الوجود الأمريكي في سوريا والبحث عن استراتيجية جديدة
دخلت القوات الأمريكية الأراضي السورية في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في أواخر العام 2014 تحت غطاء ما يسمى بـ”التحالف الدولي” بحجة القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي وإرساء قواعد الأمن والاستقرار في المنطقة، ما الذي أنجزته واشنطن في سوريا بعد مضي أربع سنوات منذ دخولها الأراضي السورية؟!.
الجيش السوري قضى على حجج واشنطن
ذريعة واشنطن للبقاء في سوريا، القضاء على “داعش” أصبحت من الزمن الماضي ولم يعد أحد يصدق هذه الذريعة حتى أمريكا نفسها، لذلك نجد اليوم سلسلة تغييرات جديدة تقوم بها واشنطن “ترامب” لا تشابه استراتيجية واشنطن “أوباما” من ناحية الشكل لكنها تشاركها المضمون، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يريد الخروج من سوريا بالرغم من جميع ادعاءاته السابقة بأنه سيخرج من سوريا فور القضاء على “داعش” لكن لا يبدو أن هذا الكلام سيجد طريقه للنور إلا عبر الشعب السوري نفسه وحكومته وجيشه الذين يعتبرون دخول القوات الأمريكية إلى سوريا غير شرعي ويجب عليهم الخروج فوراً وكرر هذا الكلام المسؤولون السوريون في أكثر مناسبة.
اليوم واشنطن بعد أن وجدت أن فكرة “الناتو العربي” غير مجدية في ظل الانقسام الموجود بين الدول المشاركة في هذا الناتو وخلافها الذي يتعمّق يوماً بعد يوم، نجدها اليوم تبحث عن حجج جديدة للبقاء شرق الفرات والحصول على حصة من “الكعكة السورية” لذلك وجدناها تكرر الحديث عن إنهاء الوجود الإيراني والبقاء حتى إقامة انتخابات تشريعية تقبل بها جميع الأطراف.
لماذا شرق الفرات؟!
شرق الفرات يشكل ما يقارب ثلث مساحة الأراضي السورية ويعدّ السلة الغذائية والاقتصادية للبلاد، ففي هذه المنطقة يتم استخراج 90% من منتجات النفط والغاز وأكثر من نصف القطن والقمح، وهذا ما لا يريد ترامب الذي يحكم بلاده بعقلية التاجر، التخلي عنه.
يضاف إلى هذه الأطماع الاقتصادية أطماع أخرى استراتيجية وعسكرية تتعلق بالموقع الاستراتيجي لشمال سوريا لكونه يحاذي دولتين ويشترك معهما بحدود مشتركة “العراق وتركيا” وبالتالي يمكن تمكين النفوذ الأمريكي في المنطقة ككل عبر ربط قواعد واشنطن في العراق بقواعد مساندة لها وامتداد لها في سوريا، كما أنّها قد تكون بديلاً لقاعدة أنجرليك على الأراضي التركية القريبة منها بعد سوء العلاقات التركية الأمريكية .
إخراج إيران وإحلال السلام ونشر الديمقراطية
فيما يخص إخراج إيران من سوريا، كررت الحكومة السورية تصريحاتها حول هذا الموضوع في عدة مناسبات وقالت بوضوح إن وجود إيران في سوريا شرعي وبموافقة الحكومة السورية، حتى أن إيران وعبر مسؤوليها صرحت بأنها ستخرج من سوريا في أي وقت طلبت منها الحكومة السورية ذلك، أما روسيا فقالت بأنها غير مسؤولة عن هذا الأمر وأرجعته إلى الحكومة السورية، إذن إن موقف ترامب في هذا المحور ضعيف لكونه لا يحظى بموافقة لا شعبية ولا حكومية على عكس وجود إيران في سوريا.
واشنطن في تصريحاتها تتحدث عن نشر السلام والديمقراطية وتبحث عن إعادة الأمن إلى سوريا، إن كان الأمن الذي تريد أن تعيده واشنطن إلى سوريا يشابه ذلك الأمن الذي أعادته إلى العراق واليمن فعلى الدنيا السلام.
احتمالية بقاء واشنطن في سوريا
لم يعد أحد يقتنع بكلام واشنطن ولا بأكاذيبها فالجميع شاهد بأم عينيه ماذا فعلت واشنطن في العراق وكيف دمرت هذا البلد الحضاري وأعادته عشرات السنوات إلى الوراء، وهي اليوم تحاول فعل نفس الأمر مع سوريا، لكن الوضع مختلف من ناحية الجهة المقابلة لواشنطن في سوريا فهناك روسيا وإيران وتركيا الذين ألغوا على اختلاف مصالحهم وتوافقها نظرية “القطب الواحد”.
يضاف إلى ما تقدم أن الشعوب العربية ولاسيما السورية منها والعراقية لديها عدم تقبّل لأمريكا وجنودها في المنطقة على عكس الكثير من الشعوب، وواشنطن أدركت صحة هذا الكلام في العراق وعلمت أنها عاجزة عن إحداث أي تغيير طالما أن الشعوب لا تتقبل وجودها، حتى أن الأكراد اليوم لديهم “حذر شديد” من واشنطن خاصة بعد أن خذلتهم في سوريا والعراق في عدة مناسبات، وهذا ما يبرر فتحهم لقنوات تواصل جديدة مع دمشق، يضاف إلى هذا، أن المنطقة التي توجد فيها القوات الأمريكية في سوريا من الناحية الاجتماعية تحتكم للعشائرية والقبلية العربية التي تدين بولائها للدولة السورية، وتقف ضد المشاريع الانفصالية والاستعمارية، والحساسية تجاه الوجود الأمريكي مرتفعة جداً.
إذن هناك رفض شعبي ورفض مؤسساتي وبالتالي لا مناص من خروج القوات الأمريكية من سوريا، أصلاً لا يمكنها البقاء، والقادم من الأيام سيكشف للجميع أن أي استراتيجية تبتكرها واشنطن سيكون مصيرها الفشل كما أن (بومبيو) أقرّ خلال شهادة حديثة له بأن أمريكا لا تملك النفوذ اللازم لدفع العملية السياسية السورية إلى الأمام، ويعود ذلك لكون العقبات اليوم أصبحت أعقد من أي وقت مضى، فضلاً عن كون حلفائها يتعرّضون لانكسارات متتالية وتتدمر مشاريعهم التي تحاول أمريكا إعادة إحيائها.
المصدر / الوقت