العلاقات السعودية – العراقية والأهداف الخفية للسعودية
شهدت العلاقات السعودية – العراقية خلال العقود الماضية الكثير من التناقضات قبل حكم البعث العراقي وبعده وخلال فترة سيطرته على البلاد.
وبعد القضاء على الحکم البعثي في العراق لم نشهد تحسّناً سريعاً في العلاقات مع السعودية وكأن الأخيرة كانت تراقب ما يجري وكيف ستسير الأمور ولمصلحة من، ولكون أمريكا عجزت خلال عقد ونصف عن إحداث أي فارق إيجابي لنفسها ومحورها، وهنا وجدت السعودية أنها عاجزة أيضا عن التأثير في المشهد العراقي وما أغاظها أكثر التعاون العراقي – الإيراني الذي شهد تحسّناً متصاعداً بعدما ساهمت إيران في القضاء على الجماعات الإرهابية المسلّحة بالتعاون مع الجيش العراقي، وبعد وصول الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة بدأ يحاول إعادة العلاقات مع العراق وبعد أن فشلت بلاده بذلك عبر العسكر والسياسة لم يبقَ سوى البوابة الاقتصادية لكي تدخل من خلالها السعودية إلى العراق.
ضمن إطار الجملة الأخيرة يبدأ رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي الأربعاء، زيارة إلى الرياض على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، بحسب ما أعلنت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”.
الزيارة تهدف إلى توقيع 13 اتفاقية تعاون بين بغداد والرياض في مجالات الاقتصاد والطاقة ومساهمة السعودية في عمليات إعادة إعمار المناطق العراقية المحررة من سيطرة تنظيم داعش.
وقالت الوكالة إن 11 وزيراً وعشرات المسؤولين ورجال الأعمال يرافقون عبد المهدي في الزيارة التي تستمر ليومين، وتحمل “ملفات مهمة لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، والمستجدات في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
وأضافت إن الزيارة تتضمن “التوقيع على العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الاقتصادية والتعليمية والفنية، بجانب اللقاءات الثنائية، وعقد ملتقى اقتصادي ولقاء رجال الأعمال من البلدين”.
كما تعقد على هامش الزيارة “اجتماعات اللجنة السياسية والأمنية والعسكرية، التي يرأسها وزيرا الخارجية، المنبثقة من مجلس التنسيق السعودي العراقي”، لافتة أن الزيارة “نتاج لأعمال المجلس التنسيقي بين السعودية والعراق، الذي تم إنشاؤه بناء على توجيه قيادة البلدين، كإحدى الوسائل الرئيسية للارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجي”.
عبد المهدي أشار قبل الزيارة إلى أن بلاده أمام تحول كبير في علاقاتها مع السعودية، مضيفاً إن “زيارتنا إلى السعودية ستكون ملفاتها مكشوفة أمام الجميع”.
إغراءات بالجملة
أولاً: السعودية تبحث عن حلول يمكنها من خلالها تطويق النفوذ الإيراني في العراق، وبالنسبة للسعودية الثرية فإن “المال” أفضل الحلول للولوج إلى العمق السعودي والتأثير به، وعلى هذا الأساس بدأت السعودية تخطو خطوات فاعلة من خلال تقديم مخصصات للمشاريع الاقتصادية في العراق وصلت إلى مليار دولار لتنفيذ مشاريع في العراق، وزيادة التبادل التجاري والتعاون الاستثماري والاقتصادي بين البلدين وافتتاح ثلاث قنصليات للسعودية في بغداد ومحافظات أخرى والتوقيع على العديد من مذكرات التفاهم التي تعزز التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
ثانياً: في منتصف صيف عام 2017 أعلنت السعودية أنها تعتزم فتح معبر عرعر الحدودي أمام حركة التجارة لأول مرة منذ عام 1990 عندما أُغلق بعد قطع العلاقات بين البلدين بسبب غزو الكويت، وحتى اللحظة لا يزال الأمر معلّقاً ما أثار سخرية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن العرض الأكثر إغراءً والذي يمكن أن تقدّمه السعودية يتعلّق بإعادة تشغيل خط الأنابيب الاستراتيجي الواصل بين منابع النفط في بلاد الرافدين وموانئ ينبع السعودية على البحر الأحمر، والذي أُغلق بقرار من الرياض إبان حرب الخليج الثانية، مقابل الحصول على فرص استثمارية في العراق، وخصوصاً في محافظة البصرة، قد تشمل شق طرق ومشروعات تجارية وزراعية.
ثالثاً: في العام الماضي بدأت الشركات السعودية تفتتح مكاتب لها في بغداد على خلفية مشاركتها، في معرض بغداد الدولي الـ44 الذي نُظّم نهاية تشرين الأول 2017، ومن بين هذه الشركات نذكر “سابك” عملاقة البتروكيماويات السعودية.
وتتجه السعودية اليوم منذ عدة سنوات إلى مدينة البصرة والتي تقع فيها أهم حقول النفط السعودية وتجمعها مع المملكة حدود مشتركة، وهناك أخبار منتشرة بأن سماسرة عراقيين يعملون على شراء أراضٍ لمصلحة السعودية.
بالمحصلة.. فإن أهداف ابن سلمان في العراق واضحة ولكن الأمير الشاب يريد إنجاز طموحاته بأسرع وقت ممكن وهذا الأمر قد لا يتحقق في العراق الخارج من حرب شرسة ويحتاج إلى صبر كبير حتى تتبلور الأمور هناك، وإذا ظنّ ولي العهد السعودي أنه بإمكان السعودية إبعاد الأطراف الأخرى من العراق سيكون مخطئاً لأن أمريكا بكل إمكاناتها ونفوذها جرّبت هذا الأمر ولم تصل إلى نتيجة، لذلك بدأ البعض يحلّل بأن عادل عبد المهدي سيبحث مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز استقرار المنطقة وتقارب السعودية وإيران، وقد فتح ملف التقارب بين السعودية وإيران قبل ذلك ففي منتصف آب الـ2017 قال وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، إن السعودية طلبت من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حينها التدخل للتوسط بين الرياض وطهران بغرض تخفيف التوتر بين البلدين.
إذن السعودية مستعدة لتقديم جميع العروض السخية لكي تدخل حدود العراق وتجد لنفسها موطئ قدم هناك بعد أن فشلت في إدارة جميع الملفات الخارجية في المنطقة، ولكن إن كانت تستطيع تحقيق ما تصبو إليه في العراق فهذا أمر متروك للزمن وللحكومة والشعب العراقي، خاصة وأن تجربة السعودية في العراق لم تكن جيدة خلال الأعوام الماضية وذاكرة العراقيين لا تزال حاضرة فيما يخص هذا الموضوع.
المصدر / الوقت