التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

مسير ترامب الوعر في صفقة القرن 

لقد جعلت الجهود الدبلوماسية التي بذلتها أمريكا للتوصل إلى صفقة القرن، من القضية الفلسطينية نقطة محورية للتغيير الإقليمي، فقد استضاف البيت الأبيض مؤخراً العاهل الأردني عبد الله، وعلى الرغم من أن زيارة ملك الأردن إلى أمريكا لم تدم طويلا، إلا أنها جاءت بعد بضعة أيام من زيارة صهر ترامب إلى العاصمة الأردنية عمان، قبل لقائه بترامب في واشنطن، حيث التقى الملك عبد الله بصهر ترامب في عمان، وأظهرت زيارته إلى واشنطن أنها كانت تحت تأثير زيارة جيرالد كونشر، الصهر والمستشار الصهيوني للرئيس الأمريكي.

وصل كوشنير إلى الأردن يوم 19 حزيران برفقة وفد أمريكي، وبعد يوم واحد من حضوره في الأردن، انضم إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. حتى صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أعلنت أنه كان هناك شخص آخر خلال محادثات ملك الأردن وصهر ترامب ورئيس وزراء “إسرائيل”، وهو محمد بن سلمان ولي العهد السعودي.

ومع ذلك، نفت مصادر أردنية زيارة محمد بن سلمان ونتنياهو إلى عمان قبل يومين، على الرغم من أن أيّاً من المصادر الداخلية في السعودية والكيان الصهيوني لم تنفِ ذلك، لكن الحقيقة أن ما يهم في هذه اللحظة هو موضوع هذه اللقاءات، لقاءٌ عنوانه القضية الفلسطينية في شكل صفقة القرن، لكنه لا يقدم أي رؤية واضحة للمشكلة.

إقصاء فلسطين في “صفقة القرن” الغامضة

على الرغم من ادعاءات المصادر الأمريكية والبيت الأبيض حول مشروع ترامب الذي أطلق عليه “صفقة القرن” إلا أن السلطات الأمريكية لم تقدّم حتى الآن أي تفاصيل حوله، ومع ذلك فإن بعض وسائل الإعلام الصهيونية، بما في ذلك صحيفة “هآرتس” التي تنتقد نتنياهو نشرت تقارير بعنوان “صفقة القرن”.

ويبين تقرير صحيفة “هآرتس” أن أمريكا تخطط اقتراح قرية “أبو ديس” في القدس الشرقية عاصمة لفلسطين استناداً إلى مشروع الصفقة، وفي المقابل تنسحب “إسرائيل” من ثلاث أو خمس قرى فلسطينية في أطراف القدس والتي استولت عليها حكومة الاحتلال عام 1967.

كما سيبقى القسم القديم من القدس تحت حكم الصهاينة، ووفقاً لمراسل هآرتس، “عاموس هرئيل”، لا توجد في جعبة ترامب أي اقتراحات لانسحاب تل أبيب من المستوطنات القائمة أو إخلاء المستوطنات البعيدة والمنعزلة، ولا من المجمعات السكنية الكبيرة مثل مستوطنتي آرئيل وجنوب نابلس وغوش عتصيون بالقرب من بيت لحم ومستوطنات معالية أدوميم، كما تُبقي خطة ترامب منطقة أغوار الفلسطينية تحت حكم الاحتلال، وكذلك تشكيل دولة فلسطينية منزوعة السلاح من دون جيش أو أسلحة ثقيلة.

بالإضافة إلى تقرير صحيفة “هآرتس”، في شهر مارس الماضي، أي بعد أربعة أشهر من إعلان دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصف صائب عريقات، الأمين العام للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صفقة القرن بأنها ستشمل الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، مضيفاً إن الحكومة الأمريكية تقترح منطقة حول القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، التي ستكون على بعد أميال من الأراضي المحتلة.

كما أشار عريقات إلى أن ترامب وافق على ضمّ المستوطنات الصهيونية إلى الاحتلال، وعلى الرغم من أن نتنياهو اقترح ضم 15٪ من الضفة الغربية، إلّا أن ترامب وافق على ضم 10٪ منها، وتقرّر تشكيل دولة فلسطينية خالية من أي أسلحة بوجود الشرطة الدولية وقوات الأمن الأردنية والمصرية والأمريكية.

صفقة القرن

وفقاً لما قيل عن صفقة القرن من قبل بعض المصادر ووسائل الإعلام، فإن قبول هذه الخطة، بالإضافة إلى الاعتراف باحتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية، يتماشى مع اقتراح تغيير العاصمة الفلسطينية من القدس إلى منطقة أخرى وفي الواقع العملي يعني إزالة القدس بشكل تام للفلسطينيين وحتى للعالم الإسلامي بأكمله.

من ناحية أخرى، على الرغم من حقيقة أن معظم دول العالم والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الجماعات المحلية في أمريكا قد اعترفت بعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية وتجاوز الكيان لحدود 1967 حيث يعتبرون هذه المستوطنات احتلالاً، لكن صفقة ترامب تعارض بوضوح قرارات الأمم المتحدة وحتى الاعتراضات العالمية لإضفاء الشرعية على الاحتلال الصهيوني.

كما أن الإعلان عن تشكيل دولة بلا قوة عسكرية وحظر الوصول إلى أسلحة دفاعية، ليست سوى محاولة لإنشاء مستعمرة غربية جديدة في الشرق الأوسط، وهو في الواقع يعني تغيير هوية فلسطين اليوم، في الحقيقة إن تنفيذ صفقة القرن يعني إزالة فلسطين كاملةً من الخريطة والقضاء على التهديدات والمخاوف الدائمة لوجود “إسرائيل” التي يحاول ترامب بالتشاور مع صهره الصهيوني تنفيذها.

مسار ترامب الصعب لصفقة القرن

في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن ترامب لا ينعم بطريق سهل لتنفيذ صفقة القرن، الفلسطينيون هم أكبر المعارضين لصفقة القرن حيث إن خطة ترامب حول فلسطين تخالف مصالح الشعب الفلسطيني بدرجة كبيرة لدرجة أنّ المجموعات الفلسطينية الأكثر تطوراً عارضت ذلك، بما في ذلك قادة السلطة الفلسطينية.

في الواقع، بما أن تنفيذ هذه الخطة ينطوي على فقدان كامل للهوية الفلسطينية ويعترف بالقدس، فإن ذلك قلب التطورات الفلسطينية، كمركز للكيان الصهيوني، وبعبارة أخرى، هي محاولة إزالة الفلسطينيين والمسلمين من مدينة القدس، لذلك فإن تلك الخطة واجهت تقريباً معارضة كل الجماعات الفلسطينية، والواقع أن التكلفة الثقيلة لصفقة القرن جعلت من الصعب على أي من الفصائل الفلسطينية الدخول في التفاوض.

من ناحية أخرى، أقدمت واشنطن على عمليتين، بالتزامن مع معارضة كل الفصائل الفلسطينية، وخاصة جبهة التحرير، وزعيمها محمود عباس.

لقد قطع البيت الأبيض، من جهة، مساعدته المالية للسلطة الفلسطينية، ومن ناحية أخرى، بدأ حملة انتقادات ضد محمود عباس لإثارة نوع من الشرخ والانقسام بين قادة السلطة الفلسطينية، وإذا استمر محمود عباس في معارضته لصفقة القرن، ستتم إزاحته من كرسي السلطة الفلسطينية.

إن تنفيذ السياسة أعلاه في الأسبوع الماضي، شرع بادعاء مفاده أن صحة محمد عباس متدهورة، وتكهّن فوكس نيوز بوفاته باعتبارها من وسائل الإعلام القريبة من سياسات ترامب، أظهر إلى أي مدى يسعى الأمريكيون إلى خطة لإقصاء خصومهم من الزعماء الفلسطينيين.

لكن الفلسطينيين ليسوا المعارضين الوحيدين لصفقة ترامب، بالإضافة إلى أن المعارضة الحقيقية للعديد من الدول العربية في المنطقة متوقعة، فقد انضم أقرب حلفاء أمريكا بما في ذلك الأردن، إلى خانة المعارضين لصفقة القرن.

بالنسبة للأردن، باعتبارها أكبر ملجأ للاجئين الفلسطينيين، فإن مشروع إعادة اللاجئين إلى فلسطين وإخلاء المخيمات الحدودية الأردنية مهمة للغاية، وفي هذه الحالة، ستكون صفقة القرن الغامضة في تناقض حاد مع أهداف الأردن تجاه الفلسطينيين.

كما أن إلغاء القدس كمركز لفلسطين، أمر غير مقبول تقريباً لجميع الدول الإسلامية، وحتى العاهل الأردني، الذي يتولى حالياً الأماكن المقدسة في القدس، اعتبر هذا المشروع مشروعاً سعودياً جديداً لإبعاد الأردن من أماكن القدس المقدسة والتي لن تتنازل عنها الأردن.

مخاوف مصر: تبدو الدول الأخرى، بما فيها مصر، تنظر بتشاؤم تجاه صفقة القرن، وبما أن القادة السعوديين دعموا هذا المشروع، فمن وجهة نظر القاهرة، فإن هذا المشروع يتماشى مع الأهداف السعودية لإضعاف موقف مصر من خلال القضاء على دور المصريين في الشؤون الفلسطينية.

في الواقع، تشعر مصر بالقلق من التطورات في غزة، وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي إن مصر لا تؤيد مشروع السعودية بأن تكون “أبو ديس” عاصمة فلسطين، كون القدس هي مركز التطورات الفلسطينية، وإذا تم تنفيذ الصفقة، سيتم فصل إدارة قطاع غزة في الواقع العملي عن الضفة الغربية، وهذا سيخلق ظروفاً غير جيدة لمصر.

المعارضات العالمية: في الوقت نفسه، ما لم يتم التطرق إليه في صفقة القرن هو ردود الفعل العالمية والقانونية لهذا المشروع، ووفقاً لقرار الأمم المتحدة، فإن بناء أي مستوطنات على حدود عام 1967 من قبل الكيان الصهيوني يعتبر غير قانوني، وبمثابة احتلال للأراضي الفلسطينية، وقد أقرت دول أخرى بما في ذلك الدول الأوروبية بهذا القرار وطالبت بتجميد المستوطنات على حدود 1967.

وعلى خلاف قرار الأمم المتحدة، فإن ترامب سيعترف بهذا الاحتلال بمشروعه، وهذا الموقف يتعارض مع القانون الدولي والرأي العام العالمي. حتى أثناء نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، كانت هناك معارضة واسعة النطاق لهذه القضية، ليس فقط في الدول الإسلامية بل حتى في الدول الغربية، وباستثناء بعض الدول الجزائرية كأعضاء في الأمم المتحدة، فلم تعترف الجهات الدولية بهذا القرار.

لذلك بالنظر إلى هذه الظروف، يمكن القول بأن مؤامرة صفقة القرن التي اُتخذت لإنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها ليست فقط غير ناجحة، بل أيضاً ستزيد حساسية الشعوب المسلمة في المنطقة والعالم وتوحد الفلسطينيين، ما يجعل الوضع أكثر صعوبة على الكيان الصهيوني في المستقبل.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق