسوية الأزمة في هذا البلد.

ومن المعروف أن روسيا وإيران تواجهان تهديدات مشتركة سواء فيما يتعلق بخطر الجماعات الإرهابية، أم بموقف الغرب من البلدين على خلفية الأزمة النووية مع طهران، والأزمة بشأن أوكرانيا وشبه جزيرة القرم مع موسكو.

كما يواجه البلدان تحدياً مشتركاً آخر يتمثل بسعي أمريكا وحلفائها للتوسع في المنطقة بدعم من الكيان الصهيوني والأنظمة الموالية لواشنطن وفي مقدمتها السعودية.

هذه التحديات جعلت من التحالف الإيراني – الروسي يرقى إلى مستويات عالية من التنسيق على كل الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية.

ويبدو أن إثارة مسألة وجود خلاف بين طهران وموسكو فيما يتعلق بمستقبل الأزمة السورية من قبل وسائل إعلام مرتبطة بالدوائر الغربية والأنظمة السائرة في ركب الإدارة الأمريكية والتي تهدف أساساً إلى الزعم بأن روسيا ترجح مصالحها المحدودة مع الكيان الصهيوني على تحالفها الاستراتيجي مع إيران، في حين أن الحقائق الموجودة على أرض الواقع تدحض هذه المزاعم، خصوصاً إذا ما عرفنا بأن موسكو وطهران تمكنتا من إحباط المخطط الأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة.

ويمكن القول بأن التاريخ المعاصر لم يشهد هزيمة لواشنطن كالتي حصلت في سوريا بفضل التعاون الكبير بين موسكو وطهران ومحور المقاومة.

ويعتقد المراقبون بأن التحالف (الروسي – الإيراني) بلغ درجة من القوة جعلته في مصافي التحالفات الاستراتيجية وليست التكتيكية فقط، خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة السورية، في حين يشهد التحالف المقابل (أمريكا – السعودية – تركيا) خلافات كبيرة بشأن هذه الأزمة، الأمر الذي يعزز إمكانية استمرار التحالف بين موسكو وطهران وتفكك تحالف “واشنطن – الرياض – أنقرة”.

ومن الجدير بالذكر أن موضوع طلب الكيان الصهيوني من روسيا حث إيران على إبعاد قوات المقاومة عن منطقة الجولان المحتل ليس بالأمر الجديد لكنه يثار هذه الأيام من أجل حرف الأذهان عن حقيقة التحالف القوي بين موسكو وطهران من ناحية، وللإيحاء من ناحية ثانية بأن روسيا مستعدة للتخلي عن إيران مقابل مصالح محدودة مع تل أبيب، في حين أن العلاقات الروسية – الإيرانية أقوى بكثير من علاقات موسكو بالكيان الإسرائيلي، وهذا أمر معروف للجميع، لأن روسيا تدرك تماماً التوتر الشديد بين طهران وواشنطن من جهة، كما تدرك جيداً من جهة أخرى التقارب الشديد بين واشنطن وتل أبيب، وهذا وحده كافٍ لفهم طبيعة التحالف (الروسي – الإيراني) والعلاقات “الروسية – الإسرائيلية” المبنية على مصالح مؤقتة ليس لها أي عمق استراتيجي، كما هو الحال بين طهران وموسكو.

كما تنبغي الإشارة إلى أن وجود قوات المقاومة المدعومة من إيران في سوريا يحظى بموافقة دمشق ولا علاقة له بأي طرف أجنبي آخر على خلاف وجود القوات الأمريكية في هذا البلد، إذ إن دمشق تنظر إليها على أنها قوات احتلال ويجب أن تخرج فوراً لأنها لم تأتِ بموافقة رسمية وإنما جاءت ضمن مخطط يرمي لتقسيم سوريا وحماية الجماعات الإرهابية من ضربات روسيا وإيران ومحور المقاومة.

ولا ننسى أن نشير هنا إلى أن روسيا تسعى للحفاظ على الإنجازات التي حققتها في سوريا بعد توجيه ضربات قوية للجماعات الإرهابية، وهذا الأمر يدعوها للحيلولة دون استمرار التوتر في هذا البلد، ولهذا تحاول موسكو تهدئة الأجواء بين طهران والمقاومة من جهة، وكيان الاحتلال الصهيوني من جهة أخرى، لأنها تعلم جيداً أن تل أبيب تسعى لإثارة التوتر من خلال القيام بشنّ هجمات عدوانية على سوريا، وتعلم كذلك بأن إيران والمقاومة لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الاعتداءات التي تسبب الكثير منها بأضرار بشرية ومادية، وجميع هذه الاعتداءات تتم بضوء أخضر ودعم سياسي وعسكري ومخابراتي أمريكي.

هذه المعطيات وغيرها تجعلنا نجزم بأن تحالف موسكو وطهران الاستراتيجي في كل المجالات يفوق بمرّات علاقات المصالح المؤقتة بين موسكو وتل أبيب، الأمر الذي يرجّح بقاء التحالف الروسي – الإيراني ومحور المقاومة، لأن دواعي هذا التحالف أقوى وأهم بكثير من المصالح التي يمكن أن تحققها موسكو من خلال علاقاتها السياسية والاقتصادية مع تل أبيب.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق