حزب الله… عندما يقرّر الشعب
تمكّن “حزب الله” اللبناني خلال ثلاثة عقود من الزمن من أن يرسم لنفسه ولبلاده وللعرب والمسلمين بشكل عام مساحة من العزة والشرف والنضال تجسّدت من خلال قدرته الكبيرة على ردع الاحتلال الإسرائيلي ومنعه من أن يطأ أرض لبنان ويدنس ترابها عبر تنظيم محكم بين أفراده وقادته وفي ظل حاضنة شعبية لم تخذله على مرّ العقود الماضية، وبهذا استطاع أن يكون حاضراً وبقوة في جميع المعادلات التي تخصّ منطقة الشرق الأوسط لدرجة أن أمريكا وعلى أعلى مستويات القيادات العسكرية فيها أصبحت تبحث عن حلول لإنقاذ “إسرائيل” من مصيدة “حزب الله” وقدراته المتعاظمة.
ربما كان دخول “حزب الله” إلى سوريا ومشاركته في الحرب هناك إلى جوار الحكومة السورية “حليفته الاستراتيجية”، كان بشارة خير للإسرائيليين لكونهم كانوا يعتقدون أن النظام السوري ساقط لا محالة، وهذا ما يعني بطبيعة الحال محاصرة الحزب وإطباق الخناق عليه وتحويله إلى ذكريات تروى هنا وهناك، لكن تعاضد محور المقاومة مع بعضه البعض وبدعم روسي لاحق، جعل معادلة الحرب في سوريا تتغير لمصلحة محور المقاومة، وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك خسائر، هذا أمر طبيعي جداً لكون الحرب شرسة وشارك بها دول كبرى دعمت كل من يعمل على إسقاط الحكومة السورية وعندما عجز الأتباع، تدخل الأسياد بشكل مباشر، ولكن أيضاً باءت محاولاتهم بالفشل، وها نحن اليوم أمام جيش سوري قوي ومقاومة أكثر خبرة وتجربة أكسبتها إياها الحرب، مقابل فشل يتلوه فشل للمحور المقابل، والنتيجة بعد كل هذه المعمعة عودة أغلبية الأراضي السورية إلى مكانها الطبيعي ضمن حدود البلاد وانتهاء أدوات الأزمة إلى غير رجعة.
أهمية حزب الله
شكّل حزب الله في الحرب السورية لبنة أساسية في مسار الدفاع عن دولة صديقة ساهمت في دعمه يوماً ما، ولكون المصير مشترك، لم يبخل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن إرسال شباب الحزب للمشاركة في الحرب معتبراً هذه الحرب حربه، وبسبب الفطنة السياسية التي يتمتع بها هذا القائد الوطني جاءت النتيجة كما كان يراها منذ البداية، وها هو اليوم يحصل على أسلحة دقيقة عجز الاحتلال الإسرائيلي عن منعها من الوصول بالرغم من جميع الغارات التي شنّها على سوريا تحت هذه الذريعة.
السيد نصرالله أعلن قبل أيام “لقد انتهى الأمر وتم الأمر وأنجز الأمر، وباتت المقاومة تملك من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة ومن الإمكانيات التسليحية ما إذا فرضت “إسرائيل” على لبنان حرباً فإن “إسرائيل” ستواجه مصيراً وواقعاً لم تتوقعه في يوم من الأيام، هذا هو الواقع”.
المعادلة التي فرضها “حزب الله” في مواجهة الكيان الإسرائيلي لا يمكن تجاهلها، وأكبر دليل على ذلك الاستعدادات التي يعمل عليها كيان الاحتلال ليلاً نهاراً لمواجهة الحزب في أي حرب مقبلة، ولكن مع كل الأموال والتكنولوجيا التي تُقدّم للصهاينة إلا أن الواقع العسكري لم يحسم حتى اللحظة لمصلحة الإسرائيليين وباعترافهم هم، فبعد حرب تموز 2006 طوّرت “إسرائيل” أنظمة دفاعية نشطة كأنظمة القبة الحديدية التي تعترض الصواريخ، لكن القبة الحديدية لا تملك صواريخاً كافية لإسقاط معظم صواريخ حزب الله، يدرك الجيش الإسرائيلي أن القبة الحديدية لا تستطيع حماية كل موقع مدني وعسكري، وبالتالي فإن القبة الحديدية ستدافع فقط عن البنية التحتية الرئيسية، ما يعني أن جزءاً كبيراً من “السكان الإسرائيليين” سيتعرّض للصواريخ. وللتغلب على هذه الثغرة الأمنية، كان “الجيش الإسرائيلي” يتدرّب على تنفيذ آلاف المهمات ضد حزب الله، سعياً منه إلى تدمير الصواريخ قبل أن يتم إطلاقها من لبنان.
وبحسب موقع الكلية الحربية للجيش الأمريكي “يستند الجناح العسكري لحزب الله إلى وحدات مشاة مسلحين بصواريخ مضادة للدبابات ومئات الطائرات من دون طيار، أقوى أسلحتها هي صواريخها، لدى المجموعة ما يصل إلى 150000 صاروخ وقذيفة، أكثر بكثير من أي مجموعة عربية أخرى، تلك الصواريخ والقذائف لها رؤوس حربية مختلفة ويتراوح مداها، وقد يصل عدد قليل منها إلى جميع أنحاء “إسرائيل”، والتي هي حوالي 20 ألف كيلومتر مربع، (أي بحجم نيو جيرسي)، لديهم القدرة على إطلاق أكثر من 1000 صاروخ في اليوم، والوصول إلى أي مكان في “إسرائيل”.
الشعب اللبناني
ما حصل في حرب تموز وحّد اللبنانيين وجعلهم يلتفون على اختلاف أطيافهم حول “حزب الله” فما جرى كان عدواناً على بلادهم وشعبهم، من قبل عدو صهيوني ارتكب عشرات المجازر بحق اللبنانيين لذلك استطاع نصر تموز أن يكون علامة فارقة في تاريخ لبنان، وجاء كالبلسم لشفاء جراح اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم، وهذا ما عزز مكانة الحزب ضمن الدولة اللبنانية من قبل الشعب الذي ينظر إليه على أنه محرر لبلادهم والحكومة التي اعترفت به بشكل رسمي وأعطته الحق في تحرير أو استعادة الأراضي المحتلة.
“إسرائيل” فهمت هذه المعادلة لذلك لم يكن أمامها سوى اللالتفاف على الحزب عبر أمريكا لتمرير صفقة يشارك بها العرب ضد أنفسهم مكرهين أو بإرادتهم فكانت صفقة القرن، إذ شكلت هذه الصفقة بطاقة عبور لرسم علاقات جديدة مع دول مثل السعودية لتصفية القضية الفلسطينية وهذا بالتأكيد يؤثر على “حزب الله” لكونه يعتبر هذه القضية قضيته ويدافع عنها كما يدافع عن تراب لبنان، ولكن وطالما أن الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين هم أصحاب الأرض لن يكون للإسرائيليين مستقبل في هذه البلاد وسيبقون كالعلقة التي سيتم استئصالها مهما طال الزمن.
المصدر / الوقت