عن ماذا يبحث ترامب في قضية خاشقجي؟!
منذ اليوم الأول الذي انتشرت فيه أخبار عن مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، وأمريكا تبحث عن طريقة تستطيع من خلالها استغلال الموقف لمصلحتها دون أن تُحدث خللاً كبيراً داخل العائلة الحاكمة في السعودية كي لا تخرج الأمور عن سيطرتها وبالتالي تستطيع إضعاف أصحاب القرار في السعودية دون إبعادهم عن السلطة حتى تحقيق كامل الخطط الجديدة المعدّة مسبقاً للشرق الأوسط عبر السعودية.
سياسياً
يمكن أن نستشف ما تريده واشنطن من الرياض من خلال الكلام الذي صرّح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم أمس في البيت الأبيض، حيث قال ترامب ولأول مرة في تصريح رسمي أن السلطات السعودية ساعدت أمريكا في دعم “اسرائيل”.
وأضاف ترامب: ” إن السعودية حليف عظيم بالنسبة لأمريكا وأحد أكبر المستثمرين، وربما الأكبر في هذه البلاد حيث تستثمر فيها مئات مليارات الدولار ما أتاح خلق آلاف فرص العمل”.
وأكد ترامب أنه “لا مبرر بالنسبة للسعودية لما حدث” لخاشقجي، لكنه اعتبر مع ذلك أن الشرق الأوسط “جزء صعب وخطير جداً من العالم”، وتابع الرئيس الأمريكي “وفي الوقت ذاته كانوا حلفاء جيدين جداً لنا، وساعدونا كثيراً فيما يخص إسرائيل، ومولوا كثيراً من الأشياء”.
يتضح من كلام ترامب أنه لا يريد التخلي عن ولي العهد محمد بن سلمان لكنه يضغط عليه قدر الإمكان لتمرير “صفقة القرن” وتحقيق نصر سياسي على حساب السعودية واستقرارها ومكانتها بيد الدول العربية، ومن اليوم الأول لوصوله إلى السلطة لم يدخر الرئيس الأمريكي جهداً في خدمة “إسرائيل” وتمهيد الطريق لها لإكمال مشاريعها الاستعمارية عبر الضغط على الحلفاء العرب للتطبيع مع “إسرائيل” وإنهاء كل أوجه الصراع مع الصهاينة وكان كل هذا عبر مشروع معدٍّ مسبقاً في البيت الأبيض ولكن هذا الأمر ليس بالجديد فقد تم طرحه سابقاً من قبل رؤساء أمريكا السابقين أمثال كلينتون وبوش وأوباما ولكن لم يتجرأ أحد منهم على تنفيذه، ولهذا أسباب كثيرة يحاول ترامب اليوم أن يذللها لمصلحة الصهاينة، لذلك نجده اليوم يستغل حادثة خاشقجي قدر المستطاع للضغط على السعودية سياسياً ودولياً حتى ترضخ لطلباته.
الضغط الأمريكي وصل إلى حدّ قال فيه اليوم ترامب إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يدير الأمور في السعودية بشكل أكبر في هذه المرحلة، وإن كان من متورط في مقتل خاشقجي فسيكون هو.
لكن ترامب عاد ليبرّئ الملك سلمان في حديثه مع “وول ستريت جورنال” قائلاً إنه مقتنع بأن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لم يكن على علم مسبق بالعملية التي أدّت إلى مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ترامب يلعب على حبال القضية ويطلق تصريحات ذات أبعاد مختلفة تاركاً طريقاً للعودة مهما كانت نتائج التحقيقات، ففي حال ثبت تورّط ابن سلمان في مقتل خاشقجي يقول لقد قلت لكم، وفي حال تمت تبرئته بطريقة ما يقول أنا قلت لكم “أنا أريد أن أصدقهم.. أريد حقاً أن أصدّقهم”.
إذن المهم اليوم بالنسبة لترامب هو الحفاظ على آل سلمان مع إحداث بعض التعديلات وتقليص دور ابن سلمان السياسي مع مراعاة الرأي العام العالمي فيما يخص هذه القضية وعدم الغرق في الدفاع عن آل سعود، لذلك وجدنا ترامب يؤكد في تصريحات للصحفيين أمس الثلاثاء بالبيت الأبيض أنه سيترك للكونغرس تحديد تبعات مقتل خاشقجي على السعودية، بشرط أن يتشاور معه في ذلك.
مالياً
دفع الأمير السعودي محمد بن سلمان الكثير من الأموال على حساب الشعب السعودي وأُجبر على توقيع صفقات بمليارات الدولارات مع الأوروبيين والأمريكيين للتستر على جرائمه في اليمن والداخل السعودي، لكن اليوم مقتل خاشقجي تحوّل إلى فضيحة دولية ساهم في رفع سقفها إلى هذا الحد الجانب التركي الذي يريد أيضاً الاستفادة من هذه القضية لتخفيف الضغط الأمريكي عليه وإبراز نفسه بأنه يعمل وفقاً للقانون الدولي ويحترم هذا القانون ولا يسمح لأحد بأن ينفذ عمليات إجرامية على أرضه دون أن يحاسبه.
بالعودة إلى الاستفزاز الأمريكي نجد أن أمريكا تحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المال لإنعاش الاقتصاد الأمريكي دون الاكتراث بمصير ولي العهد وحتى لا بأس بالنسبة لهم بالتضحية به مع الحفاظ على الملك سلمان في السلطة والضغط عليه لتمرير “صفقة القرن” بعد أن وقف في وجه تمريرها، لذلك التركيز اليوم على الملك وليس نجله لكون ابن سلمان أصبح خارج حسابات واشنطن في حال زادت الشكاوى ضده في العالم ويمكن اعتبار ورقته احترقت بالنسبة لواشنطن، لا مشكلة لهم معه لكن أيضاً لا يريد ترامب إبقاءه في حال شعر بأنه سيؤثر عليه سلباً في الانتخابات النصفية المقبلة، لأن الديمقراطيين سيكون لديهم حجج مقنعة لإسقاط ترامب والفوز بأغلبية الأصوات على حساب الجمهوريين.
إذن قد يصل ترامب إلى طريق مسدود في التعاطي مع السعودية ويخسر مقامرته على ابن سلمان خاصةً أنه أشار إلى هذا الموضوع بأنهم خانوا ثقته وجعلوه يظهر بمظهر سيئ فيما يخص قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لذلك يمكن القول إن قضية خاشقجي لن تكون برداً وسلاماً لا على ابن سلمان ولا على ترامب.
المصدر / الوقت