معركة “إدلب” وكل ما يدور في رحاها
غليان غير مسبوق تشهده الأزمة السورية على خلفية “الهجوم المحتمل على إدلب لتحريرها من العناصر الإرهابية” التي تشكّل حجر عثرة في وجه إعادة الإعمار إلى البلاد وإعلانها آمنة على اختلاف مساحتها بعد أن حرر الجيش السوري المنطقة الجنوبية وريف دمشق ووجد نقاط تقارب مع الأكراد كانت كفيلة بحل الأزمة هناك، ليبقى أمام الجيش “تحرير” محافظة إدلب وبقدر أهمية هذه المحافظة بالنسبة للحكومة السورية تملك نفس الأهمية بالنسبة للمحور المعادي لـ”دمشق” فهي معركة الفصل في كل ما تحمل الكلمة من معنى، خاصةً بعد أن خسر المسلحون وداعموهم جُلّ المناطق التي كانت بحوزتهم وأصبح خطر “الإرهابيين” اليوم قائم في كل مكان من هذا العالم في حال عاد هؤلاء المسلحون إلى بلادهم، ومن هنا يأتي التصعيد الغربي ضد دمشق.
ماذا يريد الغرب وكيف تعاطت دمشق مع ذلك؟!
انتصارات الجيش المتلاحقة خلال السنتين الأخيرتين على وجه الخصوص أربكت المحور المعادي لسوريا وعلى رأسه أمريكا وبعض الدول العربية، وبالرغم من جميع المحاولات لردع تقدم الجيش السوري على مساحة البلاد إلا أنهم فشلوا فشلاً ذريعاً، ولم يتبقَ أمامهم سوى التودد لدمشق والحوار معها وتقديم العروض لها، والسؤال هنا، من قدم العروض وكيف ردت دمشق عليها؟!
العرض السعودي: منذ فترة وجيزة انتشر خبر حول عرض سعودي قدمه ولي العهد محمد بن سلمان إلى الرئيس السوري بشار الأسد عبر مندوب سعودي زار دمشق قبل ثلاثة أشهر، وينص العرض “على أن يبقى الأسد رئيساً مدى الحياة ولا نريد إصلاحات سياسية ودستورية في سوريا”،”كما تتعهد السعودية بإعادة إعمار سوريا كلها، لكن مقابل ذلك يتوجب على الأسد قطع العلاقات نهائياً مع كل من حزب الله اللبناني وإيران”.
لكن الجواب جاء على خلاف رغبة ولي العهد إذ رفض الرئيس الأسد العرض السعودي وأغلق الموضوع سريعاً.
العرض الأمريكي: في أواخر شهر حزيران زار دمشق وفد أمريكي رفيع المستوى ضمّ ضبّاطاً من وكالات استخبارية وأمنية أمريكية عدة، وكان في استقبال الوفد اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، وإلى جانبه رئيس الإدارة العامة للمخابرات العامة اللواء ديب زيتون ونائب رئيس هيئة الأركان العامة اللواء موفق أسعد، استمر اللقاء بين الجانبين أربع ساعات، بحسب معلومات حصلت عليها صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
الجانب الأمريكي قدّم عرضاً يتضمن استعداد واشنطن لسحب جنودها بالكامل من الأراضي السورية بما فيها قاعدة التنف ومنطقة شرق الفرات وفق ترتيبات أمنية يشرف عليها الجيشان الروسي والسوري في مقابل تلبية دمشق لثلاثة مطالب أمريكية، هي:
أولاً: انسحاب إيران بشكل كامل من منطقة الجنوب السوري.
ثانياً: الحصول على ضمانات خطّية بحصول الشركات الأمريكية على حصة من قطاع النفط في مناطق شرق سوريا.
ثالثاً: تزويد الجانب السوري الأمريكيين بـ”داتا” كاملة عن المجموعات الإرهابية وأعضائها تتضمّن أعداد القتلى الأجانب من أفراد هذه المجموعات ومن بقي منهم على قيد الحياة، ومن تتوافر لديه من هؤلاء إمكانية العودة إلى الدول الغربية، باعتبار أن “الخطر الإرهابي عابر للقارات، وما يمكن أن نحصل عليه يصبّ في خدمة الأمن الدولي”.
أما دمشق فكان ردها صارماً وواضحاً وتحدثت من منطق قوة، حيث قال لهم اللواء مملوك، أنتم في سوريا قوة احتلال، دخلتم أراضينا عنوة من دون استئذان ويمكنكم أن تخرجوا بالطريقة نفسها، وحتى حدوث ذلك سنبقى نتعامل معكم كقوة احتلال.
وأضاف مملوك: إنها سوريا لها تحالفات استراتيجية مهمة وهي جزء من محور واسع، وموقفنا من العلاقة مع إيران واضح، وقد كرّره الرئيس بشار الأسد في أكثر من مناسبة وخطاب، ومفاده أن علاقتنا التحالفية مع طهران وحزب الله والقوات الحليفة التي قاتلت الإرهابيين إلى جانب الجيش السوري “علاقة متينة، ولا يغيّر هذا العرض من تحالفاتنا الثابتة”.
وتحدث مملوك عن أن الأولوية للأصدقاء والحلفاء في إعادة الإعمار، وعن الـ “داتا” قال مملوك: لدينا اليوم بنية معلوماتية ضخمة عن المجموعات الإرهابية، وقد تطوّرت بشكل كبير خلال سنوات الأزمة، ونحن ندرك تماماً الأخطار التي يشكّلها هؤلاء علينا وعليكم، كما ندرك مدى حاجتكم إلى هذه المعلومات، ونعرف أن من صلب مهام أجهزة الأمن البقاء على تواصل حتى خلال الأزمات، وسبق أن قدّمنا معلومات إلى الأردنيين وإلى دول أخرى كثيرة من بينها الإمارات، لكن موقفنا من هذا الأمر اليوم مرتبط بتطور موقفكم السياسي من سوريا ونظامها وجيشها، وبالتالي، فإن سوريا لن تقدم على أي تعاون أو تنسيق أمني معكم في هذا الشأن قبل الوصول إلى استقرار في العلاقات السياسية بين البلدين.
إلى هنا انتهى اللقاء، مع الاتفاق على إبقاء التواصل قائماً عبر القناة الروسية ــــ الإماراتية، قبل أن يقفل موكب السيارات السوداء عائداً إلى مطار دمشق الدولي، ليغادر بالطريقة نفسها التي حضر فيها.
ردة فعل واشنطن
بقي لدى واشنطن معركة إدلب فقط وبعدها سيكون بقاؤها محفوفاً بالمخاطر وسيكون من الصعب عليها البقاء، فلم يعد بإمكان أمريكا تحمّل المزيد من الخسائر، ولا يمكن أن يضمن لها أحد أن تكون بمعزل عن هجمات محتملة في الأيام المقبلة، خاصة وأنها دخلت البلاد دون إذن من الحكومة السورية لذلك تعتبرها دمشق قوات محتلة ويجب التعامل معها، ومن هنا تكتسب معركة إدلب أهميتها، فانهيار مسلحي واشنطن وغيرها يعني انهيارهم، لذلك بدأت أمريكا بالتصعيد ضد دمشق يشاركها في ذلك كل من له صلة بهؤلاء الإرهابيين.
وما يؤكد ذلك وصول المُدمِّرة الأمريكيّة “The Sullivans” المُزوَّدة بـ 56 صاروخاً مُجنَّحاً (توماهوك) إلى المياه الخليجية، وعِدَّة قاذِفات استراتيجيّة عِملاقة من نَوع B – 1B الحامِلة لصواريخ أرض جو من نوع “Jassm” إلى قاعِدة العديد الأمريكيّة في قطر للمُشارَكةِ في الهُجوم المُتوقَّع على سوريا، حَسب ما وَرَدَ في بيانِ وزارة الدِّفاع الروسيّة.
وهناك تأكيداتٌ رسميّةٌ من السُّلطات الروسيّة تتحدَّث عن بَحثِ أمريكا عن ذَرائِع جديدة باستخدام “الجيش السوري” لأسلحةٍ كيماويّةٍ أثناء هُجوم إدلب، ورَدت على لسان إيغور كوناشينكوف، المُتحَدِّث باسم مركز المُصالحة الروسي، الذي كَشَف معلوماتٍ عن نَقل عُبوّاتٍ من غاز الكلور إلى قَريَةٍ قريبةٍ من جِسر الشُّغور، يضاف إلى هذا تحذير وزارة الدِّفاع الروسيّة في بيانٍ رسميٍّ من ضَربةٍ ثُلاثيّة أمريكيّة بريطانيّة فرنسيّةٍ صاروخيّةِ الطَّابَع على سوريا، للتَّغطيةِ على خُطَّةٍ لشَن هُجومٍ كَبيرٍ للفَصائل المُسلَّحة على حلب وحماة لاستعادَتهما، وإنهاءِ سَيطَرة الجيش السوري عَليهِما.
في مقابل هذا هناك لهجة روسية جديدة أكثر حدة من أي وقت مضى تظهر من خلالها روسيا بانها لن تَقِف مَكتوفَة الأيدي هَذهِ المَرّة، وستساندها بهذا الصين التي تُريد أن تتخلَّص مِن “الإرهابيين” التركمان الآيغور، الذي يتردَّد وُجود حواليّ خمسة آلاف مِنهم في إدلب، ويُقاتِلون في صُفوف جبهة النُّصرة، ويَعرِفون بشِدَّة بأسَهُم، ومَهاراتِهم القِتاليّة العالِية، لأنّ عودة هؤلاء سَتُشكِّل مأزِقاً للسُّلطات الصينيّة التي تَقمَع أي محاولة لانفصال إقليمهم في شمال غرب البِلاد.
المصدر / الوقت