صادرات داعش.. تهديد ترامب الجديد ضدّ أوروبا
خلال العامين الماضيين وبعد إعلان داعش احتلال الموصل واعتبارها عاصمة لخلافته المزعومة، بدأ التنظيم الإرهابي يفقد شيئاً فشيئاً الأراضي التي احتلها وسيطر عليها في السابق، وذلك بسبب الوعي الشعبي الذي حصل بفعل فتوى المرجعية الشيعية في العراق بإعلان الجهاد ضد داعش في تموز / يوليو عام 2017، ويضاف إلى ذلك التعاون الكبير بين إيران والعراق وسوريا وروسيا الذي أسهم بشكل أساسي أيضاً في القضاء على داعش في المنطقة.
وفي الأشهر الأخيرة، وبعد الضربات الكبيرة التي تعرّض لها التنظيم من قبل محور المقاومة، تشتت عناصره في الصحراء على طول الحدود العراقية – السورية وخاصة في بعض الجيوب في منطقة البوكمال وبعض الأجزاء الأخرى من محافظة دير الزور. واليوم وبعد الحصار الكبير الذي فرضته قوات سوريا الديمقراطية على الجيوب الداعشية المتبقية، استسلم عناصر التنظيم مع عائلاتهم.
وفي غضون ذلك، أعلنت الحكومة السورية معارضة الاتفاق الأمريكي – الكردي مع العناصر المتبقية من داعش في شرق سوريا، الذي يقضي بمغادرة هؤلاء من الساحل الشرقي لنهر الفرات. وبحسب مصادر سوريّة فإن بحوزة هؤلاء 40 طناً من الذهب وعشرات الملايين من الدولارات خاصة في المنطقة التي يوجد فيها قادة وعناصر داعش والتي قد تم جمعها من جميع المناطق التي احتلها تنظيم داعش في الماضي.
على أي حال، وبعد انتهاء عملية أسر عناصر داعش إن كان عبر الاستسلام أو الاتفاق، غرّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتين منذ يومين على تويتر، طالب فيهما الدول الأوروبية بما فيها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وحلفاءه باستعادة دواعشها الذين يحملون جنسيات أوروبية والذين يبلغ عددهم 800 عنصر وإلا سيتم إطلاق سراحهم! وفي تغريدة أخرى، لفت ترامب إلى أن قوات بلاده ستنسحب من سوريا بعد تحقيق النصر بنسبة مئة في المئة على تنظيم “داعش”. وأضاف ترامب: إن بلاده لا تريد أن تقف وتشاهد مقاتلي التنظيم المعتقلين في سوريا يتغلغلون في أوروبا التي من المتوقع أن يذهبوا إليها إذا أطلق سراحهم.
تجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أنه بالإضافة إلى المقاتلين، فإن هناك عدد كبير من أفراد عائلات داعش يعيشون الآن في الأراضي الخاضعة لسيطرة القوات الديمقراطية السورية، أي النساء والأطفال الذين لم يشاركوا في المعارك وبالتالي فإن أعدادهم ليست محصورة بالـ 800 مقاتل التي أعلن عنها ترامب في تغريداته، والجدير بالذكر أيضاً أن مختلف هؤلاء المقاتلين قد أتوا من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والمغرب والسعودية… الخ.
ردّ فعل أوروبا المخيف
وبعد ساعات من تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للدول الأوروبية بإطلاق سراح الأسرى الأجانب الدواعش الموجودين بحوزة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في حال لم تقم باحتوائهم في بلادها، أظهرت الدول الأوروبية ردة فعل سلبية على تهديدات ترامب، حيث إن مختلف الدول الأوروبية وخاصة التي خصصها ترامب في تغريداته، طالبت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وبعبارات دبلوماسية بقاء المقاتلين الإرهابيين الذين يحملون جوازاتها مع عائلاتهم في سوريا.
وتتمنى الدول الأوروبية، وخاصة بسبب الوضع الأمني الحالي الذي تمرّ فيه حالياً بعد عودة عدد من الإرهابيين من سوريا والعراق وتنفيذهم عدداً من الهجمات الإرهابية في فرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، أن يبقى هؤلاء في سوريا ليتم القضاء عليهم كاملاً لما قد يشكّله هؤلاء من خطر كبير على أمن أوروبا خاصة أن أعدادهم كبيرة جداً، هذا الأمر دفعهم للتقرّب نحو الأسد، وذلك بعد إظهارهم العداء الكبير له طوال السنوات السابقة عبر دعم المسلحين من أجل إسقاطه.
وقال وزير الدولة الفرنسي للداخلية لوران نونيز: “إن هؤلاء الإرهابيين محتجزون لدى الأكراد، ونحن على ثقة تامة في قدرتهم على الإبقاء عليهم رهن الاحتجاز”، وأضاف: “في كل الأحوال إذا عاد هؤلاء إلى التراب الوطني، فجميعهم لديهم إجراءات قضائية جارية، وسيتم إعمال القانون وحبسهم”.
وفي بلجيكا، طالب وزير العدل كين غينس بـ “حل أوروبي”، داعياً إلى “التفكير بهدوء والنظر فيما ينطوي عليه الأمر من مخاطر أمنية “، وأعلن غينس، ووزير الشؤون الخارجية، ديدييه رينديرس، عن السماح رسمياً للأطفال الذين ولدوا في سوريا من أبوين بلجيكيين قاتلا مع “داعش”، بالعودة إلى بلجيكا شرط ألّا تتجاوز أعمارهم الـ 10 سنوات.
ورفضت الدنمارك طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من دول أوروبية استقبال مواطنيها الذين قاتلوا إلى جانب تنظيم “داعش” في سوريا، لمحاكمتهم في أوطانهم. وأعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء الدنماركي، مايكل ينسن، رفض بلاده استقبال الدواعش قائلاً: إن “الحديث يدور عن أخطر أشخاص في العالم، ولذا لا ينبغي لنا أن نستقبلهم”. وأشار ينسن إلى أن قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا الذي أعلن عنه في ديسمبر الماضي، سابق لأوانه لأن الوضع في البلاد لا يزال غير مستقر.
من جهتها قالت وزارة الداخلية الألمانية، اليوم الأحد، إنه لا يمكن لألمانيا استعادة الدواعش المعتقلين في سوريا إلا إذا سُمح لهم بزيارات قنصلية لتقلل بذلك من احتمال تلبية برلين طلب الرئيس الأمريكي من حلفائه الأوروبيين استقبالهم. ونقلت القناة التلفزيونية الألمانية الأولى عن وزير خارجتها أن استعادة هؤلاء أي “الدواعش” غير ممكنة إلا إذا تم زجّهم بالسجون للتحقيق وضمان تقديمهم فوراً إلى المحكمة، وأضاف: إنه من أجل إجراء ذلك نحتاج إلى معلومات حولهم وهي غير متوافرة حالياً.
انتقام ترامب من أوروبا عبر داعش
إن موضوع تهديد ترامب لأوروبا بإطلاق سراح العناصر الإرهابية الذين يحملون الجنسيات الأوروبية يظهر مدى الخلاف الحاصل بين بروكسل وواشنطن حول الكثير من القضايا، وبالتالي إن هذه القضية الجديدة ستسهم في استمرار الخلافات وإدخلها مرحلة أكثر انشقاقاً بين أوروبا وأمريكا في الأيام القادمة. وفي هذا الصدد، يرحب ترامب بانهيار الاتحاد الأوروبي وامتداد الجناح اليميني المتطرف في القارة العجوز، حيث يعتبر موضوع عودة الدواعش إلى أوروبا وسيلة ضغط على اليمين من أجل قلب الطاولة على الاتحاد ما يدفع في المستقبل إلى انهيار اتحاد يشكّل عقبة أمام الأطماع الأمريكية.
المصدر / الوقت