الشعبان الإيراني والعراقي.. خطة أمريكية لضرب أواصر الأخوة الإسلامية والتاريخ والجوار
على مدار الأسابيع والأشهر الماضية، برزت مواضيع في وسائل الإعلام الإيرانية والعراقية، يمكن أن توفر منطلقاً للاختلاف بين البلدين، على سبيل المثال، أدّى الافتقار إلى الإدارة السليمة لاستهلاك وإنتاج الكهرباء في إيران، إلى خفض صادراتها من الكهرباء إلى العراق في ساعات الذروة، الأمر الذي أربك الحكومة العراقية في تزويد مواطنيها بالكهرباء، وتسبب ذلك في أن بعض الشخصيات والجماعات الشعبية في العراق تتهم إيران بالعبث بثمن الكهرباء، ومحاولة الحصول على مطالبها من الحكومة العراقية عن طريق الضغط عليها، وهذا أدّى إلى إطلاق شعارات ضد إيران، بالإضافة إلى الشعارات التي أطلقت خلال المظاهرات في معارضة ما يسمى بالنفوذ الإيراني في العراق، وقد شوهد هذا النهج إلى حد ما في العراق، من خلال معارضة برامج المياه الإيرانية غرب البلاد أيضاً، من ناحية أخرى، أدّت الردود غير العقلانية وغير المهذبة لبعض الخبراء الإيرانيين على موقف رئيس الوزراء العراقي المتعلقة بالتزامه بالعقوبات الأمريكية ضد إيران، والتي انعكست في وسائل الإعلام العراقية إلى بروز مواضيع جديدة لبعض النخب والشعب العراقي للتهجم على إيران.
من جهة أخرى، في إيران أيضاً، هناك اتجاهات تهدف إلى إبعاد الشعب العراقي -وتحديداً الشيعة في العراق- من الشعب الإيراني، فمسألة الخدمات الجنسية في مدينة مشهد المقدسة للزوار العراقيين، والتي أثيرت في وسائل الإعلام الإيرانية خلال الأيام الأخيرة، هي مثال على محاولة تشويه صورة الشعب العراقي لدى الشعب الإيراني، كما تحدّث البعض في إيران عن تصدير الكهرباء إلى العراق مجاناً، وأعربوا عن عدم رضاهم من خلال التركيز على المفاهيم العنصرية. هذا في حين أنه وفقاً للأمين العام للغرفة التجارية الإيرانية العراقية المشتركة، فإن إيران تصدّر الكهرباء إلى الحكومة العراقية بسعر مناسب، وتكسب من هذه الصادرات مليوني دولار يومياً، حتى أن سعر صادرات إيران من الغاز إلى العراق يبلغ عشرة أضعاف سعره داخل إيران، ويبلغ دخلها اليومي 5 ملايين دولار، من ناحية أخرى، حاول البعض في إيران ربط موقف العبادي الملتزم بالعقوبات الأمريكية ضد إيران بالقضايا العرقية، وتحدثوا عن العداء العربي المستمر للفرس!
الحقيقة هي أن تدمير عقلية الشعبين تجاه بعضهما البعض، يمكن أن يؤدي على المدى المتوسط إلى تغيير مواقف الحكومتين تجاه بعضهما البعض، وهذا ما ترغب فيه أمريكا وبعض حلفائها، وبما أنه من وجهة نظر أمريكا، إن إيران لديها اليد العليا في المعادلات الأمنية، وتؤثر عملياً على العراق، لذلك فإن التركيز على الشعب العراقي بات أكثر إلحاحاً. لذا فإنه وفقاً لبعض المحللين الأمريكيين، فإن إحدى الطرق لإبعاد العراق عن إيران، هي التأكيد على هذا الشعور وتقويته لدى الشعب العراقي، وتحويل القومية الإيجابية إلى القومية السلبية، إذ كلما كان الاعتقاد بالهوية الوطنية أمراً إيجابياً في القومية الإيجابية، ويوفر الأساس للحراك الوظيفي والدلالي لتطوير البلاد، كلما تمّ التأكيد في القومية السلبية على عوامل التباعد عن الآخرين.
“كينيث بولاك” مدير البحوث بمركز “سابان” لدراسات الشرق الأوسط، وفي مقال كتبه بعنوان “إيران في العراق” في “مركز المجلس الأطلسي للأبحاث” في كانون الأول/ديسمبر 2017، يعتبر هذه المسألة واحدة من العقبات التي تعترض نفوذ إيران في العراق، وفي إشارة إلى وجود الشيعة العراقيين في غزو صدام حسين لإيران، يقول بولاك: إن أهم عقبة أمام نفوذ إيران في العراق، هي القومية العربية في العراق، والعداء التاريخي للعراقيين تجاه الإيرانيين، حتى بين الشيعة في العراق، فإن هويتهم العربية ومنافستهم العرقية مع الإيرانيين، غالباً ما تسيطر على تضامنهم الديني مع الإيرانيين.
ويقول “ري تكية” الباحث في دراسات غرب آسيا في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بهذا الصدد: على الرغم من أن العراق اليوم يشبه دولةً خاضعةً لإيران، إلا أن هذه مشكلةٌ يودّ معظم القادة العراقيين التخلص منها، لقد كان العراق في الماضي مركزاً للحضارة العربية والسياسة الإقليمية، والقادة الشيعة في العراق يقبلون نصائح إيران وأموالها، بسبب أن المجالس العربية السنية والقوة العظمى الأمريكية قد تخلت عنه فحسب… لا يريد أي من العرب العراقيين الخضوع للفرس الشيعة المتغطرسين، عندما يحرر العراق نفسه من الهيمنة الإيرانية، فقد يجد طريقةً للعودة إلى العالم العربي، ويشكّل مرةً أخرى عقبةً أمام قوة إيران.
بالطبع، لا تركز أمريكا وحلفاؤها على هذا المجال فحسب، بل على مجالات أخرى أيضاً، بما في ذلك العلاقات بين حوزتي النجف وقم العلميتين، على سبيل المثال، قام كبير مستشاري معهد CSAT، “إسكات مودل”، وفي كلمة له أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي في 16 فبراير 2017، بعرض سبعة مقترحات محددة وملموسة لاحتواء إيران، أحدها ضرورة تسليط الضوء على حوزة النجف العلمية أمام حوزة قم.
يبدو أن السلطات والنخب السياسية في إيران والعراق، جنباً إلى جنب مع وسائل الإعلام الرئيسية في البلدين، يجب إلى جانب إدراك الخطط الخارجية لتعكير صفو العلاقات بين البلدين، أن تحاول في مجال العلاقات بين الشعبين، ليس فقط عدم السير وفقاً لهذه الخطط، بل العمل على إبطالها أيضاً، لكن لسوء الحظ، فإن بعض تصريحات النخب في البلدين قد أدّت إلى تفاقم هذه الأجواء، ونقل الخلافات المحتملة من المجالات السياسية إلى المجالات الاجتماعية.
المصدر / الوقت