“حلف شمال الأطلسي” ولعبة البقاء في العراق
منذ أشهر، وبُعيد إعلان تحرير كامل الأراضي العراقية من تنظيم “داعش” الإرهابي في تشرين الثاني/نوفمبر2017 أكدت العديد من القيادات العراقية حرصها على انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، وكان المتحدث باسم حكومة “العبادي” قد أكّد تخفيض عدد المستشارين والمقاتلين والمدربين في التحالف الدولي بالعراق بشكل تدريجي.
الإعلان الأخير الذي جاء على لسان الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” كشف عن نية للبقاء بصورة أوسع في العراق بذريعة تدريب الجيش دون مهام قتالية، موضحاً “أن وجود حلف الناتو في العراق لتدريب الجيش جاء بطلب من الحكومة العراقية (لكنه لم يذكر تأريخ الطلب العراقي) قائلاً: ننظم تدريبات بالعراق حتى يتم بناء الجيش كاملاً.
وقد أكّد دبلوماسيون في وقت أسبق من الشهر الحالي، أن أمريكا جددت ضغوطها على حلفائها الأوربيين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) لوضع بعثة تدريب طويلة الأمد في العراق.
وعلى خلفية هذه التصريحات، ثارت موجة غضب شعبي عراقي واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وجدل وعلامات استفهام زادت من قلق العراقيين من الوجود العسكري الأجنبي عموماً، والأمريكي تحديداً على أراضيهم.!
إذا ما عدنا إلى تأريخ وجود الناتو في العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 حتى اليوم، نجد أنه كان له العديد من التداعيات على العراق كما تحددها إحدى الدراسات.
1- يعمل تحالف شمال الأطلسي “ناتو” بموقف مبني على أساس صبغة طائفية سنية تصبّ في المشروع الأمريكي لإقامة إقليم سني في المنطقة الغربية، تهدف إلى تقسيم البلد وإضعافه، وهذا يدار تركيّاً وسعوديّاً بعناية فائقة، وهو ما يخلّف مزيداً من الدمار العراقي والتجاذبات السياسية والقومية وتضعيف سيادة البلد، وهي محاولة للإخلال بالتوازنات الإقليمية في ذات الوقت.
2- والمثير للجدل هو أن الضغوطات الأمريكية على حلف شمال الأطلسي من أجل تعزيز بقائه في العراق يأتي لرهان واشنطن على تسليح المناطق السنية ومنحها نفوذاً سياسياً أكبر للعب دور أساسي في الحرب على الإرهاب غير أنها تكاد تجهل طبيعة الصراعات الداخلية للإقليم السني نفسه، في ظل التنافس العشائري وتنافس مستوى التبعية الإقليمية وكل هذه التناقضات وغيرها ستترجم نفسها (بفوضى خلّاقة) تشمل الساحة السنية وتعزز فرص عودة الجماعات الإرهابية مجدداً.
والمثير للجدل فعلاً، هو أن إعلان التحالف الدولي أو حلف “الناتو” بزعامة أمريكا عن تعزيز وجوده في العراق ولفترة طويلة غير محددة، يأتي من طرف واحد من دون التنسيق مع الجانب العراقي إطلاقاً.
هنا يثار التساؤل التالي: هل ما يزال العراق وشعبه تحت الوصاية والبند السابع حتى يعلن حلف الناتو دون الرجوع إلى الحكومة العراقية عن مرحلته القادمة وآلية خططه المستقبلية في العراق.؟!
ومع أن الناطق باسم حلف الناتو سعى إلى التلميح بأن الإجراء تم بالاتفاق مع الحكومة العراقية، ولكن هل صرّح السيد “العبادي” بذلك في مؤتمراته الصحفية أو هل طرح هذا الموضوع الخطير في جلسات مجلس الوزراء؟.
ومثل هذا الموضوع الحساس ألا يتطلب الأمر أن يعرض على نواب البرلمان، أم إنّ الأخير منشغل حالياً بلعبة التحالفات وكعكة المناصب والمفاوضات.!
يرى آخرون أن إعلان التحالف “الناتو” في هذا الوقت تحديداً يأتي استغلالاً للوضع العراقي الراهن المتأرجح داخلياً على أعتاب تشكيل حكومته المرتقبة، خاصة وأن أصحاب القرار العراقي في الحكومة يمرّون بأضعف أوقاتهم في ظل لعبة المفاوضات التي لا يمكن إبعاد الخيوط الإقليمية والدولية عن تحريكها.
يترقّب الشارع العراقي بشغف خطوات الحكومة العراقية في الرّد على ما يعلن من قبل التحالف وتوضيح المجريات للشارع العراقي، وكذا هو الأمر مطلوب من قبل مجلس النواب العراقي وكشف ما يجري خلف الكواليس وإعلان متى وكيف وأين وافقت الحكومة العراقية على توسيع حلف الناتو في العراق ؟!
وما هو دور الشعب العراقي في هذا التدخل السافر في شؤون بلاده؟.
وعلى المعنيين الالتفات جيداً إلى أن الشعب العراقي بدأ يدرك جيداً ما يحاك ضده دولياً وإقليمياً، ولن يسمح للخائنين بتقرير مصيرهم، وستكون له كلمة الفصل في حينها إذا ما زاد الأمر عن حدّه وإذا ما ظلّت تلك القرارات حبيسة الغرف الظلماء، فقد دفع العراقيون أغلى ما يملكون، أرواحهم من أجل سيادة الأرض وتحرير البلاد والعباد من دنس الإرهاب، وهكذا هو إزاء أي وجود عسكري.
المصدر / الوقت