جهنم خاشقجي وتأثيرها على العلاقات السعودية – الأمريكية
كل الأدلة اليوم تشير إلى تورّط السعودية في مقتل الصحفي البارز جمال خاشقجي الذي اختفى عن الأنظار في الثاني من تشرين الأول وجميع الصحف تؤكد مقتله داخل القنصلية السعودية في اسطنبول ولكن حتى اللحظة لم تنبس السعودية ببنت شفة حول هذا الموضوع، وهذا ما جعل الأمور تتطور أكثر من اللازم وتتجه نحو الضغط على السعودية لكشف ملابسات القضية من قبل جميع الدول ومؤخراً دخلت واشنطن على خط الأزمة موجهةً تهديداتها بعقاب السعودية في حال تأكد تورّطها في مقتل خاشقجي.
هنا تبرز مجموعة من الأسئلة حول مصداقية واشنطن في عقاب السعودية بشكل عملي كونها لم تحرك ساكناً تجاه “حرب اليمن” التي انتهكت فيها السعودية جميع القوانين الدولية ومنها حقوق الإنسان، وهل من المنطق أن تتخلى واشنطن عن الرياض على خلفية مقتل خاشقجي أم إنها تستغل ما يجري كعادتها للحصول على أموال جديدة؟!.
نبدأ من تعليق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حادثة اختفاء الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، وعلى إمكانية وقوف الحكومة السعودية وراء الأمر، قائلاً: “لا أتمنى أن تكون السعودية وراء اختفاء خاشقجي، لكنني لن أقبل بإلغاء صفقات الأسلحة معها”.
في نفس الوقت توعّد ترامب الرياض بـ”عقاب شديد” في حالة ثبت أي دور للنظام السعودي في مقتل خاشقجي.
لكن السعودية هذه المرة لم تصمت عن تهديدات ترامب مثلما صمتت عن تحقيره لها من خلال قوله إن الملك سلمان لن يبقى أسبوعين في الحكم دون حماية واشنطن، لكن هذه المرة خرجت السعودية عن صمتها عبر وزارة الخارجية التي أكدت يوم الأحد 14 تشرين الأول/اكتوبر، رفضها لأي اتهامات أو تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية بحقها، مشددة على أنه في حال اتخذت أي إجراءات ضدها فإنها ستردّ عليها بإجراءات أكبر.
وقالت الخارجية السعودية في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية “واس” إن “السعودية تؤكد رفضها التام لأي تهديدات ومحاولات للنيل منها، سواء عبر التلويح بفرض عقوبات اقتصادية، أم استخدام الضغوط السياسية، أم ترديد الاتهامات الزائفة”.
ليتبع تصريح الوزارة تصريح آخر مثير لأحد مستشاري ابن سلمان الإعلاميين “تركي الدخيل” الذي قال: إذا وقعت عقوبات أمريكية على السعودية، فسوف نكون أمام كارثة اقتصادية تهزّ العالم، فالرياض عاصمة وقوده، والمس بها سيصيب إنتاج النفط قبل أي شيء حيوي آخر، مثل عدم التزام السعودية بإنتاج السبعة ملايين برميل ونصف، وإذا كان سعر 80 دولاراً قد أغضب الرئيس ترامب، فلا يستبعد أحد أن يقفز السعر إلى مئة ومئتي دولار وربما ضعف هذا الرقم، بل ربما تصبح عملة تسعير برميل النفط هي العملة الصينية اليوان بدلاً من الدولار، والنفط هو أهم سلعة تتداول بالدولار اليوم.
الازدواجية في تصريحات ترامب ليست بالغريبة طالما أن الرجل يضع ثروة السعودية نصب أعينه ولا يريد أن يتخلى عن هذه الثروة تحت أي ظرف حتى أنه تحدث عن هذا مراراً وتكراراً، إلا أن الازدواجية الموجودة ضمن حديثه تظهر أن ترامب ليس صاحب القرار الوحيد في العلاقة مع السعودية فهناك الكونغرس وهناك جبهة قوية من المشرعين، وكذلك من الصحافة الأمريكية، التي تدفع بقوة في اتجاه الاتفاق على أقسى عقاب ضد السعودية، في حال ثبت تورط نظامها فيما حدث لخاشقجي “اختفاء أو قتل”.
الجبهة المخالفة للعلاقة مع الرياض
يمكننا الحديث في هذا المضمار عن الصحف ووسائل الإعلام الامريكية التي لا تكف عن توجيه النقد للرئيس الأمريكي وعلاقته بالسعودية، خاصة أن الأخيرة تنتهك حقوق الإنسان داخل بلادها وخارجها وتشن حملات اعتقال وتقمع حريات مواطنيها وتشن حرباً لا رحمة فيها على اليمن وتقتل وتشرد أطفال ونساء هذه الدولة، وعلى رأس هذه الصحف نذكر “واشنطن بوست” “نيويورك تايمز” “وكالة بلومبرغ” وغيرها.
أما على المستوى السياسي نذكر السيناتور(ديان فاينستاين)، التي قالت في بيان لها: “كانت السعودية في يومٍ من الأيام واحدة من أقرب حلفائنا في الشرق الأوسط، وأظن أنَّ الوقت قد حان لإعادة تقييم تلك العلاقة”.
ومن جانبه قال السيناتور بيرني ساندرز، أحد أبرز شخصيات الحزب الديمقراطي في الكونغرس الأمريكي: إن الكشف عن مصير الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ومحاسبة المسؤولين، أهم من أرباح الشركات الدفاعية.
وخلال الأسبوع الفائت أعلن السيناتور الجمهوري لولاية كنتاكي، راند بول عن رغبته في إجراء تصويت حول إنهاء الدعم العسكري للسعودية وحول قطع العلاقات مع الجيش السعودي. ومن جهته، دعا السيناتور الديمقراطي لولاية كونيتيكت، كريس ميرفي، في وقت سابق إلى قطع العلاقات مع السعودية بشكل نهائي.
مصالح مشتركة
لكن وبالرغم من كل المطالبات بقطع العلاقة مع السعودية إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي ترى في السعودية كنزاً لتحقيق مصالحها في المنطقة، فهي تعتمد عليها في تنفيذ استراتيجيتها وتمويل مشاريعها السياسية في الشرق الأوسط وتسهيل هذا عبر استغلال مكانة السعودية بين الدول العربية للدفع قدماً نحو تنفيذ خطط واشنطن ومشاريعها مثل “صفقة القرن” والتطبيع مع إسرائيل ومحاربة إيران وضبط سعر النفط والدعم المادي لأي حملة عسكرية تشنّ في الشرق الأوسط وتزويد طائراتها بالوقود وغيرها من المشاريع الكثيرة، لذلك نعتقد أن العلاقة مع السعودية قد تهتز لكنها لن تنتهي أو تُهدد بهذه السهولة.
المصدر / الوقت