أمريكا وتغيير النظام في إيران… بين الحقيقة والشعار
تغيير النظام الإيراني أو دفعه للانهيار ليس ضمن خطط أمريكا”، بهذه الكلمات بدأ وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس مؤتمره الصحفي يوم أمس مضيفاً إنه ليس هناك أي احتمال لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، كلام ماتيس دفع الكثير من المحللين للتساؤل حول المغزى الحقيقي من تصريحاته في وقت يشنّ فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو هجوماً عنيفاً على إيران مهددين مراراً وتكراراً بتوجيه ضربة عسكرية لها، كما دفعهم للتساؤل أيضاً حول الاستراتيجية الحقيقية الأمريكية التي تعتمدها تجاه إيران.
ولا ينفي ماتيس ما يقوله ترامب لكنه يكتفي بالقول إن واشنطن لم تتبنَ بعد سياسة تغيير النظام في طهران وإن هدفها ما زال على حاله، أي ” تغيير سلوك إيران في المنطقة”، ولا يعرف بعد كيف يمكن أن يتغيّر ذلك السلوك، لكن ثمة من يراهن ومن بينهم ترامب نفسه، على أن الضغوط وأغلبها اقتصادية بالغة القسوة قد تؤتي أكلها كما حدث مع الاتحاد السوفياتي وكوريا الشمالية. وهناك من يتحدث عن خطط يجري العمل عليها، ومنها تشكيل تحالف جديد للتصدي لما يوصف بالتوسع الإيراني، على أن يتشكّل هذا التحالف من أمريكا والدول الخليجية أساساً بالإضافة لمصر والأردن.
محاولات تغيير النظام في إيران
كلام وزير الدفاع الأمريكي يوم أمس وصفه البعض بالدعوة إلى الحوار مع الإيرانيين، مما دفع القارئ إلى التساؤل حول المسعى الأمريكي الحقيقي لتغيير النظام في إيران. وللاجابة على هذا السؤال يستدعي مراقبة سلوك واشنطن منذ العام 1979 أي منذ انتصار الثورة الإسلاميّة، فالمطّلع على التاريخ يعلم جيداً أن أمريكا تسعى لتغيير النظام في إيران منذ اليوم الأول لولادته، ولا يزال الفشل في إسقاط النظام يلازمها حتى يومنا هذا فجميع محاولاتها باءت بالفشل، لا بل تَعزز دور إيران الإقليمي بشكل لا يقارن مع عام 1979.
وحتى إن عدنا بالتاريخ إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، نرى أن أمريكا هي واحدة من أبرز البلدان الداعمة للانقلابات إن رأت مصالحها في خطر حيث كشفت وثائق وزارة الخارجيّة الأمريكية التي نشرتها صحيفة مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية بعد مرور ما يقارب الـ 64 سنة، تورّط وكالة الاستخبارات المركزية في الانقلاب الذي حصل بإيران عام 1953، وأدّى إلى الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً آنذاك محمد مصدق.
كما وكشفت حادثة اقتحام السفارة الأمريكية وخروج أرشيفها للعلن تورّطها في اغتيال العديد من رموز الثورة وتواصل السفارة مع العديد من الشخصيات الإيرانية لتكرار تجربة انقلاب 1953.
كما أنها حاولت منع سقوط نظام الشاه الذي كان يعرف بشرطي الخليج في المنطقة، وذلك عبر إرسال الخبراء العسكريين أمثال الجنرال روبرت هايز، لكنها فشلت في حمايته لتنتقل إلى مرحلة الحرب العسكرية غير المباشرة عبر الدعم السياسي والعسكري اللامحدود لصدام حسين، والحرب الاقتصاديّة المباشرة التي ما زالت مستمرّة حتى كتابة هذه السطور.
هذه الضغوط الاقتصادية التي أسقطت في السابق جمهوريات عريقة، كالاتحاد السوفياتي، وأجبرت دولاً أخرى على الاستسلام كـ “كوريا الشمالية”، يمارس أشد منها على إيران اليوم، إلا أنها لا تزال صامدة. صمود إيران يربطه محللون بعدم دراية الرئيس الأمريكي الجيدة للقضية الإيرانية واختلافها عن الحالات السابقة، فإيران قوة إقليمية لا تضاهى، يحسب لها ألف حساب، ولديها موقع جيوسياسي مهم، فهي “جسر الربط” بين الشرق والغرب، ومن ناحية أخرى تطلّ إيران على مضيق هرمز، ممر “الطاقة العالمية” كما يوصف، وتستطيع من خلاله أن تضرب المصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة كالسعودية، ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، يتم تصدير 16.5 إلى 17 مليون برميل يومياً من النفط الخام من منطقة الخليج إلى اليابان وأمريكا وأوروبا والدول الغربية ودول آسيوية أخرى.
ولم تكتفِ المحاولات الأمريكية بالضغوطات الاقتصادية، بل أخذت تتبع أساليب ناعمة من أجل التأثير على الداخل الإيراني، كقيامها بإنشاء محطات تنطق باللغة الفارسية تبّث على مدار الساعة، إضافة إلى راديو رقميّ، ومنصات على وسائل التواصل الاجتماعي، تهدف من خلالها إلى نشر المفاهيم الأمريكية في الداخل الإيراني ونشر مفهوم “الإيرانوفوبيا” في العالم في سبيل توحيد الرأي العام العالمي على أن النظام الإيراني يشكّل خطراً على العالم أجمع.
ويضاف إلى ذلك استمرار دعم الأمريكيين لزمرة منافقي “خلق” المتهمة بقتل أكثر من 16 ألف إيراني، وهم يعقدون الأمل عليهم وعلى أنصارهم في الداخل الإيراني في زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية الذي تنعم به بالرغم من محيطها الملتهب.
آخر المحاولات كشف عنها يوم أمس، فبحسب أربعة مصادر في البيت الأبيض فإن ترامب يدفع باتجاه تعاون أكبر وأقوى مع دول منطقة الخليج في مجال الدفاع الصاروخي والتدريب العسكري ما يؤدي في نهاية المطاف إلى النسخة العربية من حلف الشمال الأطلسي “الناتو” تقوم على من يسمون بالحلفاء لأمريكا، وثمة من أضاف لهم الكيان الإسرائيلي وقال إن الهدف ليس التصدي لإيران بل هو ضربها أو ضرب “أذرعها” في الإقليم. ويعتقد أن ترامب سيبحث الأمر مع زعماء الدول الخليجية في قمة تعقد في أكتوبر المقبل، لكن ما يشاع أن خطط الرجل لتشكيل “ناتو عربي” تصطدم مع حقائق تنسف الفكرة من أساسها، فالخليج لم يعد موحداً، والخلافات السياسية بين بعض دوله تجاوزت فكرة التنسيق العسكري والاصطفاف خلف واشنطن للتصدي لإيران، كما أن مفهوم العدو تغير لدى بعض الدول الخليجية، التي أصبحت أقرب لتل أبيب، أما مصر والأردن فإيران ليست هاجساً بالنسبة لهما خلافاً للرياض وأبوظبي اللتين تغرقان في المستنقع اليمني ولم تستطيعا خلال 4 سنوات من تحقيق أي إنجاز عسكري يذكر، بل على العكس تماماً استطاعت مجموعة من اليمنيين أن تربك حسابات الرياض وأبو ظبي خصوصاً في اليومين الماضيين، حيث عطّلت صواريخ أنصار الله الملاحة البحرية عند باب المندب، كما استهدفت طائراتها المسيرة مطار أبو ظبي وعطلت الملاحة الجوية فيه، فكيف ستواجهان دولة بحجم وقوة وقدرة إيران؟.
ختاماً.. نتائج كل هذه الأمور تؤكد أن كلام ماتيس غير دقيق، لكن أمريكا لا تجرؤ على المواجهة العسكرية المباشرة نظراً لقدرات إيران الإقليمية، فتهديدات قائد قوة القدس “قاسم سليماني” تلقتها أمريكا جيداً، ويمكن القول إن كلام ماتيس يوم أمس أتى في محاولة للحدّ من التوتر القائم ولاسيّما بعد الرد الإيراني القاسي على تهديدات ترامب، وفي محاولة لذرّ الرماد في العيون.
المصدر / الوقت