الذكرى السنوية الثالثة لاعدام آية الله الشيخ النمر على يد نظام ال سعود
صادف امس الأربعاء الثاني من كانون الثاني/يناير، الذكرى الثالثة لإعلان السعودية إعدام آية الله الشيخ نمر باقر النمر، وذلك بعد اعتقاله لما يزيد عن 3 سنوات، على خلفية الاحتجاجات التي عمت المنطقة الشرقية في العام 2012 المطالبة بإعطاء المواطنين حقوقهم ورفع الظلم الواقع عليهم من قبل سلطات آل سعود.
** من هو الشيخ نمر باقر النمر؟
هو معارض سعودي، رفع الصوت لمحاربة الفساد في السعودية، والظلم السياسي الواقع على المواطنين هناك.
ولد الشيخ نمر باقر النمر بمنطقة العوامية، وهي إحدى مدن محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية 21 حزيران/يونيو عام 1959، من أسرة خرّجت العديد من رجال الدين.
بعد إكمال دراسته الثانوية غادر الشيخ النمر السعودية إلى طهران لمتابعة العلوم الشرعية، حيث درس الأصول والفقه، ثم انتقل إلى دمشق ليكمل دروسه عند عدد من أهم العلماء في حينها.
وبعد إكمال دراسته الحوزوية انتقل الشيخ النمر إلى التدريس، وخصوصاً في دمشق، كما تولى إدارة حوزة “القائم” في طهران ودمشق لعدة سنوات، ليعود بعدها إلى السعودية ويؤسس هناك لحركة واعية تسعى لرفع الظلم عن المواطنين في المملكة، ما جعله عرضة للمضايقات الأمنية والاعتقالات.
كما حارب الكثير من المعتقدات الدينية المنتشرة في السعودية والتي تكفر المسلمين الشيعة، وخصوصاً الموجودة في الكتب الدراسية، كما قدم الشيخ النمر عريضة “غير مسبوقة” لنائب أمير المنطقة الشرقية في المملكة تجسد المطالب الشعبية، لكن رد السلطات كان دائماً الملاحقة والاستدعاء والاعتقال أحياناً.
وبرغم ضغوط السلطة ومعارضتها أقام الشيخ النمر على مدى أعوام عدة مهرجاناً أطلق عليه اسم “البقيع حدث مغيب”، ذلك بهدف إعادة بناء قبور الأئمة في منطقة البقيع في المدينة المنورة، حيث تمنع الوهابية بناء القبور، وتعتبره من “البدع”.
وحاول الشيخ النمر توعية الناس في بلدة العوامية الواقعة في المنطقة الشرقية في المملكة، كما عمل على رفع مستوى مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، وعمل أيضاً على رفع مستوى الوعي الديني من خلال افتتاح حوزة “القائم” التي تخرج منها العديد من رجال الدين.
** نشاطاته
له العديد من النشاطات والمشاريع التي أثرى بها الساحة المحلية والإقليمية بالذات، وكان لبعضها تأثير ملحوظ سواء على المستوى الديني أو الفكري أو الاجتماعي أو السياسي؛
– صلاة الجماعة: اعتبرها أحد الفرائض الدينية التي من الضروري التركيز على إقامتها في جميع الفرائض وفي جميع المساجد وبالذات صلاة الصبح، كما انه قام بإشراك المرأة في الصلاة بالحضور والتواجد الفاعل، إلى أن أصبح وجودها أمراً واقعاً بعد إن كان مرفوضاً من عدة شرائح دينية واجتماعية.
– سعى جاهداً لتفعيل دور المرأة في المنطقة، واستثمار طاقاتها في المجالين الديني والاجتماعي، وعمل على صقل كفاءتها وإبرازها في الوسط النسائي، ابتداءً من المشاركة والحضور في صلاة الجماعة في المسجد، مروراً بالمشاركة في البرامج الدينية المختلفة، وانتهاءً بالمشاركة في قيادة المجتمع.
– وثق له ما يقارب 1900 محاضرة إسلامية.
– له مشاركات كثيرة في الندوات الدينية والعلمية في المنطقة وخارجها؛ بل وفي الخارج، كذلك له مشاركات عديدة في المؤتمرات القرآنية سواءً حضوراً ومناقشة للمحاضرين أو إلقاءً كما في مؤتمر القرآن الكريم الثاني في مدينة سيهات.
– له أبحاث ومقالات نشرت في مجلة البصائر ونشرات متفرقة في مواقع الإنترنت.
– حمل على عاتقه محاربة العرف الاجتماعي والديني الجاهلي والتقاليد البالية، التي تعيق تقدم الإنسان، وتحمل في سبيل ذلك مقاطعة بعض الفئات الاجتماعية والدينية له، ومحاولة تشويه الصور التي يرسمها عن البديل الأصيل لتلك الأعراف الخاطئة.
– دعا الشهيد القائد إلى تخفيض المهور وتقليل التكاليف الباهظة للزواج، وسعى إلى إقناع البعض فيها باعتماد بدلاً من المهور الغالية مهر الزهراء عليها السلام، وقد تجاوب معه البعض، وبالذات ممن تربوا تحت منبره وتوجيهاته.
– أنشأ حوزة الإمام القائم (عج) الرسالية بالعوامية في عام 2001 فكانت بداية انطلاقتها باسم (المعهد الإسلامي)، وقد حوت في صفوفها الدراسية الرجال والنساء في قسمين منفصلين، ومن ثم تم استحداث أقسام أخرى وهي: قسم الناشئة والقسم القرآني النسائي، بإدارة وتدريس من طلبة الحوزة وخارجها.
– أطلق نداءه المدوي بضرورة إعادة بناء قبب أئمة البقيع التي هدمت عم 1925، بعد أن غابت هذه القضية عن الساحة عقوداً من الزمن.
– نادى الشيخ نمر النمر عام 2004 بإقامة مهرجان بسيط لإحياء هذا الحدث تحت عنوان: (البقيع حدث مغيب) وقد تعرض هذا المهرجان لتدخل أمني من قبل السلطات السعودية، مما أدى إلى منعه.
– عام 2005 نادى الشيخ بإقامة المهرجان تحت مسمى: البقيع الخطوة الأولى لبنائه وقد تعرض أيضاً للمنع من سلطات الأمن.
– ثم تلا ذلك وبإصرار من سماحة الشيخ على إقامة المهرجان وإحياء الذكرى في عام 1427 هـ فنادى بإقامة مهرجان تحت مسمى: (البقيع قبب ومنائر)، وقد تعرض هذا المهرجان أيضاً للمنع، ولكن الجديد هنا هو في أخذه وعداً من أحد المسؤولين بالحكومة بإقامة المهرجان أو مطالبته الشرعية لإقامته، وكان من مطالباته له -أي للمسؤول بالدولة- ووعده له، حتى وإن لم يتجاوز كونه حبراً على ورق: “المطالبة بحقه الشرعي في بناء قبور أئمة البقيع عليهم السلام + حذف عبارات من الكتب الدراسية والإعلام الرسمي التي تتهم بناة القبور -وما يرتبط بها- بالشرك”.
– عام 2007 تم إقامة هذا المهرجان، وقدم الشيخ النمر لنائب أمير المنطقة الشرقية عريضة نموذجية غير مسبوقة تجسد المطالب الشعبية في المملكة.
– في ليلة العاشر من شهر محرم عام 2009، نادى الشيخ بتشكيل جبهة المعارضة الرشيدة، والتي من وظيفتها معارضة الفساد الإجتماعي والظلم السياسي الواقع على المواطنين في السعودية.
** الاعتقالات التي تعرض لها الشيخ نمر النمر
مر سماحته بمضايقات عدة من قبل رجال الأمن بالدولة لمدد متفاوته، يناوب فيها رجال الأمن من مراقبة سكن الشيخ على مدار الساعة، والتعرض له عن طريق الاستدعاءات المتكررة وبدون إذن مكتوب، ولكنه لم يتجاوب معها.
1- في عام 2003 اعتقل سماحته بعد أقامة صلاة الجمعة في (ساحة كربلاء)، واستمرارها لعدة أسابيع، وقد طلبوا منه – بالإضافة إلى ترك إقامة صلاة الجمعة والبرامج المختلفة – إزالة البناء المبني في ساحة كربلاء ليطلق صراحه.
2- في عام 2004 اُستدعي سماحته من قبل السلطات من أجل إلغاء مهرجان البقيع “البقيع، حدث مغيب” وقد طوقوا منزله بسيارات رجال المباحث بمرافقة رجال الأمن، وقد رفض مصاحبتهم مفضلاً أن يأتي بسيارته، وقد قاموا بالضغط على سماحته لكي يلغيه.
3- وفي عام 2005، أُستدعي سماحته أيضاً من أجل إلغاء مهرجان البقيع (البقيع الخطوة الأولى لبنائه)، وقد استمر بقاء الشيخ في المعتقل من الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى الواحدة ظهراً، وقد أخذ منهم وعوداً بأن يعطى حقه في المطالبة بالبناء وغيرها من المطالبات.
4- وفي عام 2006، اعتقل سماحته وهو عائد من البحرين من (مؤتمر القرآن الكريم)، الذي أقامته ممثلية آية الله العظمى السيد محمد تقي الحسيني المدرسي، واقتيد من على جسر الملك فهد إلى المعتقل، ذلك بسبب التقارير الكاذبة، وقد أهين في المعتقل جسدياً ومعنوياً بسبب جملة من المطالبات في إطار حقوق المواطنين منها تدريس المذهب الشيعي في المدارس، وبناء البقيع، والمحاضرات التي يلقيها، وقد استمر اعتقال الشيخ قرابة الأسبوع، وبطول الاعتقال خرجت مظاهرة في مدينة العوامية عجلت بخروج سماحته.
5- وفي عام 2008، استدعي سماحته إلى محافظة القطيف، لما لم يتجاوب معهم رحل إلى إمارة الدمام ومنها إلى المعتقل وأُجبر على أثرها على التوقيع بعدم إلقاء الخطب – وبالذات الجمعة – والدروس، فرفض الشيخ ذلك، مما أدى لسجنه انفرادياً بقرار من وزير الداخلية، أو يتوقف عن إلقاء الخطب حتى مدة مؤقتة لم يحدد مقدارها، فسجن (سجناً على الرأي السياسي) ولم يستمر الاعتقال أكثر من يوماً وليلة.
6- في 08 تموز/يوليو 2012، اعتقلت السلطات السعودية، الشيخ نمر باقر النمر، عند الساعة الرابعة عصراً، حينما كان الشهيد النمر يقود سيارته عائداً من مزرعة عائلته، إذ قامت القوات التابعة للسلطات السعودية بإطلاق 4 رصاصات عليه من مسافة قريبة ما أدى إلى أصابته في فخذه الأيسر، فهشمت عظامه واستقرت في اللحم، مما أدى إلى فقدانه الوعي، وتم سحبه من سيارته وهو مغمى عليه وإركابه بإحدى المصفحات حيث تم نقله إلى البرج الطبي بمدينة الدمام، ثم إلى المستشفى العسكري بالظهران.
بعد مضي أكثر من 8 أشهر على اعتقاله، عقدت أولى جلسات محاكمته في 25 آذار/مارس 2013، واختتمت الجلسات بإصدار حكم الإعدام بتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 2014، واستمرت كل فترة محاكمته مدة 569 يوماً.
– يوم السبت 2 كانون الثاني/يناير عام 2016، أعلنت السلطات السعودية تنفيذها لحكم الإعدام بحق 47 شخصاً من بينهم الشيخ نمر باقر النمر، ومجموعة من المعارضين معه.
بدأت محاكمة الشيخ النمر في اذار/مارس 2013، وعقدت المحكمة 13 جلسة في قضيته، أهمها كانت الجلسة الخامسة بتاريخ 22 نيسان/أبريل 2014، حيث رافع الشيخ نمر النمر عن نفسه، ليس أملاً في العفو أو رجاء في تخفيف العقوبة، بل ليكتب إقراراً ينجز به حدثاً تاريخياً، يليق بدمه، في حدود الساعات القليلة التي مُكّن فيها من القلم والورقة. وكتب هذه المرافعة التي صارت كتاب شهادته ودستورها، ويشير القاضي إلى عدد الساعات التي مُكن فيها من القلم والورقة: “قد مكن من لقاء محاميه وفرّغ لكتابة جوابه ثلاث مرات وزود بقلم وأوراق كانت منها اثنتان في المحكمة وواحدة في السجن والتي كانت في المحكمة كانت الأولى منها أكثر من ثلاث ساعات والثانية قرابة الساعتين”.
وكان المدعي العام قد سجل 32 إقراراً على الشيخ النمر، وصاغها صياغة تخدم أجندته التي تحمل الإدانة المسبقة للشيخ، ويعلق الشيخ على ذلك: لقد لُبِّسَت كثير من الإقرارات بلفظ الشيعة مع أني لم أذكر ذلك اللفظ إلا نادراً، وكثير ما كان اللفظ المجتمع ولكن هيئة التحقيق والادعاء العام قامت بزج لفظ الشيعة وإقحامه لكي تصنع مادة طائفية قابلة للاشتعال، بل لتثير الفتنة الطائفية وتذكيها. وهكذا أُسست كثير من دعاويها على أساس طائفي لإثارة النعرات الطائفية وإذكائها… الغريب في الأمر أن المحقق يسألني عن رأيي وحينما أجيبه عن رأيي وإذا كان رأيي لا يوافق هوى الداخلية، يعتبر رأيي تهمة لا بد من محاكمتي عليه ومعاقبتي.
مع ذلك، فإن هذه الإقرارات في المجمل العام تحمل إدانة للحكم وسلطته وقضائه، وهذه عينه من الإقرارات مختصرة:
“أقر أنا المدعو نمر باقر أمين النمر سعودي الجنسية بموجب الهوية الوطنية رقم (1080470147) وأنا بكامل قواي العقلية المعتبرة شرعاً بما يلي: أقر أن جميع الخطب والبيانات التي صدرت عني كانت بمحض إرادتي وعن قناعة تامة مني وأنني لست نادما على ذلك…أقر بأنني من المهتمين بما حدث في مملكة البحرين من مظاهرات…أقر أن حكومة هذه البلاد لا تمارس دورها الرعوي وإنما تكرس دورها في التسلط على مواطنيها بشكل عام… أقر أنه لا سمع ولا طاعة لمن يسلب حريتي ويسلب أمني… أقر أن الدولة ليست أهم من كرامتي بل أن حياتي أيضاً ليست أهم من كرامتي.. أقر بأنني لن أتجاوب مع أي سؤال لا أرغب الإجابة عليه وأن ذلك نابع من معتقدي الشرعي ومن اعتدادي بنفسي وقناعتي وأن الخيار يعود لي في الإجابة على ما أرغب أن أجيب عليه”.
المصدر / فارس