أمريكا وسياسة تكرار السيناريو الليبي في الملفّ الكوري الشمالي؟!
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال الأسابيع الماضية، أكثر من مرة أنه على استعداد للقاء القادة الإيرانيين دون أي شروط وفي المكان الذي يريدونه، وعلى الرغم من رفض المسؤولين الإيرانيين لمبدأ التفاوض مرة أخرى مع أمريكا، كان الرئيس الأمريكي بانتظار موقف مرشد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي حول مقترحه إلى أن أتى نهار الخميس الماضي، ليعلن فيه الإمام الخامنئي وأمام جمع غفير من الناس، بأن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتفاوض مع أمريكا، ولن يكون هناك حرب معها.
وقال الإمام الخامنئي: “إن هذه الدعوة إلى إجراء مفاوضات ليست جديدة فقد كانوا يدعون إلى هذا الشيء منذ أول بداية انتصار الثورة الإسلامية، لكن لماذا لا نتفاوض؟” وتابع “إن أمريكا تتبع قاعدة معينة في المفاوضات وكون أمريكا تعتمد على القوة والمال فإنهم ينظرون الى المفاوضات كصفقات تجارية”، وأضاف: إن ” الأمريكيين عندما يريدون أن يتفاوضوا مع أحد فإنهم يحددون أهدافهم الرئيسية ولن يتراجعوا قيد أنملة عن هذه الأهداف والغايات”. وقال ” يطلب الأمريكيون من الطرف المفاوض لهم امتيازات محددة ولو امتنع هذا الطرف عن إعطائهم هذه الامتيازات فإنهم يختلقون ضجة كبيرة إلى أن يتراجع هذا الطرف ويقدّم لهم تنازلات”، وأكد الإمام الخامنئي أن “الأمريكيين لا يعطون امتيازات للطرف الآخر مقابل ما يحصلون عليه منه، ويعطونه فقط مجرد وعود جوفاء لكي يرضوا الطرف المفاوض لهم ويقنعونه في تقديم التنازلات”.
أسلوب البيت الأبيض في التعاطي مع أي عدو
على مدى العقود الماضية، وعلى الرغم من اختلاف أسلوب وسياسات الخارجية الأمريكية للإدارات المتعاقبة في أمريكا، كان الجميع لديهم سياسة موحدة في التعاطي مع مسألة المفاوضات والأمور الدبلوماسية، وخلال العقدين الماضيين، كان البيت الأبيض يعتمد الحوار والدبلوماسية السياسية في حل قضايا المنطقة بطريقة تسهل تحقيقه أهدافه بأقل تكلفة ممكنة. وعندما يحصل التوافق بين الطرفين، كانت واشنطن تنسحب من الاتفاق ولا تلتزم بالتزاماتها وتتهرب منها في سبيل الحصول على امتيازات أخرى، خاصة وأنهم استطاعوا نزع قوة الضغط التي كان يملكها الطرف المقابل، وعلى سبيل المثال، نذكر الطريقة التي تعاطت فيها أمريكا في ملف نزع السلاح النووي الليبي.
في أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر، وبعد دخول الجيش الأمريكي إلى أفغانستان والعراق، أعلن الرئيس الليبي معمر القذافي، الذي كان ذات يوم حليفاً للاتحاد السوفياتي ومعارضاً لسياسات التدخل الغربي في إفريقيا، أنه على استعداد للتخلي عن السلاح النووي مقابل رفع العقوبات الأمريكية، وإعادة العلاقات الثنائية بين الطرفين، وفي 19 ديسمبر 2003، أعلن في مؤتمر صحافي مثير أنه يعتزم التخلي عن برنامجه النووي، وبعد شهر واحد، في يناير 2004، أرسلت أمريكا طائرات عسكرية إلى ليبيا وقامت بنقل ما يقارب 25000 كيلوغرام من الوثائق والمعدات المتعلقة بالبرامج النووية والصاروخية الليبية إلى مختبر في ولاية تينيسي الأمريكية. وفي مارس من ذلك العام، تم نقل أكثر من 1000 جهاز طرد مركزي وقطع صواريخ باليستية من ليبيا إلى ولاية تينيسي مجدداً.
وكان الليبيون يقولون إنهم استطاعوا من خلال هذه المفاوضات جعل المجتمع الدولي يقبلهم، عبر إعطائهم كرسياً مؤقتاً في مجلس الأمن، إضافة إلى بعض الأموال لكن في وقت لاحق، اعترض القذافي على ما حصل عليه من هذه الصفة، وفي أبريل 2010، أكد أن الدول الغربية لم تساعد في تحسين الوضع في البلاد، قائلاً: ” ليبيا لا يمكن أن تكون نموذجاً لحل القضية النووية لإيران وكوريا الشمالية”.
وفي هذا السياق، أخبر سيف الإسلام القذافي السفير الأمريكي في ليبيا في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 بأن بلاده أوقفت شحنة اليورانيوم العالي التخصيب الأخيرة لأنها “ضاقت ذرعاً” ببطء تطور العلاقات الثنائية بين ليبيا وأمريكا، وتلكؤ تنفيذ الوعود التي تلقتها ليبيا لقاء تخليها عن برامج أسلحتها للدمار الشامل.
ويروي محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في كتاب مذكراته الذي يحمل عنوان “عصر الخداع …الدبلوماسية النووية في عصور الخيانة “، تجربته في المحادثات النووية مع مسؤولين من مختلف البلدان، وخاصة في المفاوضات الليبية.
وحول قرار ليبيا العمل مع الوكالة والغرب، وخاصة أمريكا، قال البرادعي في مذكراته: تعاونت ليبيا بشكل كامل مع وكالة الطاقة الذرية، وسمحت للمفتشين بالدخول إلى جميع المرافق التي كانوا يريدون أن يفتشوها، كما أن “معتوق” جاء إلى فيينا لرؤيتي لضمان إجراء عمليات الفحص وفقاً للخطة الموضوعة لأجل حل القضايا العالقة، وبحلول نهاية كانون الثاني / يناير، كان مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد استكملوا جزءاً كبيراً من العمل الحساس للغاية، وبعد ذلك بوقت قصير، تم تفكيك جزء كبير من معدات الوقود النووي وتم نقلها إلى أمريكا بالاتفاق بين طرابلس وواشنطن، وفي 23 فبراير / شباط عدت إلى طرابلس، وكان الفندق الذي أقيم فيه مليئاً بمجموعة متنوعة من الشركات الغربية، وكان الناس هناك يتداولون هذه الجملة أن ” العقوبات سترفع قريباً وستفتح الأبواب الليبية أمام قطاع الأعمال”، كما ولاحظت وجود ممثلين لشركات النفط العالمية وكانوا يأملون في الوصول إلى الموارد الطبيعية الليبية، ومن خلال أقوال المسؤولين الليبيين كنت التمس الارتياح لهذا الاتفاق”.
لكن بعد فترة وجيزة اشتدت موجة الاحتجاجات الشعبية في ليبيا عام 2011، حاول القذافي استخدام نزع سلاح بلاده كوسيلة لإقناع الناتو بوقف العمليات في ليبيا، لكن هذا لم يتحقق، وخرق الغرب كل وعوده والتزاماته بدعم القذافي بإعلانه دعم المعارضة بذريعة حقوق الإنسان والحرية، وفي نهاية المطاف انهارت الحكومة الليبية مع عمليات حلف شمال الأطلسي الجوية، ومن ثم قتل معمر القذافي من قبل المتظاهرين في سرت.
أما اليوم، ها هو الأمريكي يكرر السيناريو الليبي مع كوريا الشمالية، وعلى الرغم من قيامها بتدمير بعض المراكز النووية، وإرجاع رفاة عدد من الجنود الأمريكيين إلى بلادهم، لم تبادر أمريكا بأي مبادرة حسن نية تجاه بيونغ يانغ، ولم تقم بإزالة أي عقوبة مفروضة على كوريا الشمالية، بل على العكس مددت حالة الطوارئ وفرضت عقوبات جديدة عليها في سبيل زيادة الضغط على بيونغ يانغ من أجل كسب المزيد من الامتيازات.
المصدر / الوقت