ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد
بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، تبنَّت السياسة الخارجية الأمريكية عقيدة الحرب ضد الإرهاب، وبدأت بعد ذلك الغزوات الأمريكية بنفس الذريعة لتعزيز الهيمنة والعالم الأحادي القطبية، ومنذ تلك الفترة انتشرت الخلافات حول التفسير والانطباع السياسي والانتفاعي للمسؤولين الأمريكيين من مفهوم الإرهاب ومصداقيته، ومازالت الخلافات مستمرةً، ومع ذلك تواصل الإدارة الأمريكية تجاهل هذه الانتقادات، وفي نفس الاتجاه طلب الكونغرس الأمريكي يوم أمس من وزيري الخارجية والدفاع تقديم تقرير عن طبيعة أنشطة الإخوان المسلمين.
بناءً على طلب الكونغرس الأمريكي، يتضمن التقرير معلومات عن الأصول المالية للإخوان المسلمين وقائمةً بأسماء أنصار هذه الجماعة في جميع دول الشرق الأوسط، وكذلك موارد الدعم المالي لكل فرع من فروع الجماعة، وتفاصيل هيكل الإخوان المسلمين وقيادتهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
جماعة الإخوان المسلمين كحركة إسلامية أعلنت عن تأسيسها في مصر عام 1928، تعتبر واحدةً من أقدم الحركات الإسلامية المعاصرة، ولذلك فإن محاولة الكونغرس الأمريكي إدراج هذه الجماعة في قائمة الجماعات الإرهابية الآن يجب ربطها بالتطورات الحالية في المنطقة، حيث سبق لأمريكا اعتبار عدد من فروع الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية، بما في ذلك حركتي “حماس” و”حسم”، والتي ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين من الناحية التنظيمية، لكن واشنطن لم تعلن جماعة الإخوان المسلمين ككل منظمةً إرهابيةً.
الإخوان المسلمون تهديد لمصالح أمريكا
إن أمريكا ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين وظهور الحركات السياسية الإسلامية في الشرق الأوسط، ذات النزعة الاستقلالية ومواجهة العلاقة بين الاستبداد الداخلي والاستعمار الأجنبي، ومن أجل الحفاظ على مصالحها الخاصة، بدأت معارضة جماعة الإخوان المسلمين، كما يتضح جلياً دور واشنطن على سبيل المثال في تحريض القوات الجزائرية على منع تمكين حزب “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”(FIS) الذي فاز في الانتخابات عام 1991، الأمر الذي أدى إلى عقد من الحرب الأهلية ومقتل الآلاف من الناس في الجزائر، ومع ذلك يمكن القول إن تركيز واشنطن الأساسي في هذه السنوات كان بشكل رئيسي على السيطرة على الحركة الثورية الإيرانية، وبناءً على ذلك، يجب ربط المواجهة الجادة بين واشنطن والإخوان المسلمين بالسنوات التي تلت عام 2011 وبداية موجة الثورات الشعبية في الدول العربية.
مع انتصار الثورة المصرية ووصول “محمد مرسي” من جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم بدلاً من حسني مبارك المدعوم من الغرب، عقد في فبراير 2011 الاجتماع الأول للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي بقيادة الجمهوريين، وكان الموضوع هو لماذا على أمريكا أن تخشى تنامي قوة الإخوان المسلمين في مصر؟ وما هي الأدوات التي يمكن استخدامها لمواءمة الجيش المصري للعب دوره في التطورات وفقاً لمصالح أمريكا؟
لطالما كرست واشنطن جزءاً كبيراً من مصالحها وسياساتها الإقليمية لدعم أمن الكيان الإسرائيلي بشكل كامل، بينما تشكّل مقاومة الاستعمار الصهيوني جزءاً حيوياً من أيديولوجية الإخوان في مصر وفلسطين (حماس)، لذلك مع انتصار “محمد مرسي” وتعريض مشروع التعاون بين مصر والكيان الإسرائيلي للخطر ورفع الحصار عن غزة، فإن جهود واشنطن، بالتعاون مع الرياض وتل أبيب للإطاحة بحكومة مرسي أدت في النهاية إلى انقلاب العسكريين ضده.
ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وحصول المزيد من تناغم واشنطن مع كل من الرياض وتل أبيب، وهما المعارضان الرئيسيان للإخوان المسلمين في المنطقة، تزايدت الإجراءات الأمريكية للضغط على الإخوان المسلمين، بحيث أعلن ترامب في أبريل/نيسان 2017 عن استعداده لوضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الجماعات الإرهابية، لكنه تراجع عن موقفه بعد التحذير الذي وجهته إليه الخارجية الأمريكية حول مخاطر هذا الإجراء، مع ذلك في نوفمبر 2017 صادقت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي برئاسة “إد رويس”، على 9 مشاريع ضد “حماس” بما في ذلك ما يسمى بقانون “قوة تايلور” (Taylor Force)، وفي الخطوة التالية في فبراير 2018، وضعت وزارة الخزانة الأمريكية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية” على قائمة العقوبات.
ثم في فبراير 2018 أيضاً، وافق مجلس النواب الأمريكي بالإجماع على مشروع قانون “منع دروع حماس البشرية”، لفرض عقوبات على حركة حماس، ولزيادة الضغط على الإخوان المسلمين، اقترح “رون ديسانتس” العضو الجمهوري في الكونغرس في 11 يوليو 2018، من خلال مشروع “التهديد العالمي للإخوان المسلمين”، أنه يجب على وزارة الخارجية الأمريكية اعتبار منظمة الإخوان المسلمين بأكملها جماعةً إرهابيةً، وفرض عقوبات واسعة النطاق عليها.
الضغط على قطر وتركيا
إذا غضضنا الطرف عن معارضة واشنطن الجوهرية لجماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي بشكل عام، فإن دور التطورات الإقليمية الحالية، مثل تصاعد الخلافات بين أمريكا وتركيا في الأشهر الأخيرة، يمكن أن يكون أحد الأسباب الرئيسية لتوجُّه الكونغرس نحو اعتبار الإخوان المسلمين حركةً إرهابيةً، وإذا نظرنا إلى مطالب الكونغرس من وزارتي الخارجية والدفاع لتقديم تقرير يتضمن قائمةً بأنصار هذه الجماعة في جميع دول الشرق الأوسط، وكذلك مصادر التمويل لكل فرع من فروعها، يمكن للمتابع أن يدرك جهود السياسيين الأمريكيين للضغط على تركيا وقطر، كداعمين سياسيين وماليين لتيار الإخوان في المنطقة.
النزاع التركي الأمريكي الذي توسّع منذ الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، تفاقم الآن بشكل خطير مع اعتقال القس الأمريكي في تركيا ورفض تسليمه لواشنطن، بحيث فتح ترامب جبهة الحرب التجارية على أنقرة لإجبار أردوغان على قبول مطالبه، ما أدّى إلى فقدان العملة الوطنية التركية أكثر من ثلثي قيمتها مقابل الدولار في أقل من بضعة أشهر، وتحوّلت القضية إلى أزمة مالية لأردوغان، في هذه الظروف، فإن قطر التي تتعرّض هي الأخرى لمقاطعة الدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون، وباعتبارها حليفاً مهماً لتركيا في المنطقة، سارعت لمساعدة أنقرة، ومع الإعلان عن استثمارات بقيمة 15 مليار دولار في تركيا، أفشلت خطة ترامب لإرغام أردوغان على الاستسلام، لذا فإن إدراج اسم الإخوان المسلمين في قائمة الجماعات الإرهابية، ذريعة جيدة للضغط على أنقرة والدوحة، وهو الأمر الذي يهدد به الكونغرس حالياً، ولكن السؤال الذي لا توجد وجهة نظر مماثلة حياله بين المسؤولين الأمريكيين هو، هل يمكن لتداعيات إلصاق تهمة الإرهاب بهذه الجماعة المؤثرة، التي تملك في بعض الدول العربية مثل الأردن مقاعد برلمانية ومشاركةً سياسيةً رسميةً، أن تتغلب على إنجازاتها؟.
المصدر / الوقت