قراءة في العلاقات الإيرانية الكويتية وآفاقها المستقبلية
اتسمت العلاقات الإيرانية الكويتية تاريخياً بالهادئة والودية، ولطالما كانت العلاقة ممتازة بين الجانبين وإن كان قد شابها بعض التشنّجات تحت تأثير المتغيرات الكثيرة في منطقة الخليج الفارسي الحيوية، لكنها لم تتطور في يوم من الأيام إلى حالة القطيعة، حيث يعلم صناع القرار في الكويت كما في إيران، حجم تشابك المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، فضلاً عن المحددات الجغرافية والديموغرافية والاجتماعية بين البلدين.
ثوابت العلاقة الإيرانية الكويتية
تربط بين الشعبين الإيراني والكويتي علاقات تاريخية، إذ إن هناك الكثير من العائلات الكويتية ذات جذور إيرانية والتي يقدر عددها بـ 50 ألفاً، حيث يسهم الكويتيون من ذوي الأصول الإيرانية بشتى مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية للكويت، كما يتوجه سنوياً أكثر من 200 ألف زائر كويتي إلى إيران، حيث يقصد الكثير منهم زيارة مقامات أهل البيت في مشهد وقم، كما تعتبر المراكز الطبية الإيرانية، وخاصة في مدينة شيراز مقصداً مفضلاً للكويتيين للسياحة العلاجية.
ومن الناحية الجغرافية، فالكويت التي تجاور موانئها موانئ إيران على الخليج الفارسي، تقع في المثلث الاستراتيجي الذي يربطها مع إيران والعراق والسعودية، لذلك فهي تعتبر ذات قيمة أساسية لإيران فيما تعتبر إيران بموقفها المتميز وثقلها السياسي، دولة استراتيجية للكويت، وقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين في 2014 حوالي 150 مليون دولار، حيث تستورد الكويت الكثير من المواد الزراعية والإنشائية والغذائية من إيران، كما أن عضوية إيران المؤثرة في أوبك، المنظمة التي تحدد سياسة النفط في العالم، يشكّل أهمية أساسية للكويت التي تعتمد على النفط كمصدر اقتصادي وحيد.
وقّع البلدان خلال العقد الماضي وخاصة بعد فشل الغزو العراقي للكويت، العديد من الاتفاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وقد عملت الكويت بحكم موقعها في دول مجلس التعاون على لعب الوسيط بين إيران وبقية الدول الخليجية من أجل تحقيق الموازنة بين جيرانها حيث إن هذا الدور أسهم في تحقيق مكانة لها على الصعيدين الدولي والإقليمي.
المؤثرات الخارجية
إلا أن هذه العلاقة الودية بين الطرفين تعرضت إلى مدّ وجذر في العديد من المراحل، وقد كانت المتغيرات والضغوطات الخارجية التي تركت تأثيرها على دولة الكويت، العامل الأساسي فيها حيث إن العلاقات بين إيران والكويت بقيت على ما يرام طالما أنها انحصرت بالطرفين، لكن عندما كانت تتدخل أطراف أخرى كانت هذه العلاقات تأخذ منحى تصعيدياً، كالمواقف التصعيدية التي اتخذتها الكويت من إيران، وتخفيض الطاقم الدبلوماسي الإيراني في الكويت، وذلك على خلفية الضغوطات السعودية وهيمنتها على دول مجلس التعاون، ومحاولتها فرض مواقفها ورؤيتها على هذه الدول فيما يتعلق بالقضايا المختلفة سواء في تنافسها الإقليمي مع إيران أم في قضية العدوان على اليمن، وكذلك في قضية حصار دولة قطر.
فالكويت التي تربطها علاقات جيدة مع السعودية، حاولت لعب دور الموازنة بينها وبين بقية الجيران إلا أن السعودية واصلت ضغوطاتها على الكويت بغية التأثير على مواقفها، وقد تعرضت الكويت في الآونة الأخيرة للعديد من الإساءات السعودية على وسائل الإعلام، وشنّت بعض الصحف السعودية هجوماً على الكويت بسبب سياسة الحياد التي تبنّاها الكويت في قضية حصار قطر إذ إن السعودية أبدت عدم رضاها على الوساطة التي تقوم بها الكويت في هذا المجال، وطالبت الكويت بموقف مشارك في الحصار على قطر.
وقد عانت الكويت كثيراً مع السياسات السعودية، إذ تسببت سياسة السعودية بإغراق الأسواق بالنفط وتخفيض أسعاره بهدف إخضاع إيران وروسيا، وإيصال سعر برميل النفط إلى 40 دولاراً، بخسائر كبيرة للاقتصاد الكويتي الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط، حيث تكبّد الشعب الكويتي مئات المليارات من الدولارات نتيجة هذه السياسة التي لم تؤتِ أكلها على أي حال.
إضافة إلى ذلك، تعمل السعودية على دفع الكويت لتوتير علاقتها مع إيران خلافاً لمصالح الكويت الوطنية مع العلم أن السعودية لا تمارس نفس الضغط على حليفها الإماراتي الذي تجمعه مع إيران علاقات اقتصادية كبيرة، ويمثل أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لإيران، وهذا ينم عن استخفاف باستقلال القرار والسيادة الكويتية، حيث إن من حق الكويت أن تنطلق في علاقاتها من مصالحها الوطنية أسوة بغيرها من البلدان.
كما أن الأنباء عن فشل زيارة محمد بن سلمان الأخيرة إلى الكويت، وعودته المبكرة منها خلافاً لبرنامج الزيارة، تدل على أن الرغبات السعودية لم تكن مقبولة من الكويت، خاصة فيما يتعلق بإدارة حقل نفط الوفرة المشترك، والمشاركة في الناتو العربي، ورفع إنتاج النفط لخفض أسعاره وفق تعليمات الرئيس الأمريكي ترامب، حيث يبدو أن الكويت أصحبت ترى في السياسات السعودية المثيرة للأزمات في المنطقة، تحميلاً لها فوق طاقتها.
الآفاق المستقبلية
في ظل الرسائل والتصريحات الودية المتبادلة مؤخراً بين الطرفين، وتأكيد الجانبين على ضرورة تعزيز التعاون في شتى المجالات، يبدو أن العلاقات ستتجه إلى مزيد من التطور في القادم من الأيام، وقد كان آخر الخطوات الودية بين الجانبين اعتماد سفير جديد لإيران في الكويت، وهو دليل على أن الكويت تقوم بمراجعة لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران على ضوء المتغيرات الجديدة، بعد أن كانت قد سحبت سفيرها من طهران في 2016 تماشياً مع الموقف السعودي في ذلك الحين.
وهذا التطور في العلاقات بين البلدين يأتي استكمالاً للجهود المبذولة من قبل الجانبين خلال السنوات القليلة الماضية، حيث رحبت الكويت بالاتفاق النووي، وقام أمير الكويت بزيارة طهران في عام 2014، كأول رئيس خليجي يزور طهران بعد الثورة، ووصف خلال زيارته الإمام الخامنئي مرشد الثورة الاسلامية بأنه “مرشد المنطقة كلها”، كما قام الرئيس روحاني العام الماضي بزيارة الكويت، في تأكيد على أهمية العلاقات بين البلدين.
إن الإبقاء على سياسة الموازنة بين الجيران هو خير ما تقوم به الكويت، خاصة وأن السعودية في ظل اندفاع أميرها الشاب، أبدت ميولها لابتلاع جيرانها في دول مجلس التعاون، إذ بالرغم من العلاقة الوثيقة التي تربط بين الكويت والسعودية، إلا أن هناك اعتقاداً راسخاً لدى المراقبين بأن الكويت ستكون الهدف التالي للسعوديين لو نجحوا في جهودهم الرامية إلى الضغط على قطر، وبذلك فإن تعزيز العلاقة مع إيران سيسهم في كبح جماح اندفاع محمد بن سلمان وسياساته المتهورة تجاه المنطقة، ويحفظ للكويت سيادته واستقلالية قراره.
المصدر / الوقت