التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

هل تتمكن ألمانيا من استعادة أمجادها؟ 

برزت ألمانيا خلال العقود الماضية كقوة سياسية واقتصادية استطاعت تحصين جبهتها الداخلية بدايةً بعد أن كانت منقسمة على ذاتها على خلفية نتائج الحرب العالمية الثانية، ومن ثم تمكّنت من أن تحتل مكانة بارزة بين الدول الأوروبية حتى تحوّلت مع مرور الوقت إلى واحدة من أقوى الدول الصناعية في العالم، فضلاً عن كونها أقوى اقتصاد في أوروبا على الإطلاق وحجر زاويتها، فمن دونها لا معنى للاتحاد الأوروبي، وهذا يدفع كُثراً للتساؤل عن مدى إمكانية احتلال ألمانيا مكانة عالمية أهم على المستوى السياسي والعسكري وصولاً إلى قيادة العالم خلفاً لأمريكا.

أسباب بروز نجم ألمانيا

خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تاركةً فراغاً لا يستهان به في نسيج العلاقات الأوروبية التي بقيت لأكثر من نصف قرن تسير على نحو جيد، ورغم أن ما حصل كان ضربة موجعة للاتحاد الأوروبي إلا أنه أفسح المجال لألمانيا لتتبوأ مكانة أكبر ضمن هذا الاتحاد، وتصبح ميزان بقائه من عدمه، ولم تقصّر برلين في تقديم الدعم للحلفاء والحفاظ على هذا الاتحاد قدر الإمكان، فألمانيا تسعى للحفاظ على أمن القارة وأمنها الخاص، وكذلك استعادة دورها في القضايا الإقليمية والعالمية، ومؤخراً ارتفع مستوى الشعور لدى ألمانيا بضرورة تعزيز قدراتها على جميع الصعد.

السبب الآخر الذي عزّز دور ألمانيا يتمثل في الضغوط التي تمارسها واشنطن بقيادة ترامب على دول أوروبا، هذا الأمر دفع برلين لتحريض بقية الدول للخروج عن الطاعة الأمريكية، بالتأكيد قرار الخروج يتطلب الكثير من الجرأة لأنه يحمل تبعات ليست بالسهلة، ولكن سياسات ترامب تسرّع هذا القرار، وللحدّ من التبعات يبدو أن المانيا ستلجأ إلى الصين وروسيا.

فولفغانغ إشنغر، دبلوماسي ألماني سابق ورئيس مؤتمر ميونيخ الأمني، قال اليوم: “إن الوجود الطويل الأمد لدونالد ترامب في البيت الأبيض قد يدفع ألمانيا إلى حضن روسيا والصين”.

وحث اشنغر السلطات الألمانية على عدم مقاطعة واشنطن من أجل ترامب، ومع ذلك شدد على أن برلين يجب أن تتحمل المزيد من المسؤوليات العالمية، وشدد الدبلوماسي الألماني على أنه من الصعب على الحكومة الألمانية البقاء مع أمريكا والدفاع عنها طالما يحكمها ترامب، وبدلاً من ذلك سيتم تقوية الأصوات المكالبة بعلاقات وثيقة مع دول مثل الصين وروسيا.

إن العلاقة بين أمريكا وأوروبا، والتي كانت وثيقة للغاية خلال العقود الماضية، قد توترت بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض وانسحاب واشنطن من اتفاق باريس بشأن المناخ والاتفاق النووي الإيراني وتهديدها بمغادرة منظمة حلف شمال الأطلسي ومنظمة التجارة العالمية، كل هذا أدّى لحدوث خلل في الشراكة عبر الأطلنطي.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجه انتقادات لاذعة للسياسات الألمانية خلال قمة الناتو الأخيرة في بروكسل، وأكد أنه على برلين أن تساهم أكثر في ميزانية الدفاع لحلف الناتو، وقال أيضاً إننا نوفر الأمن لألمانيا وأوروبا، وواشنطن تدفع الجزء الأكبر من ميزانية حلف الناتو.

وخلال الأسبوع الماضي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضمن حديثه عن السياسة الفرنسية الخارجية: “يجب أن تتخلى أوروبا عن الاعتماد على واشنطن في المجال الأمني وعليها الاعتماد على نفسها”.

أزمات برلين

ألمانيا مثقلة بالأزمات داخلياً وعلى حدودها، ولا يمكنها أن تحلّ محلّ أمريكا كقوة مهيمنة على النظام الليبرالي في الوقت الراهن، فإذا عدنا إلى العام 2015، اتضح لنا أن حجم ميزانية دفاع ألمانيا كان 1 إلى 20 من حجم الميزانية الدفاعية لأمريكا، الأمر الثاني، أن ألمانيا ليست قوة نووية وإمكانياتها العسكرية لم ترتقِ بعد لحجم إمكانيات الدول الكبرى من حيث التجهيزات العسكرية وعدد الجنود وغيرها من الأمور العسكرية.

لدى برلين أيضاً مشكلات تتعلق بأزمة اللاجئين الذين توافدوا بأعداد هائلة بعد الأزمات التي شهدها الشرق الأوسط، وهذا الأمر وبالرغم من أن له نواحٍ إيجابية من ناحية تأمين يد عاملة رخيصة في مجتمع ألماني يعاني من قلة القوة العاملة الشابة ويمكن تصنيفه على أنه شعب هرم، ومع ذلك هناك أصوات تعارض ميركل في استقبال كل هذا الكم من اللاجئين خلال عدد سنوات قليلة وبرأيهم إن هذا الأمر يسبب خللاً ديمغرافياً واجتماعياً داخل الدولة وهناك تخوّف من عدم انخراط هؤلاء مع المجتمع الألماني، لذلك نجد اليوم هجرة معاكسة وتضييقاً أكبر على استقبال لاجئين جدد.

ومن أكبر أزمات برلين العلاقة مع واشنطن، والتي أخذت تأخذ أبعاداً اقتصادية خطيرة في ظل الحرب التجارية التي أعلنها ترامب مع جميع دول العالم تقريباً بما فيهم ألمانيا، لدرجة أن أمريكا بدأت تنعزل اقتصادياً، ومع ذلك فإن ألمانيا ستتضرر من هذا الانعزال الأمريكي، بالرغم من أن أرقام مكتب الإحصاءات الألماني أفادت أن الشركات الألمانية باعت في السنة الماضية منتجات بقيمة 107 مليارات يورو لأمريكا، وهذا يشكّل تقريباً ضعف ما تم استيراده من أمريكا.

ختاماً.. يقول ثورستين بينر، مدير معهد السياسة العامة العالمي في برلين: “أثار صعود نجم ميركل في الحياة السياسية وتسميتها بـ “قائدة العالم الغربي”، سخط عدد من الحكومات في أوروبا، التي شعرت بالاختناق بسبب التأثير الألماني، وعلى الرغم من أن استطلاعاً حديثاً لمؤسسة جالوب، أظهر أن ألمانيا استبدلت أمريكا كقوة مؤثرة كبرى في العالم، ولكنها تبقى غير محبوبة في القارة الأوروبية”.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق