إدلب إلى الواجهة من جديد.. إنما للصبر حدود
كانت هناك آمال برّاقة لدى أغلب أطراف النزاع في سوريا أن يتم تسوية موضوع إدلب دون الحاجة لإراقة الدماء وحلّ هذه المعضلة تدريجياً بالتنسيق بين الدول الضامنة لأطراف الصراع في سوريا للوصول إلى أفضل حلّ ممكن للحدّ من خلق أزمة جديدة قدر المستطاع ومن هنا تم الاتفاق الذي عقد بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي في مؤتمر صحفي بمنتجع سوتشي، عقب مباحثات بينهما لإقامة منطقة “منزوعة السلاح”، تفصل بين مناطق الحكومة السورية ومناطق المعارضة في إدلب.
ونصّ الاتفاق على إقامة منطقة منزوعة السلاح، بعمق 15 إلى 20 كم، على خطوط التماس بين القوات السورية وفصائل المعارضة عند أطراف إدلب، وأجزاء من ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي، وذلك بحلول 15 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.
نحن اليوم في الـ 15 من أكتوبر والنتيجة ماذا؟!
أولاً: ما يجري داخل إدلب معقّد جداً لدرجة أن تركيا لا يمكنها ضبط الجماعات المسلحة وفصل الفصائل الإرهابية عن غير الإرهابية، وهذا يشكّل إحراجاً للأتراك أنفسهم أمام روسيا وإيران في أي مفاوضات قادمة، لأنه سيجعل الموقف التركي ضعيفاً نسبياً، وهذا طبيعي لكون المعارضة منقسمة على نفسها من جهة والحكومة السورية استعادت أغلب أراضي البلاد وأصبح لها الكلمة العليا في البلاد، والجيش السوري ينتظر بفارغ الصبر إعادة المحافظة إلى الجسد السوري كما هو حال بقية المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته.
ثانياً: المعارضة السورية ولاسيما الجماعات الإرهابية منها لم تلتزم إطلاقاً ببنود الاتفاق فعلى سبيل المثال، نقلت صحيفة “الوطن” السورية عن مصادر مقرّبة من الفصائل المسلحة في أرياف حلب وإدلب، أن تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي يخفي أسلحته الثقيلة في المنطقة “المنزوعة السلاح” التي أقرّها اتفاق سوتشي.
وذكرت “الوطن” أن “جبهة النصرة” لم تسحب سلاحها الثقيل بالكامل من المنطقة المنزوعة السلاح وفق اتفاق سوتشي، عشية حلول الموعد المحدد لذلك يوم الأربعاء، وأنها رفضت الانسحاب من المنطقة بحلول 20 من الشهر الحالي كحد أقصى، وأوضحت المصادر أنها رصدت عدم سحب “النصرة” لسلاحها الثقيل بالكامل، بحسب ما وعدت به تركيا خلال المفاوضات، ما يعني أنها أخفت دبابات ومدفعية ثقيلة وراجمات صواريخ في المنطقة المنزوعة السلاح التي يفترض الانسحاب منها كآخر مهلة وفق اتفاق سوتشي.
هذا الوضع يقوّض الدور التركي ويجعله “ضعيفاً نسبياً” وهذا الوضع سيرخي بظلاله على مستقبل المحافظة التي تريد الحكومة استعادتها بأقرب فرصة ممكنة.
ثالثاً: الحكومة السورية وكذلك روسيا لن تصبر طويلاً على أردوغان خاصة في حال استمرار الوضع على هذا النحو، نقصد عدم التزام قسم كبير من المعارضة ببنود الاتفاق، فعلى الرغم من الإعلان في وسائل الإعلام أن فيلق الشام والذي يعرف بأنه المجموعة الأقرب لتركيا، قد أخرج أسلحته الثقيلة من المناطق الخالية من الأسلحة لكن الدوائر الرسمية لهذه المجموعة نفت هذه المعلومات، وعليه يمكن القول إنه لا توجد رؤية واضحة فيما يتعلق بتنفيذ هذا الاتفاق في مجال التطورات العسكرية والأمنية في محافظة إدلب.
نحن هنا نتكلم عن الجماعات التي بوسع تركيا التأثير عليها فكيف ببقية الجماعات السلفية التكفيرية أمثال حراس الدين، أنصار التوحيد، أنصار الدين، أنصار الله، تجمع الفرقان، جند القوقاز وغيرها من الجماعات المسماة بالجهادية، الذين رفضوا الاتفاق وبنوده جملة وتفصيلاً، بما في ذلك الانسحاب من خطوط التماس مع قوات الجيش العربي السوري في جسر الشغور إلى الريف الشرقي لإدلب والريف الشمالي والجنوبي الشرقي.
رابعاً: الأمر الآخر هو أن الجماعات المسلحة على اختلاف انتماءاتها تبحث كل منها على حدة عن تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، وهذا جعل الخلاف بين الفصائل يتزايد، ناهيك عن عدم الثقة بهيئة التفاوض والتي كان يوجد لها أنصار في إدلب وحماة وحلب، إلا أن أنصارها بدؤوا يتلمّسون فشلها في إحداث أي تغيير يذكر، لذلك وجدنا هؤلاء يتظاهرون قبل عشرة أيام رافعين شعار “هيئة التفاوض لا تمثلنا”، وتم اتهام هذه الهيئة بأنها تسلّم المناطق للحكومة السورية.
بالمحصلة الانشقاق كبير بين الجماعات المسلحة في إدلب ولا يمكنها أن تجتمع على كلمة واحدة ولا يوجد ضامن فعلي لها، وما تفعله تركيا هو محاولة منها لإطالة زمن استعادة إدلب من قبل الحكومة السورية لاعتبارات سياسية ومصالح خاصة بها، فتركيا التي دخلت الأزمة بكل قوتها تحت ذريعة إزاحة خطر الأكراد عن حدودها، كانت تريد أكثر من ذلك، إلا أن الجيش السوري بمساندة الحلفاء تمكّن من إحباط كل مخططات أردوغان واليوم يخشى الأخير أن يتحالف الأكراد مع الحكومة السورية عندها سيكون كل ما قام به خلال سنوات الأزمة قد ذهب أدراج الرياح.
تركيا اليوم تبدو غير قادرة على إدارة المسلحين في إدلب أو أنها لا تريد ذلك، ولكن لا نعتقد أن إدلب ستبقى على هذا النحو مدة أطول من ذلك لأن الرئيس السوري وجميع المسؤولين السوريين أكدوا أن إدلب ستعود إن كان بالحرب أو بالسلم.
المصدر / الوقت