بعد خروج تركيا من العباءة الأمريكية…ما هي خيارات أردوغان لمواجهة ترامب؟
لا حديث في تركيا هذه الأيام سوى عن الأزمة الاقتصادية التركية وانخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار الأمريكي، والتي بلغت يوم أمس أسوأ معدلاتها لتصل 6,43 ليرات مقابل دولار واحد، بنسبة تراجع بلغت 13,7 بالمئة من قيمتها إثر إعلان الرئيس الأمريكي ترامب مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم التركيين إلى 50 و20 بالمئة، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحافظ على خطاب تماسك الاقتصاد التركي وزيادة الإنتاج والنمو المضطرد، ملقياً اللوم على أسباب خارجية، مهدداً بالقول: إن الرسوم “الجمركية والعقوبات الأمريكية ستدفعنا إلى البحث عن حلفاء جدد”.
في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، شهدت العلاقات التركية الأمريكية تراجعاً ملحوظاً، خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية، ودعم أوباما للأكراد الذين يعتبرهم أردوغان عدو تركيا الأول، وبعد انتهاء ولاية أوباما الثانية، ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض توقّع أردوغان أن تتحسن علاقات بلاده مع أمريكا، خاصة أن ترامب كان يرفع شعار التقرب من التيار السني المعتدل في المنطقة، إلا أن ذلك لم يحدث، بل الأمر زاد سوءاً وذلك بفعل الحرب التجارية التي يشنها ترامب على الدول الموردة لبلاده، والتي من بينها تركيا، إضافة إلى تأييد ترامب الكامل للكيان الإسرائيلي في القضية الفلسطينية وإعلانه القدس عاصمة لـ “إسرائيل” وإعلان تأييده لصفقة القرن التي تصبّ في مصلحة الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، هذه الأمور وأكثر دفعت أردوغان للبحث عن حلفاء جدد، متوجّهاً نحو الشرق الذي يستطيع من خلاله سدّ الفراغ الذي سيتركه التخلي الأمريكي عن تركيا.
إيران أكبر مصدّرة للطاقة إلى تركيا
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم أمس الجمعة أن لبلاده خيارات كثيرة لمواجهة الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا على بلاده، ومن بينها زيادة التعاون الاقتصادي مع جارتها إيران التي وصفها بالحليف الاستراتيجي لتركيا، فإيران وفقاً للبيانات التي تم جمعها من التقرير الشهري للطاقة التركي، تعتبر أكبر مصدّر للطاقة إلى تركيا، وأشارت هذه البيانات إلى أن تركيا استوردت 7.4 ملايين طن من النفط أو ما يعادل 51.8 مليون برميل في الأشهر السبعة الأولى من عام 2017 مقارنة مع 3 ملايين طن من النفط أو ما يعادل 21 مليون برميل في الفترة من كانون الثاني إلى تموز 2016، وفي المجال التجاري شهد عام 2017 ارتفاعاً بحجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران خلال الأشهر التسعة الأولى بنسبة 14 في المئة، ومن المفترض أن يزيد التبادل التجاري بين الطرفين في فترة العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران.
السلاح الروسي عوضاً عن السلاح الأمريكي
الخيار الثاني الذي يستطيع أردوغان بواسطته سدّ الفراغ الذي سيتركه التخلي الأمريكي عن تركيا، وخاصة في المجال العسكري، هو الانفتاح على روسيا، وذلك لتعويض الصفقات العسكرية التي علقتها أمريكا، حيث صادق مجلس الشيوخ الأمريكي، في 19 يونيو الماضي، على مشروع قانون لميزانية وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لعام 2019، يتضمن تعديلاً يمكن استخدامه لمنع أو إبطاء بيع طائرات متقدمة من طراز «F-35» إلى تركيا، وذلك رداً على عزم أنقرة شراء صواريخ «S-400» الروسية.
وتستطيع أنقرة هنا شراء منظومة اس 400 مقابل منظومة الباتريوت الأمريكية، وعوضاً عن طائرات اف- 35 تستطيع أن تشتري طائرات “سو 57” المتطورة والتي لا تزال بيد القوات الروسية فقط، وفي هذا السياق كشفت تقارير روسية أن موسكو عرضت على تركيا شراء طائرات “سو 57″، وتقاطعت هذه المعلومات مع ما قاله وزير الخارجية التركية، مولود تشاووش أوغلو، حول استبدال الطائرات الأمريكية بأخرى لم يسمّها، وأكد هذه المعطيات أكثر ما ذكره تقرير لصحيفة يني سافاك، أن التعاون الروسي-التركي حول البرامج العسكرية والتبادل التكنولوجي الذي تمت مناقشته خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا في 3 أبريل / نيسان قد يشمل أيضاً تسليم طائرات سوخوي، أي الطائرة Su-57، المنافس المباشر للطائرة F-35.
الاستثمارات الصينية
تحاول الصين منذ عام 2015 تغيير سياستها الاقتصادية، على غرار ما فعلته اليابان بعد عام 1952، ومن بعدها كوريا الجنوبية وألمانيا، حيث تعتزم البدء بمرحلة تسميها “إحياء الإنتاج الصيني”، وبعد وصول شي جين بينغ إلى الرئاسة الصينية في الرابع عشر من مارس 2013، اقترح استراتيجية تعرف الآن باسم مبادرة الحزام والطريق، وهي شبكة شاملة من مشاريع البنية التحتية الجديدة تبدأ من الصين، مروراً بآسيا الوسطى وصولاً لأوراسيا والشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي، وتريد الصين الاستفادة من العلاقات الأمريكية التركية المتوترة كي تدخل السوق التركية بقوة عبر استثماراتها، وأشار أحد التقارير لموقع يوراسيا فيوتشر، إلى أن اقتصاد تركيا المتنامي بسرعة محط اهتمام كبير للمستثمرين الصينيين الذين يبحثون عن أسواق متنامية وشابة وديناميكية غرب أوراسيا، ويكشف تقرير حديث لصحيفة ديلي صباح التركية أن أكثر من 1000 شركة صينية تنشط الآن في تركيا عبر مجموعة متنوعة من القطاعات، ويوضح أن الشركات الصينية التي تعمل في قطاعات الخدمات اللوجستية والإلكترونيات والطاقة والسياحة والمالية والعقارات في تركيا تعمل على توسيع أعمالها في البلاد، مع دخول البنك الصناعي التجاري الصيني وبنك الصين، حيث تسارع تدفق الشركات الصينية إلى تركيا وتوسع كذلك في قطاع التجارة الإلكترونية في الآونة الأخيرة.
وعلى صعيد الطاقة، فإنّ الاستثمارات الصينية بدأت تتصاعد في مجال الطاقة الحرارية في تركيا، وقد تجلّت بعدة مشاريع حديثة، كما تجري مفاوضات بين أنقرة وبكين لبناء محطة الطاقة النووية الثالثة في تركيا، حيث تناقش وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي “بيرات البيرك” مع ممثلي قطاع الطاقة الصينيين مسألة الاستثمار في تشغيل محطة نووية ثالثة في تركيا خلال زيارته في شهر أيار/مايو الماضي.
ختاماً.. صحيح أن تركيا تمرّ اليوم بأوضاع اقتصادية معقدة للغاية، إلا أن هذا الأمر آني وسيتغير إلى الأفضل في القادم من الأيام وذلك بسبب نجاح أنقرة في تدشين تكتلات جديدة تنحاز فيها إلى المعسكر الشرقي (روسيا -الصين -إيران) بالتزامن مع الحفاظ على أرضية مشتركة مع دول أوروبا المعتدلة التي تعاني بدورها كذلك من سياسات ترامب العدائية، وهذا من الممكن أن يسهم أيضاً في إعادة رسم الخريطة الدولية، اقتصادياً وسياسياً.
المصدر / الوقت