أين حزب الله من معادلات الردع الجوي؟
لطالما أكّد حزب الله على حقّه في امتلاك واستخدام أنظمة الدفاع الجوّي، لكن طفرة الأخبار التي تتحدّث عن امتلاك المقاومة لهذا السلاح، لم تفضِ إلى مشاهد مماثلة لحداثة إسقاط الدفاعات الجويّة السوريّة لطائرة الـF-16 الإسرائيلية.
البعض ذهب إلى عدم امتلاك الحزب لأي أنظمة متطوّرة، فيما تؤكد أغلب التقارير والمعلومات امتلاك الحزب لهذا النوع من السلاح القادر على تغيير موازين الحرب، فما هو موقع معادلات السماء في المعارك المقبلة على الأرض؟
المسألة معقّدة، وأعمق من أن يتم التطرّق إلى جميع جوانبها في مقال أو مقالين، إلا أن هناك جملة من النقاط لا بدّ من الإشارة إليها حول هذا الأمر
أوّلاً: شكّل سلاح الجوّ الذراع الأكثر تفوّقاً للكيان الإسرائيلي على حزب الله، وبقيّة دول المنطقة، وقد لعب دوراً حاسماً في كل الحروب العربية الإسرائيلية.
الكيان الإسرائيلي الذي تباهي بامتلاكه طائرات “اف 35” في الثاني والعشرين من أيار الماضي، من خلال عرض قائد سلاح الجو الإسرائيلي صورة جوية لبيروت، حيث يمارس اختراقه اليومي لسماء لبنان، حتى باتت أصوات وهدير الطائرات الإسرائيلية من الأمور الاعتياديّة اليومية لدى سكان الجنوب وجزء من البقاع اللبناني.
ثانياً: في تسعينيات القرن الماضي كانت القوة الصاروخيّة من أكثر الوحدات العسكريّة حساسيّة، إلى جانب بعض الوحدات الأمنية في حزب الله ولاسيّما تلك المعنية بتنفيذ العمليات في الخارج.
لاحقاً، أدرك الحاج عماد مغنيّة أن “أسطورة الميركافا” تعدّ من أبرز نقاط القوّة لدى الجيش الإسرائيلي، لذلك عمد إلى البحث عن الأسلوب الناجح للتعامل معها، وقد تم تدميرها وإخراجها من المعادلة في حرب تموز 2006 وهو ما لم يكن في حساب الإسرائيليين.
بعد حرب تموز، تكرّرت خطابات السيّد نصر الله عن ضرورة حماية سماء لبنان من الانتهاكات الإسرائيلية شبه اليوميّة، لم يردّ حزب الله ولكن اللبيب من الإشارة يفهم، يرى مقرّبون من حزب الله أن الوحدات “المعنيّة بالسماء” تفوق حساسيّتها تلك الحساسيّة التي كانت مرتبطة بالقوّة الصاروخيّة في القرن الماضي.
ثالثاً: من المفاجآت الأخرى التي نجح حزب الله في تكريسها عام 2006 هي المعادلة البحرية عبر “ساعر 5” بعد العملية النوعيّة التي نجح حزب الله في تنفيذها بتوقيت دقيق تزامن مع خطاب السيد نصر الله في الأيّام الأولى للحرب، باتت القوّة البحرية الإسرائيلية غير فاعلة نظراً للتحديات التي تنتظرها في حال اقترابها من السواحل اللبنانيّة، ولكن رغم تكريس حزب الله لهذه المعادلات برّاً وبحراً، إلا أن الإسرائيلي بقي ممسكاً بزمام المبادرة في سماء لبنان عدا عن حادثة إسقاط الطائرة العاموديّة في “وادي مريمين” جنوب لبنان.
رابعاً: من يعرف المقاومة عن قرب يدرك أنها لا تعطي إشارات عبثيّة، والتجربة تشير إلى أن كلام السيد نصر الله عن أيّ سلاح في الإعلام يعني حصوله عليه قبل فترات، اليوم نقترب من الذكرى العاشرة لحديث السيد نصر الله عن معادلة الردع الجويّ (شباط-2009)، فإذا كان حزب الله قد وضع نصب عينيه الطائرات الإسرائيلية كأهداف محرّمة على سمائنا منذ ذلك الحين، فأين أصبحت هذه القدرات اليوم؟
خامساً: تكريس المعادلة الجويّة ليس بالأمر السهل، ولعل التباهي الإسرائيلي في عرض صور طائرة “اف 35” على علو شاق في بيروت كان بمثابة الرسالة لحزب الله بأنكم حتى لو امتلكتم أنظمة دفاع جوّي تعطّل الطائرات الحربية مثل “اف 16″،”اف 18″ و”اف 22” فلن تطالوا “اف 35” التي تهدف لتعزيز التفوق في الجو، وتنفيذ عمليات بعيدة المدى على الأرض، إن إصابة سلاح الجوّ الإسرائيلي بأي خلل سيؤدي إلى انهيار جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية المتفوقة أو على الأقل إصابتها بالعطل.
سادساً: قد يتساءل أحدهم لماذا لم يقدم حزب الله على أيّ خطوة في هذا السياق، الإجابة واضحة، حزب الله يحتفظ بهذه المفاجئة للحرب القادمة، خاصّة أن كل التقارير الإسرائيلية تؤكد أن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه أي حرب مقبلة مع حزب الله هي استراتيجية الضاحية (التدمير الواسع) في أقلّ فترة زمنية ممكنة، وفي حال خرج سلاح الجوّ الإسرائيلي من الخدمة الفعّالة في الحرب القادمة، عدا طائرات الـ”اف 35″، سيكون هذا الأمر انتصاراً استراتيجياً لحزب الله الذي ستكون قواه الصاروخيّة تستهدف جميع الأراضي المحتلّة بدءاً من كرايات شمونة، مروراً بتل أبيب ووصولاً إلى إيلات.
إن التحدّيات التي تعصف تنتظر لبنان، ومنها المعادلة الجويّة في أي حرب مقبلة، تفرض على جميع القوى التي تسعى لمكافحة الفساد السياسي والاقتصادي، مكافحة الفساد السياسي بوضع استراتيجية دفاعيّة تسمح للبنان بحماية السماء والأرض وما تحتها من ثروات، وحتى ذلك الحين لا نعتقد أن حزب الله سيبقى مكتوف اليدين، فهو لم يكن في يوم من الأيام كذلك في كل الميادين العسكريّة التي يسعى فيها للإمساك بزمام المبادرة. الشواهد تؤكدّ أن حزب الله يخفي الكثير من معادلات الردع الجويّة، ولكن هل سيفاجئ حزب الله الجميع بإسقاط طائرة الـ”اف 35″؟ الأمر يبدو في غاية الصعوبة في ظل الدعم الأمريكي اللامحدود، ولكن هل نشهد تحطّم أسطورة الـ”اف 35″ كما شهدنا ذلك على أسطورتي “الميركافا 4″ و”ساعر5”.
المصدر / الوقت