ماذا تعني حكومة نتنياهو “التوراتيّة”؟
يتّجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تشكيل حكومته الخامسة بدعم يميني مشروط.
يدرك رئيس الوزراء الذي يسعى لكسر الرقم القياس المسجل لديفيد بن غوريون في رئاسة الوزراء، أن هذا الدعم اليميني هو حبل النجاة الوحيد الذي يمكن التمسك به، كون التحالف بين “أزرق أبيض” غير وارد، وسيكلّفه الكثير.
لكنّ الحديث عن هذا الائتلاف لم يرق حتى لوزير الحرب السابق، المعروف بنهجه المتطرّف، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، الذي أكّد أنه لن يكون شريكاً في ائتلاف حكومي يحتكم للشريعة الدينية التوراتية، موجهاً انتقادات شديدة إلى أحزاب الحريديم.
وفي حين حذّر ليبرمان من إقدام أحزاب الحريديم على تقديم طلبات بعيدة المدى في مجالات الدين والدولة والمبادرات الأحادية الجانب، التي تهدد بتحويل “إسرائيل” إلى دولة متدينة، أكّد أن لدى حزبه خيار واحد فقط: “ائتلاف يميني، لكن ليس ائتلافاً دينياً متشدداً”.
لا ندري طبيعة المشهد الإسرائيلي المقبل، إذا كان ليبرمان المتطرّف يخشى منه، فماذا من الممكن أن يفعل هؤلاء، نتنياهو اليوم مضطر للموافقة على مطالب الأحزاب اليمينية وشروطها للانضمام للائتلاف الحكومي، مقابل موافقتها على تمرير قانون منح الحصانة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يمنع التحقيق مع رئيس الوزراء أو حبسه خلال ولايته، وهذه مسألة في غاية الأهمّية بالنسبة لنتنياهو الملاحق بعدة قضايا فساد، ولكن رغم ذلك لا نعتقد بأن نتنياهو سيوافق على جميع الشروط التي يضعها أحزاب الحريديم، ولاسيّما أنّه يدرك جيداً أن الدولة المتديّنة ستمنعه من تشكيل الحكومة السادسة، كون أغلب الشارع الإسرائيلي اليوم، بعيد عن الواقع التوراتي.
إنّ الحديث عن ائتلاف يميني قريب من الدولة التوراتيّة يحمل جملة من التبعات على الصعيدين الداخلي والخارجي، نذكر منها:
أولاً: فيما يتعلّق بالشق الخارجي، سنكون أمام حروب إسرائيلية ومجازر تعيدنا إلى أيام الإرهابي شارون، لاسيّما أن النصوص التوراتية تغذي الصهيونية بمبررات العنف والقسوة والوحشية.
في العقيدة التوراتيّة، الحروب مع أصحاب الأرض الفلسطينية والعربية مقدسة حتى ولو كانت عدواناً! أي إنه من غير المستبعد أن تتكرّر “مذبحة قانا ومن قبلها دير ياسين هما امتداد لمذبحة أريحا علي يد يشوع بن نون – بطل التوراة حسب قول بن غوريون”، كما يرى الكاتب رشاد الشامي في كتابه (الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية)
ثانياً: سنكون أمام قرارات إسرائيلية عدوانيّة تجاه الفلسطينيين، سواءً في الضفة الغربية أم في أراضي العام 1948، فقد اعتبرت قناة “كان” العبرية، أن اتفاق تشكيل ائتلاف يميني حكومي جديد بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سيستند إلى توافق على ضم أجزاء من الضفة الغربية لـ “إسرائيل”، فقد بدأت طواقم مفاوضات حزبي “اتحاد أحزاب اليمين” و”الليكود”، بالعمل على صياغة بند في الاتفاق الائتلافي المنشود يشمل ضم أجزاء من الضفة الغربية. الأمر لن يقتصر على الضفّة فحسب، بل سيطول عرب الـ48، ربّما سيمنعون من حقّ التملّك في أرض التوراة، ربّما يطالبون بالجزية وما هو أبعد من ذلك أيضاً.
ثالثاً: داخلياً، سيرتفع مستوى الانقسام الداخلي، ولاسيّما أن أغلب الإسرائيليين غير ملتزمين، حيث يكن مستوطنو الكيان الإسرائيلي الكراهية ” للسود” أكثر من أي مكان آخر، والحديث هنا ليس عن لون البشرة الأسود بل عن الذين يرتدون السروال الأسود والقبعة السوداء والمعطف الأسود، بل إن الكثير من المستوطنين قد قال إنّه يفضّل حزب الله وحماس على الحريديم الذين يسمونهم بالأرانب. توضح الكاتبة الصهيونيّة “ياعيل دايان” (ابنة وزير الدفاع الأسبق موشيه دايان) في كتاب “وجه المرآة” الذي يتطرّق للفساد الأخلاقي في المجتمع الإسرائيلي مشيرةً إلى أن التجمع الاستيطاني غارق في الفساد والانحطاط حتى أذنيه، كما أن أطفال المستعمرات وهم الأطفال اللقطاء الذين يترعرعون في بيوت خاصة على نفقة الحكومة بعد أن تخلى آباؤهم وأمهاتهم عنهم.
ليس ذلك فحسب بل تضيف: “الفتاة الإسرائيلية تستطيع أن تعيش مع أربعة وأن تعاشر عشرين، ولا يجوز أن يتشاجر اثنان من أجلها.. نحن نعيش اشتراكية كاملة مطلقة”.
رابعاً: داخلياً أيضاً، ستعزز الحوافز التي سيحصل عليها الحريديم، وسيبقون خارج التجنيد الإجباري، الأمر الذي سيعزّز عمليات العنف والكراهيّة.
لا نستبعد حصول عمليات اغتيال وتصفية لهؤلاء الحريديم من قبل الإسرائيليين أنفسهم، ولكن لا نستبعد في الوقت عينه أن يتّهم الفلسطينيون بمثل هذه الأمور، بل يدفعون ثمنها أيضاً.
يدّعي الحاخام اليهودي يتسحاق شبيرا، في كتاب “توراة الملك”، أن مفهوم “قتل الأغيار في الحرب” يفيد، حسب الشريعة اليهودية، “أنه لا ينبغي قتل المقاتلين الذين يشاركون في الحرب ضد إسرائيل وحدهم، بل يجب قتل أي مواطن، في المنطقة أو الدولة المعادية، يشجع المقاتلين أو يعبّر عن رضاه عن أعمالهم، أما أولئك المواطنون في الدولة أو المنطقة المعادية، الذين لا يشجعون دولتهم في أعمال الحرب بأي شكل من الأشكال فيسمح بقتلهم”.
لقد أعلن الكيان الإسرائيلي أنّه دولة علمانيّة في أيام التأسيس، لكن الأمور تسير على العكس من ذلك، لقد تمّ إقرار قانون القوميّة مؤخراً، ولا نستبعد أن تسعى الأحزاب الحريدية إلى دينية الدولة، وجعلها دولة توراتيّة بامتياز، فهل سيمسك نتنياهو العصا من الوسط؟ أعتقد أن الأحزاب الحريدية ستقع في فخّ نتنياهو، تماماً كما حصل مع ليبرمان الذي أنقذه تشكيل الحكومة الرابعة، لكنه تركها في منتصف الطريق.
المصدر / الوقت