كيف يغيّر “ترامب” سياسة أمريكا الخارجية؟
اعتادت وسائل الإعلام على وصف السياسة الخارجية لأي بلد من خلال الملامح والخطوط العريضة التي تتميز بها هذه السياسة تجاه مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، ويُطلق على المبادئ والأهداف التي تسعى هذه السياسة لتحقيقها اسم “العقيدة أو الأيديولوجية السياسية”.
لكن هذا الاصطلاح أثير حوله الكثير من الجدل بخصوص السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” منذ وصوله البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2017 وحتى الآن.
ومع الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات التي تحيط بعلاقات واشنطن مع الدول الأخرى وتعدد مصالحها وأهدافها في شتى الميادين، من الصعب جداً التوصل إلى تعريف محدد للسياسة الخارجية الأمريكية الحالية، لأن هذه المصالح تتضارب فيما بينها في كثير من الأحيان، والأمثلة على ذلك كثيرة سنأتي على ذكر بعضها فيما بعد.
ويمكن القول إن سياسة أمريكا الخارجية الحالية في طور التغيّر المستمر الذي من شأنه أن يؤثر على علاقات واشنطن مع العالم، لكن هذا التغيّر يبقى في جميع الأحوال فاقداً للاستراتيجية المحددة المعالم والواضحة الملامح إلى درجة تجعلنا نجزم بأنه ليس هناك أيديولوجية معينة تقف وراء هذا التغيير.
عقيدة ترامب قد تُضعف أمريكا بشكل دائم
في مقالة له حملت عنوان “عقيدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”، أكد الكاتب والصحفي الأمريكي “جيفري غولدبرغ” على أن عقيدة ترامب يمكن وصفها كالتالي: “لا أصدقاء ولا أعداء”، وأضاف: “إن ترامب لا يعتقد بأن على أمريكا أن تكون جزءاً من أي تحالف على الإطلاق”.
وأسهب الكاتب في حديثه عن عقيدة ترامب ناقلاً عن مسؤول رفيع في مجلس الأمن القومي الأمريكي قوله “إن عقيدة ترامب يمكن اختصارها بزعزعة الاستقرار بشكل دائم يخلق تفوقاً أمريكياً”، وأضاف “يعتقد ترامب أن إبقاء الحلفاء والخصوم في حالة عدم توازن يصبّ في مصلحة أمريكا”.
أمّا التوصيف الأفضل لعقيدة ترامب – بحسب غولدبرغ – فكان ذلك الذي ذكره مسؤول كبير في البيت الأبيض على صلة مباشرة بترامب ومطّلع على طريقة تفكيره، إذ نقل الكاتب عن هذا المسؤول قوله “إن ترامب وخلافاً لسلفه (باراك أوباما) لا يرى أن عليه الاعتذار لأي فعل قد تكون واشنطن أخطأت فيه”.
وأشار غولدبرغ إلى أن ترامب يتبع سياسات تقوّض التحالف الغربي وتقوّي روسيا والصين وتربك الساعين إلى الحرية حول العالم، معرباً عن اعتقاده بأن أمريكا قد تصبح أضعف وبشكل دائم، بسبب تنفيذ عقيدة ترامب.
بدورها تناولت صحيفة “نيويورك تايمز” العوامل التي وقفت وراء تصميم ترامب على محاولة إبرام صفقة مع كوريا الشمالية.
ولفتت الصحيفة أولاً إلى أن “ترامب يعشق إبرام الصفقات، وأنه كان يعتقد أن رئاسته ستدور حول إبرام الصفقات لوحده”، وأضافت “إن ترامب يشعر بالإحباط بسبب ضرورة العمل مع الكونغرس في ملفات الداخل، فيما لديه هامش مناورة أكبر في السياسة الخارجية”.
وتابعت الصحيفة: “ترامب يحب المجازفة والمهمات الصعبة كثيراً ويرى أن لا مجال للخسارة بمثل هذه المهمات، إذ إن لا أحد سيلومه مثلاً إذا ما فشلت المهمة مع كوريا الشمالية بسبب صعوبتها”.
بموازاة ذلك لا تزال أصداء الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الدولي مع إيران الذي قرره ترامب في الثامن من مايو الماضي، تملأ مساحات التحليل في دوائر صناعة القرار ومراكز الفكر والبحوث في أمريكا، مع تعالي صيحات ترى أن هذه الخطوة بمثابة حماقة جيوستراتيجية وزعزعة للاقتصاد الأمريكي بوجه عام.
في إطار ذلك أكد المحللان الأمريكيان “فرانك ويسنر” و”نيلسون كونينجهام” في صحيفة “ناشيونال إنتريست” أن قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي قد يكون الخطوة الأكثر خطورة وإزعاجاً للاستقرار في رئاسته الصاخبة.
وتابع المحللان: “إن ترامب مهّد الطريق لأكبر تعطيل في “نظامنا التجاري العالمي” من خلال إلغاء برنامج النقاط التجارية (TPP) وإعادة إصدار اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) وإعادة توازن اتفاقية التجارة الحرة بين أمريكا وكوريا والتهديد بفرض رسوم جمركية على البضائع الصينية وبضائع دول أخرى.
واعتبر المحللان أن ترامب أزعج كل شريك تجاري لأمريكا بطرق مختلفة، وتسبب بالتالي بحماقة جيوسياسية وزعزعة اقتصادية في آن واحد.
من جانبه كتب المعلق المعروف “توماس فريدمان” مقالاً في صحيفة “نيويورك تايمز” حول الطريقة التي ينظر فيها ترامب للعالم قائلاً “كل شيء لدى ترامب يقوم على الصفقات وماذا فعلت من أجلي اليوم؟ فقد ذهبت الفكرة التي تقوم على حفاظ أمريكا على القوانين الدولية والتي تتخلى من أجلها عن المنافع الاقتصادية الصغيرة لتقوية المجتمعات الديمقراطية حتى تستمتع بمزايا عالم صحّي وحرّ وديمقراطي”، بحسب الكاتب.
كما كتب المؤرخ “روبرت كاغان” مقالاً أكد فيه “أن أمريكا ترامب لم تعد تهتم ولم تعد مرتبطة بأي ذاكرة تاريخية ولا تعترف بأي أخلاق أو التزام سياسي واستراتيجي وتشعر بالحرية لمتابعة أهدافها دونما اهتمام لآثارها على حلفائها والعالم ولم تعد تشعر بالمسؤولية إلّا عن نفسها”.
من الأمور الأخرى التي تتبناها إدارة ترامب تلك التي تتعلق بالربط بين قضايا الأمن الأمريكي الاستراتيجي داخلياً، والأخرى ذات الصلة بالتحديات الخارجية لموقع أمريكا ودورها في العالم، فهذه الإدارة تتبنى لغة يمكن وصفها بالقومية الأمريكية، التي تعكس شعار ترامب المفضل “أمريكا أولاً”، وثمّة تركيز غير معهود على ضرورة استعادة التفوق الاقتصادي الأمريكي بإلغاء أو إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية الدولية التي وقعتها أمريكا مع دول أخرى بينها الصين، وضرورة تحمّل الحلفاء في أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط تكاليف الدفاع عن منظومات أمنهم، التي يدّعي ترامب أن واشنطن تتحمل الآن العبء الأكبر منها، وفي مقدمة هذه الدول، السعودية التي تدفع المليارات لترامب مقابل أوهام الدور الأمريكي بالدفاع عنها.
المصدر / الوقت