أين “الشرق الأوسط” من معادلة السعودية “أولاً” وأمريكا “أولاً”؟!
الضغوط التي تتعرّض لها السعودية خلال هذه المدّة تضاهي تلك التي تعرّضت لها عقب أحداث “11 أيلول” والتي تبعها إقرار قانون “جاستا” والذي يمكن أن يتم تفعيله بأي لحظة، ولكن جاء حدث جديد أشغل العالم عن تلك الحادثة التي استغلتها واشنطن أيّما استغلال، فالحديث اليوم يجري عن تفاصيل حادثة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، حيث لا تزال تبعات هذه الجريمة تحاصر السعودية من كل حدب وصوب وقد أثّرت على علاقاتها الخارجية بكل تأكيد وكبحت جماح ولي العهد السعودي إلى حدّ بعيد وقد تطيح به في حال لم يتم إنقاذه من هذه الورطة.
السعودية “أولاً”..
حاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بناء امبراطورية جديدة تطول حدود المنطقة وتجعل منه “اسكندراً” جديداً كما يرغب أن يكون، ومضى على هذا الأساس منطلقاً من الداخل السعودي الذي حاول تحريره قدر الإمكان عبر إطلاق وعود كثيرة للشباب ورسم لهم مستقبلاً مبهراً سيحظى به كل من يعيش ضمن حدود السعودية، وتحدّث عن مشاريع اقتصادية بمليارات الدولارات وفرص عمل للجميع ومشاريع غايتها تقليل الاعتماد على النفط والجميع تفاءل بما يجري الحديث عنه في أروقة البلاط الملكي، ومضت الأيام لنجد ابن سلمان يعتقل النشطاء الشباب، ومشاريعه الاقتصادية توقفت إلى أجل غير مسمى ومليارات السعودية ملأت جيوب الأمريكيين بدلاً من جيوب السعوديين، وبدأت فوضى تداعي العلاقات الدبلوماسية مع الغرب لاسيما كندا وألمانيا والنمسا وغيرها من الدول وصولاً إلى خلاف عميق مع نسيج المنطقة العربي وغير العربي، وهكذا استمرت الأوضاع حتى وصلنا إلى الحديث عن جريمة قتل داخل القنصلية السعودية في اسطنبول كان ضحيتها جمال خاشقجي الصحافي الذي كان يوماً ما مقرباً من الملوك والأمراء.
خاشقجي..
لا شك بأن هذه الجريمة كان لها أثر كبير على العلاقات السعودية – التركية التي كانت متدهورة أساساً، لكن هذا الحدث أعاد إليها المنافسة من جديد.
حاولت تركيا استغلال ما يجري قدر المستطاع لتخفيف الضغط الأمريكي عليها خاصة وأن واشنطن لا يمكنها التخلي عن الرياض بهذه السهولة، لذلك بدأت تركيا بتمرير المعلومات عن تفاصيل حادثة خاشقجي “قطرة قطرة” الأمر الذي يبقي تركيز العالم موجهاً صوب السعودية والقضية، فما جرى فرصة ثمينة للأتراك ليعيدوا أنفسهم إلى واجهة قيادة المنطقة التي يتنافسون عليها مع السعوديين، وبهذا يمكن لتركيا أن تجبر السعودية على تقديم تنازلات كانت تبحث عنها أنقرة منذ مدة، وحالياً وصل الضغط التركي على السعودية إلى مرحلة قال فيها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده قد تطلب تحقيقاً دولياً في قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي إذا وصل التعاون مع السعودية إلى طريق مسدود.
أيضاً تم الضغط على السعودية من قبل دول أخرى بشأن حرب اليمن، فما حصل في القنصلية جعل الجميع يلتفت لما ترتكبه السعودية في اليمن من جرائم لا تغتفر، ومؤخراً قدّمت بريطانيا إلى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يطالب طرفي النزاع في اليمن بوقف القتال في ميناء الحديدة غرب البلاد واستئناف مفاوضات السلام، حتى أن واشنطن طالبت السعودية بوقف العنف في اليمن بأسرع وقت ممكن.
بالمحصلة يمكن القول إن ابن سلمان حاول تقليد شعار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية “أمريكا أولاً” عبر العمل على طرح شعار “السعودية أولاً” لكن هذا الشعار أصبح مع سياسته التي فرضها خلال العامين الماضيين لمصلحة أمريكا ويبدو أنه رفع شعار “أمريكا أولاً” وليس “السعودية أولاً” وربما تفاصيل صفقة القرن وكواليسها توضّح ذلك.
أمريكا..
ترامب لا يزال يبحث هو الآخر عن مكاسب في قضية خاشقجي وبنفس الوقت لا يريد أن يخسر ولي العهد محمد بن سلمان لكونه ينفّذ له كل ما يريده في المنطقة ويساعده على مواجهة إيران إلى أقصى حدّ ممكن ويساهم مع بقية أعضاء مجلس التعاون في المُضي قدماً نحو التطبيع مع “إسرائيل” لذلك لم يكن دفاعه عن ابن سلمان مستغرباً، بالرغم من أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قالت قبل أيام بأن ابن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي.
ترامب لا يستطيع تجاهل تقرير الـ”سي آي ايه” لذلك أعلن أنه من “المحتمل جداً” أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان على دراية بعملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكن في نفس الوقت أكد على أنه من “الحماقة” التخلي عن التعاقدات بمليارات الدولارات مع السعودية.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: إن وكالة الاستخبارات المركزية لم تجزم 100% بضلوع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، مؤكداً على المصالح التي تربط بلاده بالسعودية، لكنه ترك للكونغرس اتخاذ إجراءات ضد الرياض.
إذن لقد رمى ترامب الكرة في ملعب الـ”سي آي ايه” فهو يريد أن يمسك العصا من المنتصف في هذه القضية، وفي نفس الوقت يريد أن يحذّر الجميع في أمريكا بأن قطع العلاقات مع السعودية أو توترها سيجرّ السعوديين إلى حضن الصين وروسيا وهذا آخر ما يبحث عنه ترامب، وكذلك الأمر بالنسبة للاقتصاد الأمريكي الذي قد يتزعزع في حال أصاب هذه العلاقة خلل ما من مبدأ “أمريكا أولاً” وليحترق هذا الشرق بما فيه.
المصدر / الوقت