استمرار الوجود الأمريكي في سوريا.. ذريعة لزعزعة أمن المنطقة
أعلنت الحكومة الأمريكية مؤخراً بأن قواتها ستبقى في سوريا حتى يتم التوصل إلى حل كامل للأزمة في سوريا، معربة بأن المهمة الجديدة التي ستتولاها قواتها العسكرية تتمثل في مواجهة النفوذ المتنامي لإيران في هذا البلد والغريب في الأمر هنا، أن هذا الإعلان جاء بعد فترة وجيزة من إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في شهر مارس الماضي بأن القوات الأمريكية ستعود إلى بلادها عندما ينتهي القتال ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، ووفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”، فلقد تم خلال الأسابيع القليلة الماضية طرد فلول هذا التنظيم الإرهابي من كل الأراضي التي كانت قابعة تحت سيطرته، إلا أن القوات الأمريكية لا تزال قابعة في الكثير من الأراضي السورية.
لقد أثبتت التجارب السابقة بأن الإعلان الذي أطلقه الرئيس “ترامب” والمتمثل بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا عقب القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، ما هو إلا ذريعة لكسب المزيد من الوقت، وأن القوات الأمريكية، مثلها مثل قوات الكيان الصهيوني، لن تتراجع عن مواقعها إلا باستخدام القوة ضدها، إن التناقض الأمريكي حول هذا الملف ليس جديداً، فعقب إعلان الرئيس “دونالد ترامب” قبل عدة أشهر عن قرب خروج قواته من سوريا، أرسل البنتاغون عشرات الجنود إلى شمال سوريا، كما بدأت واشنطن بناء قاعدتين عسكريتين بمحيط مدينة “منبج” التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، يذكر أن الرئيس “ترامب” قال قبل عدة أيام: إن واشنطن لن تسمح لإيران بالاستفادة من الانتصارات التي حققتها على تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، مشدداً على أهمية تصعيد الضغوط عليها سواء في سوريا أم في مناطق أخرى.
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” اليوم: “أن القوات الأمريكية لديها سيطرة إقليمية على حوالي ثلث سوريا، ولربما ستبقى مسيطرة على تلك المناطق لفترة غير محددة من الزمن” ولفتت تلك الصحيفة أيضاً إلى أن مدينة الرقة المدمرة والموحشة أصبحت عاصمة لمن تبقّى من أفراد تنظيم “داعش” الإرهابي ومكاناً آمناً لجذب المقاتلين الأجانب القادمين من جميع أنحاء العالم ولهذا فإن هذه المدينة تعتبر الذريعة الأمريكية الجديدة لاستمرار البقاء في سوريا، يذكر أن البيت الأبيض قام بإرسال الآلاف من الجنود الأمريكيين إلى سوريا للمرة الأولى قبل ثلاث سنوات لمساعدة الأكراد السوريين في قتال تنظيم “داعش” الإرهابي ولقد ركّزت الاستراتيجية العسكرية الأمريكية حتى مع الزيادات المتواصلة في أعداد جنودها من القوات الخاصة والمدربين والمستشارين على تقديم الدعم اللوجستي للقوات الحليفة سواء الكردية أم قوات المعارضة المسلحة بإمدادات عسكرية أم معلومات استخباراتية وقصف مدفعي أم إسناد جوي من طائرات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، وهي ذات الاستراتيجية التي اتبعتها القوات الأمريكية في معارك استعادة المدن في العراق.
وأشارت هذه الصحيفة إلى أن هذا القرار سيسمح للقوات الأمريكية بالاستمرار في السيطرة على منطقة تغطي حوالي ثلث سوريا لفترة غير محددة من الزمن وهنا تجدر الإشارة إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” لم تعلن عن عدد القوات الأمريكية التي سوف تستقر في سوريا، وعلى الرغم من أنه تم الإعلان رسمياً قبل فترة سابقة بأن عدد القوات الأمريكية هو خمسمئة وثلاثة أشخاص، إلا أن مسؤولاً أمريكياً رفيع المستوى أعلن قبل عدة أشهر بأن العدد الفعلي لهذه القوات قد يصل إلى أربعة آلاف فرد وأفادت هذه الصحيفة أيضاً، بأن معظم أفراد القوات الأمريكية هم من أفراد القوات الخاصة الذين يعملون بشكل سري داخل الأراضي السورية ولفتت تلك الصحيفة إلى أنه في بعض الأحيان، تُرى السيارات المتنقلة والقوافل العسكرية لهذه القوات الأمريكية تمرّ من الطرق الصحراوية لكن في المدن الصغيرة والكبيرة يكون من النادر مشاهدة هذه القوات الأمريكية.
الملفت للنظر هنا، هو الجهود التي تبذلها صحيفة “واشنطن بوست” لتبرير احتلال القوات الأمريكية لبعض المناطق في سوريا، حيث أشارت هذه الصحيفة إلى وجود علامات على تجدد تنامي قوة تنظيم “داعش” الإرهابي وزيادة الاستياء بين المجتمعات والأقليات السورية وإلى احتمالية وقوع تظاهرات واحتجاجات في بعض المناطق السورية، وقالت هذه الصحيفة أيضاً بأن أحد الأفراد يدعى “إلهام أحمد” – يزعم أنه أحد كبار المسؤولين الحكوميين- صرّح قائلاً:” “إن وجود القوات الأمريكية في سوريا، يمنع وقوع حرب جديدة في الكثير من المناطق السورية، ولهذا فإنه من الضروري بقاء القوات الأمريكية في سوريا وإذا ما غادرت هذه القوات من سوريا، فلن يكون هناك حلّ للأزمة السورية وأنه من المؤكد أن تظهر كارثة إنسانية في هذا البلد الفقير”.
وهنا يجب طرح بعض الأسئلة: هل عرّضت أمريكا علاقاتها الدبلوماسية مع حليفها الأهم في المنطقة (تركيا) للخطر من أجل الحيلولة دون نشوب احتجاجات ومظاهرات في هذه المناطق السورية؟ وهل الحكومة السورية ليست قادرة على إدارة هذه التوترات؟ تقول حكومة أمريكا بأن العامل الأهم لاستمرار بقائها في سوريا يتمثل في مواجهة نفوذ إيران المتنامي في سوريا؛ ألم يكن هذا النفوذ الإيراني هو العامل الأهم في القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا والعراق؟
في هذه الأيام، يواجه الكيان الصهيوني أزمات سياسية وأمنية كثيرة ولقد نشأت هذه الأزمات قبل حدوث المناوشات الأخيرة بين قوات المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية ولهذا فإنه من المرجح أن تقوم أمريكا بالاستعانة باحتلالها لبعض المناطق السورية لصرف الانتباه عن هذه الأزمات التي يمرّ بها الكيان الصهيوني وذلك من أجل تخفيض حدّة الضغط على “تل أبيب”.
المصدر / الوقت