ماذا انتفضت دير الزور في وجه “قسد”؟
تعيش محافظة دير الزور السورية أجواء متوترة منذ ما يقارب الأسبوع على خلفية خروج مظاهرات حاشدة واحتجاجات من القرى العربية في هذه المحافظة ضد قوات سوريا الديمقراطية، وطالب المحتجون بإيقاف إجبار الشباب على الالتحاق عنوة في صفوف “قسد” والكفّ عن اعتقالهم وتعذيبهم في السجون وإطلاق سراح جميع السجناء وتوفير المحروقات والوقود وعدم تصديرها إلى مناطق ودول أخرى، ورفع المتظاهرون لافتات وصفوا بها وجود “قسد” بأنه احتلال، مطالبين بوقف العمل بالقرارات التعسفية بحق المدنيين، فيما واجه عناصر “قسد” المتظاهرين بالرصاص ما أسفر عن ضحايا وإصابات في صفوفهم.
مصادر كردية ألقت مسؤولية خروج هذه الاحتجاجات على جهات خارجية واتهمتها بتعقيد الأوضاع هناك بعد أن تم القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، وبحسب المصادر فقد حاولت قيادات “قسد” الاجتماع مع ممثلي المظاهرات إلا أنهم رفضوا ذلك واكتفوا بإرسال مطالبهم والتي تندرج تحت البنود التالية:
1- إيقاف الحملة التعسفية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة لـ”قسد” ضد الأبرياء.
2- إطلاق سراح المعتقلين بسبب تقارير كيدية والذين تم إلصاق تهم جاهزة بهم.
3- إخلاء سبيل النساء والأطفال من أبناء المنطقة المحتجزين في المخيمات.
4- معاملة أهالي دير الزور في الحسكة والرقة بصورة حسنة والسماح لهم بالدخول والخروج منها دون كفيل.
5- إلغاء التجنيد الإجباري والاكتفاء بالمتطوعين.
6- إلغاء دور الكوادر الموجودة في المجلس المدني وتفعيل دور رؤساء اللجان ورئيس المجلس المدني.
7- توفير المحروقات والكهرباء.
8- عدم التعرّض للمتظاهرين.
9- إنهاء المشكلات التي نتجت عن القيادة العسكرية مع المدنيين.
توضح هذه المطالب وبشكل جلي بأن “قوات سوريا الديمقراطية” لم تنجح في ضمّ العرب في المناطق الشرقية إلى صفها، علماً أن العرب شرق الفرات ساهموا إلى حد كبير إلى جانب “قسد” في طرد تنظيم “داعش” الإرهابي من الرقة ودير الزور وكذلك الحسكة وتجاوزت نسبتهم الـ60% ولولا وجودهم لما تمكّنت “قسد” من طرد “داعش” وفي حال انسحب هؤلاء من “قسد” لن يكون هناك “قسد” على الإطلاق.
النفط
الجميع يعلم بأن نفط سوريا يتمركز بأغلبيته شرق الفرات أي في مناطق وجود الأكراد، ولكنهم لا يشكلون المكوّن الوحيد للسكان في تلك المناطق، إلا أن الأكراد وبمساعدة أمريكا تمكّنوا من السيطرة على حقول النفط هناك، ولكنهم احتكروا هذا النفط لأنفسهم، والمظاهرات الأخيرة ترتبط بشكل مباشر بموضوع النفط، حيث اندلعت هذه الاحتجاجات بعد أن وردت معلومات تفيد بتهريب قوات سوريا الديمقراطية للنفط إلى كردستان العراق عبر معبر سيمالكا الحدودي.
وشهدت عشرات المناطق في دير الزور احتجاجات واسعة، ومن بينها مناطق البصيرة، ومويلح، والحصين، والمحيميدة، والجنينة، والشنان، والشحيل، وماشخ، الضمان، النملية، طيب الفال، الطيانة والدحلة، بحسب ناشطين، وتمثل هذه المناطق حزاماً استراتيجياً للنفط في قلب أراضٍ تسكنها عشائر عربية إلى الشرق من نهر الفرات.
وما أثار غضب السكان في المناطق الشرقية أن سعر المازوت في المناطق الكردية يختلف كثيراً عن المناطق العربية، فبينما يباع الليتر الواحد في الأولى بما يقارب الـ50 ليرة سوري يباع في المناطق الثانية بأكثر من 180 ليرة.
التجنيد الإجباري والاعتقالات التعسفية
الخلافات الأولى بين “قسد” والعرب تعود إلى العام 2016، بعد اندلاع مواجهات مسلحة بين قوات هذه المليشيا وعناصر “لواء ثوار الرقة”، على خلفية اعتقالات نفّذتها “قسد” بحق عناصر من اللواء، وقد تطورت هذه الخلافات إلى اشتباكات مسلحة بين الطرفين بريف الرقة الشمالي، وتقدّر مصادر مطلعة نسبة العرب المنضمين لـ “قسد” بنحو 65 في المئة، نحو 40 في المئة منهم تم تجنيدهم بشكل قسري (تجنيد إجباري)، بينما انضم نحو 25 في المئة طوعاً، أو تحت ضغوط المعيشة والفقر.
في الوقت الراهن تعاني وحدات الحماية من نقص شديد في عدد المقاتلين الأكراد، وذلك بسبب هجرة عدد كبير منهم إلى الخارج، نتيجة للسياسات القمعية التي تعرضوا لها، ما اضطر الوحدات إلى الاعتماد على عناصر الأكراد الأتراك في البداية، قبل أن يقتل منهم الكثير، وعلى العرب مؤخراً.
أغلبية قتلى المعارك الأخيرة هم من العرب، لكن الماكينة الإعلامية التابعة للوحدات تصورهم على أنهم من المقاتلين الأكراد، وما يساعدهم على ذلك تسمية المقاتلين بأسماء كردية حركية، وبهذا تحوّل المقاتلون العرب إلى وقود في قوات “قسد” نظراً إلى فقرهم وظروفهم المعيشية الصعبة لذلك انضموا إلى “قسد” مقابل راتب شهري يقدر بنحو “150 دولاراً”.
إن الاعتقالات وملاحقة الشباب هي فصل آخر من فصول معاناة العائلات في مناطق دير الزور التي تسيطر عليها مليشيا قسد، فيساق الشباب للتجنيد وأغلبيتهم معيلون لعوائلهم ولديهم أطفال، ويعاملون بتمييز كبير وتفرقة.
وخلال المظاهرات الأخيرة شاهدنا مطالبة السكان بالإفراج عن المعتقلين وإيقاف سياسة التفرقة التي تتبعها قوات “قسد” في شرق الفرات، ورفع متظاهرون غاضبون في بلدة الطيانة لافتة تسأل “سجون قوات سوريا الديمقراطية… العرب 100 في المئة الأكراد صفر في المئة. أين العدل؟”.
في الختام.. المظاهرات الأخيرة تأتي في ظروف صعبة يمرّ بها “الأكراد” في ظل التهديد المستمر من قبل “تركيا” التي تقول أنها ستشنّ حملة واسعة على شرق الفرات من أجل الحفاظ على أمنها القومي وإبعاد الأكراد عن حدودها، لذلك على الأكراد أن يكونوا حذرين في قضية التعاطي مع “العرب” لأنهم يشكلون عماد “قسد” وخروجهم من هذه القوات سيجعل “الأكراد” لقمة سائغة أمام التركي.
المصدر / الوقت