هل فشل ابن سلمان في تحجيم نفوذ الوهابية؟
أيام مرّت على الجريمة البشعة التي شهدتها المدينة المنورة في السعودية والتي ذهب ضحيتها “طفل” يبلغ من العمر 6 أعوام، بعد أن ذُبح أمام أنظار والداته في حادثة أثارت جدلاً واسعاً.
الجريمة التي ارتكبها سائق سعودي وضح النهار وأمام أعين الجميع وهو بكامل قواه العقلية على عكس ما ادّعت السلطات السعودية، خاصة وأنه يعمل على سيارة أجرة ويقوم بنقل الركاب لمسافات طويلة ويحمل شهادة قيادة وبالتالي إن كان مختلاً عقلياً فعلينا أن نشك بالمؤسسة التي منحته هذه الشهادة وإلا فعلينا أن نقول إن الوهابية تضرب من جديد داخل أسوار السعودية مطلقة رصاصة الرحمة على مشاريع وأحلام ابن سلمان الليبرالية التي لم نرَ منها حتى اللحظة سوى القشور دون تحقيق أي تحوّل جذري في بنية السعودية كما كان يخطط ولي العهد.
الجريمة مروّعة وتمّت على يد وهابي متطرّف هزّ ضمائر السعوديين ووجّه صفعة قاسية لأحلام ابن سلمان، وعلى الرغم من أن الإعلام العالمي لم يتفاعل مع تفاصيل هذه الجريمة كما فعل مع جريمة خاشقجي إلا أن ما حصل سيستخدمه الغرب كعادته عندما يجد اللحظة مناسبة للقيام بذلك.
الوهابية بين المدح والذم
خلال العقود الماضية لم ينفك ملوك السعودية يمتدحون الوهابية ومشايخها وطريقتها ومفاهيمها وكانوا جميعاً بمن فيهم الملك سلمان يمجّدون الشيخ “محمد بن عبد الوهاب” ويتفاخرون بأفكاره التي ترعاها السعودية، والتوعّد بصونها والتبشير بها، فضلاً عن أن المناهج التعليمية، الأكاديمية منها والدينية، تكرّس الطريقة التكفيرية لابن عبد الوهاب كعقيدة تقوم عليها “مملكة التوحيد”.
محمد بن سلمان وعلى الرغم من أنه دافع عن الوهابية عندما كان وليّاً لولي العهد إلا أنه انقلب على نفسه عندما أصبح ولياً للعهد وبدأ بمهاجمة الوهابية ورموزها والتنصّل منها لغاية واحدة فقط “التقرّب من الغرب والوصول إلى الحكم” عبر إيهام الغرب بأنه يقود السعودية نحو التغيير، ويعزو الأمير نشاط السعودية في نشر الطريقة الوهابية في العالم إلى حقبة الحرب الباردة، وقد طلب الغرب آنذاك من الرياض مواجهة الاتحاد السوفياتي والشيوعية بهذه الأفكار.
في الداخل
لم يكن يريد ابن سلمان مواجهة الوهابية بشكل مباشر في الداخل لكونه يعلم مدى تجذرها في بنية المجتمع السعودي ومدى تأثيرها السلبي في حال استفزها كثيراً، ومن هنا بدأ يبحث عن حلّ لعدم إثارة غضب الوهابية في الداخل فلم يجد سوى إلقاء اللوم على جماعة “الإخوان المسلمين” في نشر التطرّف داخل السعودية، وبهذا يحقق ولي العهد ثلاث نقاط، النقطة الأولى: عدم الدخول في حرب مباشرة مع زعماء الوهابية، والثانية: إقناع الغرب بأنه يسير على خطا ليبرالية كما يرغبون ويتمنون، أما الثالثة: مهاجمة “الإخوان المسلمين” لكونهم يتعارضون مع ابن سلمان فكريّاً ومع صديقه ابن زايد ويرتبطون بشكل مباشر مع أعدائه الجدد “تركيا وقطر”، واتضحت مهاجمة ابن سلمان للإخوان عندما قال: إنه “فكر جماعة الإخوان المسلمين” الذي “غزا” المناهج السعودية.
خارجياً
تحمّل دراسة بريطانية السعودية مسؤولية مساهمة محورية في تطرّف بعض المسلمين، فيما تقول الباحثة الألمانية سوزانه شروتر إن التأثير الوهابي في ألمانيا أيضاً يتم تقويته بدولارات النفط.
في ضوء الهجمات الإرهابية التي ما برحت تضرب مناطق مختلفة من العالم، بوتيرة تزداد وحشيتها، لتشمل أيضاً عواصم أوروبا وحواضرها، بدأت التحالفات والاستراتيجيات لمكافحة الإرهاب تبحث عن موارد تغذيته ومصادر تمويل التطرف الذي يشكّل الأرضية التي يترعرع فيها الإرهاب، كما أُثيرت الكثير من التساؤلات حول العلاقة بين البترودولار الخليجي ودعم التطرف، وتتجاوزها إلى تقديم وسائل الدعاية والمعرفة التنظيمية.
وقد ظهر في العقود الثلاثة الأخيرة تطوّر مثير في اتجاه التطرف. ومفهوم كلياً أن هذا التطور حصل بدعم أموال سعودية، وكذلك من خلال استقطاب مفكرين شباب بإعطائهم منحاً سخية للدراسة في جامعات سعودية، وهؤلاء العائدون من الجامعات السعودية مارسوا في جميع تلك الدول فجأة عمل التبشير في خدمة الوهابية.
وكانت بعض المؤسسات الحكومية السعودية مساهمة في ذلك جزئياً، وكان هناك ملحق سعودي في برلين وهو محمد فكيري كانت له اتصالات مع الخلية الإرهابية في هامبورغ التي نفّذت في 2001 الاعتداء على مركز التجارة العالمي في نيويورك.
واتهمت دراسة، أعدتها جمعية مقرها بريطانيا، السعودية بأنها أكبر مروّج للتطرف الإسلامي في بريطانيا، مؤكدة أن السعودية أنفقت 87 مليار دولار لتصدير الوهابية إلى العالم خلال 50 عاماً الماضية.
ووفقاً للدراسة التي أعدّتها “جمعية هنري جاكسون”، التي تركز على حقوق الإنسان والعلاقات الدولية، فإن السعودية “رعت جهوداً تقدّر قيمتها بملايين الدولارات لتصدير الإسلام الوهابي إلى المسلمين حول العالم، بما في ذلك الجاليات المسلمة في الغرب”.
في الختام.. ابن سلمان يريد أن يزيح عن كاهليه نفور الغرب من الوهابية لـ”طمأنة” الغرب والتنصل من الأبوة الشرعية للإرهاب، ولكن ابن سلمان يقول إن “التمويل اليوم يأتي بنسبة كبيرة من مؤسسات خاصة تتخذ السعودية مقرّاً لها، وليس من الحكومة”.
إذن إن قدرته على تحجيم نفوذ الوهابية أمر محدود وربما لا يخرج عن إطار التصريحات الإعلامية، ولاسيما بعد فصله بين التطرف الخارجي الذي يعترف بأنه وهابي، والتطرف الداخلي الذي هو “إخواني”.
المصدر: الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق