أهداف ونتائج انسحاب أمريكا من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إحدى الحملات الانتخابية في ولاية نيفادا نيته الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، ومع هذا القرار، يكون ترامب قد تجاهل أكثر من ثلاثة عقود من الجهود المضنية لحظر إنتاج واختبار الصواريخ النووية قصيرة ومتوسطة المدى، ويتخوف العالم بقراره المثير للجدل من خلق موجة جديدة من الأزمات الكبرى على المستوى الدولي، وقال ترامب في حديثه للصحفيين في ولاية نيفادا: “أمريكا تمتثل لهذا الاتفاق، لكن روسيا لا تتبعه، لذا سننهي هذه الصفقة ونخرج منها”، محذراً من أن أمريكا سوف تبدأ ببناء الصواريخ في حال لم توافق روسيا والصين على اتفاق جديد.
قرار ترامب ردّ عليه الروس بشكل حادّ، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن روسيا تدين الأعمال الأمريكية الجديدة التي وصفها بأنها ابتزاز يهدف إلى تحقيق تنازلات من جانب روسيا في مجال الاستقرار الاستراتيجي، وفي تعليقه على الخطط الأمريكية للانسحاب من معاهدة إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، قال ريابكوف: “نعبّر عن قلقنا وإدانتنا للمحاولات الأمريكية الجديدة الهادفة إلى الحصول على تنازلات من روسيا في مجال الأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي عن طريق الابتزاز، وكان الجانب الروسي يقول أكثر من مرة إنه ليس لدى أمريكا أي أسس للقول إن روسيا تنتهك هذه المعاهدة”، وأضاف: “لم تتمكن أمريكا منذ سنوات طويلة من تأكيد اتهاماتها الملفّقة بتقديم تفسيرات واضحة حول أسباب ذلك”، وتابع: “على ما يبدو فإن وجود المعاهدة حول إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى يعرقل النية الأمريكية لتحقيق سيطرتها الكاملة في المجال العسكري”.
وبهذا القرار الأمريكي المفاجئ يمكن إعلان وفاة اتفاق دام 30 عاماً بين أمريكا وروسيا، حيث تم توقيعه في 8 ديسمبر 1987، خلال زيارة ميخائيل جورباتشوف لواشنطن، وتم تنفيذ المعاهدة بالكامل من قبل موسكو في مايو عام 1991، وقبل ذلك الوقت قام الاتحاد السوفيتي بإزالة 1752 صاروخاً مجنحاً وباليستياً في حين قامت أمريكا بإزالة 859 صاروخاً، وتعدّ هذه المعاهدة غير محدودة المدى، ويحق لكلا الطرفين الانسحاب منها بعد تقديم أدلة ثابتة على ضرورة ذلك.
وكانت خطة إلغاء هذا الاتفاق قد أثيرت خلال فترة رئاسة باراك أوباما، إلا أن أمريكا تراجعت عنها وذلك بسبب الضغوط التي مارستها ألمانيا والدول الأوروبية عليها من أجل التراجع، لكن دونالد ترامب، الذي لا يظهر أي احترام للبروتوكولات الدولية وحتى لوجهات نظر حلفائه، اتخذ مسار الخروج من المعاهدة بغض النظر عن الإرادة الدولية، ومن هنا، بات السؤال المطروح اليوم حول الأهداف الحقيقية والآثار المترتبة لخروج ترامب من اتفاقية حظر الأسلحة النووية مع روسيا.
أهداف أمريكية من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؟
ملاحظات ترامب حول معاهدة إزالة الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى سينقلها مستشاره للأمن القومي جون بولتون إلى موسكو، حيث وصل الأخير نهار الأحد الماضي إلى روسيا وذلك لبحث الصورة الجديدة للمعاهدة، ويقول محللون أمريكيون في هذا الشأن إن الإدارة الأمريكية تهدف إلى ثلاثة أمور من هذا القرار، وهي:
أولاً- يمكن أن يكون الهدف الأول والأكثر أهمية للحكومة الأمريكية هو مواجهة توازن التهديد بين أمريكا وروسيا، ونظراً لوجود قواعد عسكرية أمريكية في الجوار وبالقرب من روسيا، فإن رفع حظر إنتاج الصواريخ متوسطة المدى سيعتبر تهديداً جديداً لموسكو، لأنه لا يمكنه في الوقت الراهن استهداف الأراضي الأمريكية بسبب بعدها، في المقابل يمكن لواشنطن بسهولة استهداف التراب الروسي بأكمله، وهذا يعني وجود توازن بين تهديد الأسلحة والأمن لمصلحة أمريكا وبنفس الوقت يكون ضاراً لروسيا.
ثانيا- يمكن ربط الهدف الثاني لترامب والأمريكيين بممارسة ضغوط متزايدة على روسيا لتخفيض اختباراتها الصاروخية والحدّ من إنتاجها للأسلحة الحديثة والمتطورة، في الواقع إن أحد أهم مخاوف حلف الناتو في الوقت الراهن هي التجارب الروسية للصواريخ التي يزيد مداها عن 500 كيلومتر، الأمر الذي ينفيه الروس.
ثالثاً- والهدف الثالث والأخير الذي تهدف إليه واشنطن من خلال خروجها من اتفاقية إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة هو تخفيف الضغط الدولي عن حليفتها السعودية بسبب تورطها في قضية الصحفي السعودي الشهير جمال خاشقجي وتوجيهه نحو موسكو، فبعد اعتراف السعودية نهار السبت الماضي بمقتل خاشقجي في قنصليتها في إسطنبول السبت الماضي، تعرضت السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان (الحليف الأبرز لترامب) لضغط دولي كبير غير مسبوق، وفي ظل الظروف الحالية، يعتزم ترامب توجيه الانتباه إلى روسيا والصين عوضاً عن السعودية وذلك عن طريق افتعال أزمة عالمية جديدة، وهنا يجب التذكير أن ترامب “تاجر” ولا يقدم الخدمات للآخرين بالمجان، وبالتالي على ما يبدو أن ابن سلمان قد دفع المبلغ الذي يريده ترامب ما أدى إلى تقديم هكذا نوع من الخدمة.
عواقب انسحاب أمريكا من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية متوسطة المدى
فيما يتعلق بالعواقب المترتبة على قرار ترامب بسحب أمريكا من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية متوسطة المدى، فإن الخطوة الأولى يمكن أن يكون تأثيرها على فشل نظام الردع النووي لأمريكا، وفي حال أصبح قرار ترامب قطعياً، يمكن القول إن معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية (START-3)، التي من المقرر أن تنتهي في عام 2021، قد اقتربت من نهايتها، أيضاً من المؤكد أن التهديد الأمريكي الجديد ضد روسيا سيقود روسيا إلى الرد بحدة، ويبدو أن موسكو في طريقها إلى ممارسة ضغوط وتهديدات عسكرية جديدة على الدول المجاورة لها، حيث توجد قواعد عسكرية أمريكية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى موجة من عدم الاستقرار العالمي على الصعيد العالمي وبشكل خاص يؤثر على أمن قارة أوروبا، الشيء المؤكد هو أنه إذا تم تنفيذ وعد ترامب، فإن الروس سيتبنون بالتأكيد سياسة عدوانية تجاه الدول الأوروبية وسيطوّرون جهود البلاد لتطوير أسلحة نووية، خاصة الغواصات النووية، بهدف تهديد الأراضي الأمريكية.
ونتيجة لذلك، يمكن أن يزيد هذا من التهديدات العالمية وانعدام الأمن ويزيد من المخاوف الدولية بشأن إمكانية حدوث سباق تسلّح كبير بين القوى التي تقوّض الاستقرار والأمن الدوليين، وعلى سبيل المثال نذكّر بما قاله وزير الخارجية الألماني ” هايكو ماس” إثر إعلان ترامب عن انسحابه من الاتفاقية، حيث قال: “إن الإعلان عن نية أمريكا الانسحاب من معاهدة الصواريخ أمر مزعج للغاية، وهذه المعاهدة مهمة للغاية بالنسبة لأوروبا، ونحن نحاول إبلاغ أمريكا بالنتائج المحتملة لمثل هذا القرار”.
المصدر / الوقت