لماذا يصرّ الغرب على إلغاء الصفقة التركية لشراء الـ “إس-400″؟
إن أحد أهم الموضوعات التي فجّرت التوترات في العلاقات بين تركيا والدول الغربية، هو إصرار “أنقرة” على شراء أنظمة الدفاع الصاروخية “إس-400” وفي أعقاب الانقلاب الفاشل الذي حدث يوم الـ 15 يوليو 2016، بدعمٍ من أمريكا، تبنّى الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” نقطة تحوّل كبيرة في استراتيجيته والتي يمكن اعتبارها استراتيجية للـ “التشاؤم والابتعاد عن الغرب ومحاولة للاقتراب من الشرق” ولقد أعلن الرئيس التركي “أردوغان”، عقب الانقلاب الفاشل، بأن تركيا حتى الآن أخطأت في التعرف على أصدقائها وأعدائها، لكنها تعرف الآن كيف تدير أعمالها السياسية وعلى نفس المنوال، اتخذ “أردوغان” ومسؤولون أمنيون آخرون في تركيا، سياسة جديدة لتحسين علاقات أنقرة مع موسكو، تبلورت في التفاوض من أجل شراء أنظمة الدفاع الصاروخية “إس-400” وبعد حوالي عامين من المفاوضات، أعرب الرئيس التركي في بيانه الأخير الذي صرّح به في الـ 31 أغسطس 2018، قائلاً: “إن تركيا بحاجة إلى أنظمة الدفاع الصاروخية “إس-400″، وإن الاتفاق المرتبط بهذه الصفقة تم بنجاح وسوف نستلم هذه الأنظمة الصاروخية في القريب العاجل”.
وتأتي تصريحات “أردوغان” هذه في الوقت الذي حذرت فيه أمريكا مراراً وتكراراً “أنقرة” من العواقب الوخيمة التي سوف تتحملها الحكومة التركية جراء شرائها مثل هذه الأنظمة الصاروخية المتطورة. لذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في وقتنا الحاضر هنا، هو لماذا يرفض الغرب وعلى رأسهم أمريكا بشدة، قيام تركيا بشراء أنظمة “إس-400” الصاروخية، ومن جهة أخرى، لماذا تصرّ الحكومة التركية على شراء مثل هذه الأنظمة المتطورة، على الرغم من معارضة حلفائها الغربيين؟.
هناك ثلاثة عوامل رئيسية يمكن التطرق إليها فيما يتعلق بأسباب معارضة القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا، لشراء تركيا أنظمة “إس-400” الصاروخية وهي كالتالي:
1. تعزيز القدرات العسكرية والعمق الاقتصادي والاستراتيجي لروسيا في مواجهة الغرب: خلال العقود القليلة الماضية كان القلق ينتاب معظم الدول الغربية، نظراً لتنامي قوة ونفوذ الاتحاد السوفياتي السابق “روسيا الآن” في جميع أنحاء العالم ولطالما اعتبرت تركيا واحدة من أهم الدول الموالية للغرب، والمحور الرئيسي لمواجهة نفوذ روسيا ولقد تمتعت خلال الفترة السابقة بمكانة خاصة ومع ذلك وخلال هذه الحقبة الزمنية، فإن إصرار تركيا على شراء أنظمة “إس-400” الصاروخية، يعني بأن روسيا سوف تحصل على الكثير من الامتيازات الاقتصادية والعسكرية وأن شراء هذه الأنظمة الصاروخية الباهظة الثمن، يمكن أن يقلل من تأثير العقوبات الاقتصادية على موسكو.
2. توجيه ضربة قوية لـ”لناتو”: لقد كانت تركيا عضواً فعّالاً في منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” على مدى العقود القليلة الماضية وكانت هذه المنظمة الدولية تؤمّن احتياجات “أنقرة” العسكرية، ولكن في الوقت الحالي، وبشراء تركيا أنظمة “إس-400” الصاروخية، فإن هذه الصفقة سوف توجه ضربة قوية لمصداقية وأداء هذه المنظمة الأمنية على المستوى الدولي، لذلك، فإن أمريكا والدول الغربية الأخرى تكافح من أجل ثني “أردوغان” عن القيام بهذه الصفقة.
3. توجيه ضربة قوية للاتحاد القائم بين أعضاء منظمة حلف “الناتو”: والسبب الاخر، يتمثّل في أن شراء أنظمة الدفاع الصاروخية “إس-400” من قبل تركيا، يمكن أن يلحق ضرراً شديداً بالاتحاد القائم بين أعضاء منظمة حلف “الناتو” وتوحده وقد تؤدي هذه الصفقة إلى خروج “أنقرة” من منظمة حلف “الناتو”، الأمر الذي قد يخلق انقسامات جديدة بين أعضاء هذه المنظمة الدولية.
من ناحية أخرى، هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء إصرار تركيا على شراء أنظمة الدفاع الصاروخية “إس-400” وهي كالتالي:
1. عدم تسليم أنظمة “باتريوت” وعدم فعاليته بالنسبة لأنظمة “إس-400”: لا شك أن سبب إصرار “أنقرة” على شراء أنظمة “إس-400” الصاروخية، يتعلق بالفشل الأمريكي في تسليم نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت” للجيش التركي وبالإضافة إلى ذلك، أوجه القصور وضعف صواريخ “باتريوت” في إصابة الصواريخ التي اُطلقت نحو “إسرائيل” والسعودية ودولة الإمارات، وهذه هي الأسباب التي دفعت تركيا لشراء أنظمة الدفاع الصاروخية “إس-400” التي أثبتت في كثير من الأحيان مدى قوتها ودقتها.
2. دوافع تركيا للحدّ من اعتمادها العسكري على الغرب: السبب الآخر الذي دفع “أردوغان” على شراء أنظمة الدفاع الصاروخية “إس-400″، يكمن في محاولته لتقليل الاعتماد العسكري والأمني على الغرب، في الواقع، لقد أظهر الانقلاب الذي حدث في الـ 15 يوليو 2016، بالإضافة إلى العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي “ترامب” ضد أنقرة، إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الدول الغربية إطلاقاً وبالتالي، فمن الضروري لتركيا أن تسلك هذا الطريق لتقليل اعتمادها العسكري والأمني على الغرب.
3. تبدل موضوع صفقة شراء أنظمة “إس-400” الصاروخية إلى مسألة كرامة وشرف: أصبحت قضية صفقة أنظمة “إس-400” الصاروخية في وقتنا الحالي، موضوع كرامة وشرف ومرتبطة بالكرامة الوطنية للأتراك، وهنا فإن “أنقرة” ليست مستعدة للتراجع عنها، في الواقع، يريد “أردوغان” من هذا الصفقة أن يُظهر للرئيس الأمريكي “ترامب”، بأنه يستطيع أن يقف ببسالة وحزم أمام ضغوطاته وممارساته الشيطانية.
المصدر / الوقت