العراق وغوغاء انتخاب الرئيس الجديد
قبل أسبوعين، أيّدت المحكمة الاتحادية العليا العراقية النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية التي جرت في 22 مايو الماضي، وتعرّضت هذه النتائج إلى التشكيك من بعض الأطراف العراقية ما دفع بالبرلمان إلى إصدار قرار باعتماد الفرز اليدوي ببعض المحافظات التي شهدت توترات أثناء الانتخابات كمدينة كركوك، وأعقب هذه المرحلة إعلان الرئيس العراقي فؤاد معصوم يوم الثلاثاء الماضي أن يوم الاثنين القادم سيكون أول جلسة للبرلمان العراقي الجديد الذي سينتخب في المرحلة الأولى رئيساً للمجلس على أن تكون المرحلة الثانية انتخاب رئيس الجمهورية.
فيما يخص رئيس الجمهورية، هناك حاجة الى إجماع داخلي بين مختلف المجموعات البرلمانية، وثانياً: بين ممثلي العراق من السنة والشيعة، وعلى ما يبدو أن انتخاب الرئيس سيأخذ وقتاً أطول مما انتخب فيه الرئيسان السابقان المرحوم جلال طالباني وفؤاد معصوم وذلك بسبب عدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق بين قادة الطائفتين السنية والشيعة، وبين الأكراد أنفسهم على اسم الرئيس المستقبلي.
وبعد أن يتم انتخاب الرئيس الجديد، سيكون أمامه أسبوع لترشيح رئيس وزراء جديد، وينص القانون العراقي على أن الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي يحق لها أن ترشّح اسم رئيس الوزراء لرئيس الجمهورية على أن يقوم الأخير بتقديمه للبرلمان العراقي الذي سيصوت فيما بعد على منحه الثقة، وفي السابق كان رئيس الوزراء يأتي دائماً من الكتلة الشيعية الأكبر التي كانت في الماضي أكثر توافقاُ وانسجاماً مما هي عليه الآن، حيث شهدت الانتخابات الماضية تنافساً كبيراً بين المجموعات الشيعية، وازداد هذا التنافس أكثر في الآونة الأخيرة حول موضوع تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، ما أخّر عملية انتخاب رئيس جديد للحكومة.
وإن عدنا بالتاريخ إلى الوراء، نرى أنه في الانتخابات السابقة، حصل ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وحزب الدعوة العراقي على 91 مقعداً، وسرعان ما استطاع المالكي استقطاب المجموعات الشيعية الأخرى وتشكيل الكتلة النيابية الأكبر التي رشحته لرئاسة مجلس الوزراء العراقي، كما نرى أنه قبل أربع سنوات، اشترطت دولة القانون تنحّي نوري المالكي من مركز رئاسة الوزراء بشرط أن يأتي شخص من حزب الدعوة، فنال حيدر العبادي بكل سهولة تأييد المجلس الذي بوصوله كان ثالث رئيس حكومة بعد إبراهيم جعفري ونوري المالكي.
أما اليوم فإن حزب الدعوة موجود بين ثلاث مجموعات برلمانية كبيرة وهي سائرون والفتح ودولة القانون، حيث إن سائرون والفتح أتوا في المرتبة الأولى والثاني في الانتخابات فيما حصلت دولة القانون على المرتبة الرابعة بعد حزب العبادي، كما أن مجموع الأصوات الشعبية التي منحت حزب الدعوة تأييدها هي أقل بكثير مما حصل عليه الآخرون، ومن هنا يمكن القول إن استمرار الخلافات بين المجموعات الشيعية سيؤثر على انتخاب الرئيس، كما أن هناك أسماء من حزب الدعوة لا تزال لديها فرص من أجل الوصول إلى رئاسة الحكومة.
وما يجب قوله اليوم إن انتخاب رئيس الوزراء العراقي مثله مثل انتخاب أعضاء البرلمان ورئيس الجمهورية، كما أن العوامل الخارجية لا يجب أن تؤثّر على انتخابه أيضاً، مثلاً في عام 2005، عندما تم إجراء أول انتخابات برلمانية حرة في العراق، بذلت كل من أمريكا والسعودية والإمارات وتركيا جهوداً كبيرة من أجل فوز أطرافها بالمقاعد الأكثر في البرلمان، إلا أن العراقيين انتخبوا من يريدون وأوصلوا من يريدون إلى كرسي رئاسة مجلس الوزراء العراقي، وفي الانتخابات الماضية، سعت هذه الدول أيضاً إلى التأثير على نتائج الانتخابات لمصلحتها عبر التنسيق مع الجماعات الإرهابية لضرب العراق والعراقيين، أو عبر تحفيز كردستان العراق على الانفصال وذلك بهدف التأثير على نفوس العراقيين وعلى نتائج الانتخابات، وهنا يجب الاعتراف أن الأشخاص الذين قاتلوا العراقيين وتعاونوا مع داعش ضد أهل بلدهم، استطاعوا عبر الدعم الذي تلقوه من الخارج أن يحصلوا على مقاعد أكثر من المعتدلين.
كما حاول الأمريكيون والسعوديون عبر الوفود التي أرسلوها بث فكرة أنهم يستطيعون تغيير العراق إلى الأفضل، ما خلق بلبلة كبيرة في الأوساط العراقية، ونشير هنا إلى واقعتين:
اولا: في الأسبوعين الماضيين، أرسل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مبعوثاً خاصاً إلى العراق، ريت ماكغورك، وذلك بهدف تعطيل المساعي العراقية من أجل تشكيل الكتلة الأكبر التي ستنتخب رئيساً للعراق، ومن أجل ذلك شدد ماكغورك، الضغوط على الأكراد وبعض زعماء ائتلاف سائرون من أجل عدم تشكيل الكتلة البرلمانية الكبيرة التي بدورها سترشح رئيس حكومة عراقي جديد، وهنا أبدى مسعود البارزاني انزعاجه من تدخلات ماكغورك قائلاً له: إن مصالح الأكراد ستكون مع الكتلة البرلمانية الشيعية الأكبر.
ثانياً: التدخلات السعودية والإماراتية من أجل منع انتخاب رئيس جديد وتحقيق الاستقرار في العراق، ففي الأسابيع الأخيرة، وخاصة الأيام القليلة الماضية، عمل ثامر الشعبان، السفير السابق في العراق الذي طرد منه بسبب عدم رغبة القادة العراقيين بحضوره، مع السفير الإماراتي حسن أحمد شاه إلى وعد الكتل الشيعية بوعود دسمة من أجل إغرائها بالمال السعودي وعملوا أيضاً على بث التفرقة بين العراقيين أنفسهم وبين العراق والجمهورية الإسلامية في إيران، وقاموا بالضغط على العبادي من أجل عدم التحالف مع المجموعات المقاومة في البرلمان العراقي، وفرضوا عليه التحالف مع إياد علاوي وتحالف سائرون وغيرهم من القوى العراقية الكردية، كما قامت الوسائل الإعلامية السعودية ببث فكرة أن إيران لا تدعم العبادي، وذلك من أجل بث التفرقة بين إيران والعراق.
لكن الحقيقة هي:
1-لا يعتبر عدم تشكيل المجلس النيابي العراقي الذي سيجتمع نهار الاثنين القادم، سابقة جديدة، حيث إنه في عام 2010 تأخّر أيضاً في التشكيل، ما يعني أن تأخّر انتخاب رئيس الجمهورية والحكومة لن يكون بجديد، كما أن الأخبار الأخيرة الآتية من العراق تشير إلى أن ائتلاف الفتح استطاع تشكيل الكتلة النيابية الأكبر بعد التحالف مع الأكراد والسنة حيث أصبحت كتلتهم تضم 203 نواب من أصل 328، ما يعني أنه نهار الاثنين يمكن أن نرى رئيساً للجمهورية.
2-لا تملك إيران وجهة نظر معينة حول اختيار شخص كرئيس للوزراء أو رئيس في العراق، وما تؤكده الجمهورية الإسلامية دائماً هو الوحدة والتلاقي داخل العراق والمعارضة للتدخل الأجنبي في شؤون هذا البلد.
3-على الرغم من الدعاية الأمريكية السعودية المحرضة، فإن الشعب والحكومة في العراق، يرون في العلاقة الاستراتيجية مع إيران أولوية مهمة، كما أنها لا تتأثر بأشخاص معينين، ولن يتطلب الأمر الكثير من الوقت لتكذيب الدعاية الكاذبة لأعداء العلاقة الاستراتيجية بين إيران والعراق.
المصدر / الوقت