كيف أطلقت واشنطن رصاصة الرحمة على الأكراد؟!
مع أفول قضية خاشقجي رويداً رويداً من صفحات الإعلام بدأت تعود إلى الواجهة مجدداً قضية أخرى تنطلق من نفس المكان “تركيا” هذه الدولة التي تبحث عن إظهار قدراتها مهما كلف الثمن.
تركيا التي تسعى كما تدّعي للحل السلمي في “إدلب” تتخذ مساراً مخالفاً شرق الفرات، فمنذ أيام وربما أشهر والقوات التركية تشنّ عمليات عسكرية منظّمة في شمال سوريا وتقصف مناطق هناك بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية، اللذين تتهمهما أنقرة “بالإرهاب”، وفي الأمس قال الرئيس الأمريكي رجب طيب أردوغان في كلمة له أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة الثلاثاء 30 أكتوبر “استكملنا خططنا وتحضيراتنا للقضاء على التنظيم الإرهابي شرق الفرات”، موضحاً أن ” تركيا بدأت التدخل ضد جماعات إرهابية في سوريا خلال الأيام الأخيرة”.
طبعاً هذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها الرئيس التركي إلى مثل هذه العمليات ففي 26 أكتوبر أعلن أردوغان أن تركيا تضع شرق الفرات نصب عينيها، وفي شهر مارس/آذار الماضي أشار أيضاً أردوغان إلى عزم القوات التركية السيطرة على المناطق التي تخضع لسيطرة الأكراد وقال أيضاً: ” تركيا بدأت الإعداد لتطهير مناطق عين العرب ورأس العين وتل أبيض في سوريا من المسلحين حتى الحدود مع العراق”، وفي كانون الثاني/ يناير الماضي أعلن أردوغان أن الجيش التركي سيواصل عملية درع الفرات بمنطقتَيْ عفرين ومنبج في الشمال السوري، وأشار إلى أنّ بلاده أطلقت عام 2016 عملية درع الفرات على حدودها مع سوريا للقضاء على ما وصفه “بممرّ الإرهاب”، المتمثل في خطر تنظيم داعش والمقاتلين الكرد، على حدّ تعبيره.
بعد هذا الكلام يمكننا توجيه بعض الأسئلة حول إمكانية تنفيذ أردوغان لتطلعاته الجديدة في الشمال السوري في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تعارض أي عملية عسكرية ضد الأكراد شرق الفرات؟، وكيف سيفسر الأكراد رسائل أردوغان وهل سنكون على موعد مع ردة فعل كردية قوية ونشهد تحالفاً أكبر وأقوى مع العاصمة “دمشق”؟.
مشروع تركيا التدريجي في شمال سوريا
مع بدء الأزمة السورية في مطلع العام 2011 واتجاه الأوضاع هناك نحو المجهول بعد أن دخل على خط هذه الأزمة دول خارجية كثيرة، رأت تركيا أن الفرصة مناسبة لمواجهة الأكراد بعد أن رأت أنهم يتجهون نحو تشكيل حكم ذاتي وجدت فيه خطراً يهدد مصالحها، ومن هنا بدأت بالعمل على إيجاد منطقة عازلة بعمق 50 كيلومتراً داخل الأراضي السورية لتفادي “خطر الأكراد” وحماية أمنها القومي كما ادّعت، وكان الهدف الأساسي لتركيا حينها من المنطقة العازلة منع وحدة حماية الشعب من كسب المزيد من القوة والسيطرة، إذ تعتبر أنقرة أن هذه الوحدة جزء من حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا.
في المرحلة الأولى من عمر الأزمة السورية كان هناك نظرة مشتركة لدى الغرب وتركيا وخاصة أمريكا بأن يستغلوا العامل الكردي في سوريا لتقسيم هذا البلد إلى كانتونات وفق تطلعات واشنطن، ولكن ورغم ذلك لم توافق واشنطن أنقرة في جميع خططها تجاه سوريا وخاصة موضوع الأكراد، حيث أعلنت أمريكا دعمها للأكراد ومدتهم بالسلاح منذ العام 2014 وفي أواخر العام 2015 أصبح الأكراد يشكلون قوة منظمة ومدعومة من واشنطن حملت اسم “قوات سوريا الديمقراطية”، وتمكّنت هذه القوات في العام 2016 من السيطرة على مدينة منبج الاستراتيجية غرب الفرات، وهنا شعرت أنقرة بأن الخطر بدأ يقترب منها بشكل جدي.
في هذه المرحلة كانت العلاقة مع موسكو بدأت تضطرب والصراع بينهما بلغ أوجه بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل القوات التركية في نوفمبر من العام 2015، بعد هذه الحادثة بدأ أردوغان يعدّ العدة لبدء ما أسماه حينها عمليات “درع الفرات” في ديسمبر من العام 2016، هنا استطاعت تركيا من خلال سيطرتها على جرابلس والباب وإبعاد الأكراد عن منبج أن تمنع المناطق الكردية من أن تتصل فيما بينها وتشكل كتلة واحدة.
بعد ذلك ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض لم يكن يتوقع الأكراد أن يتعرّضوا إلى الخيانة من قبل أمريكا التي تركت الأكراد في منطقة ضبابية، فلم يعرفوا إن كانت تدعمهم أم تدعم القضاء عليهم، وهنا استغل أردوغان الفرصة من جديد لاستكمال مشروعه في إيجاد المنطقة العازلة ليبدأ على إثرها عملية “غصن الزيتون” في العام 2018 ليشعر الأكراد حينها بخيانة واشنطن بعد أن تركتهم يواجهون القوات التركية لوحدهم.
حالياً تركيا تعود من جديد لاستغلال الظروف لمصلحتها بعد أن قامت بتحرير القس الأمريكي برونسون كشيش، ليتبع هذا الأمر محادثات سرية بين واشنطن وأنقرة تمثلت بسفر الممثل الخاص لترامب في الشؤون السورية جيمس جفري إلى تركيا في 15 أكتوبر وهذا يمكن اعتباره رسالة غير جيدة للأكراد بناءً على التجربة السابقة التي طعن فيها الأمريكيون الأكراد في الظهر، ومن هنا يمكننا اعتبار أن تهديدات أردوغان خلال الأيام القليلة الماضية لم تأتِ من عدم وعلى ما يبدو ان أحدهم أعطاه الضوء الأخضر من جديد لاستكمال مشروعه، وبالتالي لا نستغرب أن يتعرّض الأكراد لطعنة جديدة في الظهر.
في الختام..على الأكراد التفكير بعقلانية تجاه ما يجري والعمل على حفظ النتائج التي قاتلوا للوصول إليها، لأنه ثبت بالدليل القاطع أنه لا يمكن الاعتماد على أمريكا التي تتصرف بطريقة براغماتية بما يتوافق مع مصالحها، لذلك قد نشهد في الأيام المقبلة زيارة جديدة للأكراد نحو العاصمة دمشق وقد يكون ذلك أفضل الخيارات المتاحة في هذه المرحلة.
المصدر / الوقت