التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

السعودية تحاول أن تحمي نفسها في الدقيقة “90” 

تتحرّك السعودية بكل إمكانياتها الدبلوماسية لإعادة المركزية لنفسها بين الدول العربية والإسلامية، بعد أن بدأت أغلبية هذه الدول تخرج من تحت عباءة الرياض السياسية إلا التي تحصل منها على أموال بشكل مباشر، وعلى هذا الأساس سارعت السعودية لعقد ثلاثة قمم وحّدتها “مكة” وفرقتها “الرؤى السياسية”، لتختتم آخر هذه القمم أعمالها صباح اليوم في محاولة فاشلة لتحشيد الرأي العام العربي والإسلامي ضد إيران.

وخلال اجتماعات القمة الـ14 لمنظّمة “التعاون الإسلامي” التي عُقدت في مكة، لم تأتِ أي دولة على ذكر إيران بشكل مباشر، وهو ما يؤكد أن لا أحد يريد الحرب ولا يبحث عن اختلاق الأزمات باستثناء السعودية، التي حاولت في القمم الثلاث حشد الجميع ضد إيران لكنها وجدت نفسها أمام طريق مسدود، حيث لم يساندها بذلك الأشقاء العرب والمسلمون، وعاد الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الرياض بخفي حُنين، إذ لم يحقق ما كان يرجوه من هذه القمم الثلاث على أمل أن يسعفوه صقور الإدارة الأمريكية مرة أخرى.

اختلاف الرؤى السياسية

حقيقة أثبتت الرياض أن ثقلها السياسي لم يعد كما كان، وأصبح هذا الأمر واضحاً بعد الأزمة الخليجية التي شهدناها قبل عامين من الآن، حيث لم تستسلم قطر لرغبات السعودية، وطلباتها على الرغم من العلاقات الوثيقة بينهما، وعلى الرغم من أن الدوحة كانت تتبع الرياض بأي قرار سياسي، إلا أن نجاح قطر بتجاوز أزمتها دفع بقية الدول التي لا تجد في سياسة الرياض تقاطعاً مع سياستها إلى أن تدافع عن موقفها بكل وضوح دون خوف أو قلق، كما تفعل الكويت وسلطنة عمان وغيرها من الدول التي تتبنى منطقاً حيادياً تجاه أزمات المنطقة وتسعى لإصلاح ذات البين وتفتح ذراعيها لأي حوار يوحّد الصفوف ولا يفرّقها على عكس ما تتمنى الرياض والإدارة الأمريكية التي أصبحت هي الأخرى متذبذبة في قراراتها بعد أن فشلت في إرضاخ إيران عبر الاقتصاد، وتعلم أن المغامرة مع إيران عبر العسكر ستكلّف المنطقة برمّتها خسائر لا يمكن إحصاؤها.

أولى الاعتراضات على البيان الختامي لقمة مكّة الـ14 لمنظّمة “التعاون الإسلامي”، جاءت عبر دولة العراق التي لا تريد أن تأجّج الصراع في الشرق الأوسط وتبحث عن حلول سياسية تجمع ولا تفرق، وقد بدأت بهذا الحراك الدبلوماسي بالفعل من خلال زيارات متبادلة مع إيران، وخلال إلقاء البيان الختامي للقمة قال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط: “في حين أن العراق يعيد تأكيد استنكاره لأي عمل من شأنه استهداف أمن السعودية وأمن أشقائنا في الخليج”، يسجّل “اعتراضه على البيان الختامي في صياغته الحالية”، وكان الرئيس العراقي برهم صالح، قد حذّر خلال القمة من اندلاع حرب شاملة في المنطقة في ظل استمرار الأزمة مع إيران.

كذلك، أكدت سوريا رفضها ما ورد في البيان، معتبرة أن البيان يمثّل بعينه تدخلاً غير مقبول في شؤونها الداخلية، وقال مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين: إن “الجمهورية العربية السورية تؤكد أن الوجود الإيراني في سوريا مشروع لأنه جاء بطلب من الحكومة السورية، وساهم بدعم جهود سوريا في مكافحة الإرهاب المدعوم من قبل بعض المجتمعين في هذه القمة”.

وأكد المصدر أنه “كان حرياً بهذه القمة إدانة تدخلات الدول الأخرى في الشأن السوري التي تفتقر إلى الشرعية والمشروعية، وكانت ولا تزال تهدف إلى تقديم الدعم اللامحدود بمختلف أشكاله إلى المجموعات الإرهابية وإطالة أمد الأزمة في سوريا”.

الدول العربية والخليجية والإسلامية الأخرى، لم تدعم السعودية في خيار الحرب ضد إيران، بل تناغمت بشكل أو بآخر مع دعوة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح إلى “التمسّك بخيار الحوار لاحتواء الموقف وتجنيب منطقتنا ويلات حروب عانينا منها طويلاً”.

خصوصية “مكة”

حشد كل هذا الكم من الزعماء والرؤساء في مدينة “مكة” يحمل في طياته رسائل قوية كانت الرياض تريد إيصالها من خلال مدينة تحمل طابعاً خاصاً لجميع المسلمين في العالم، ومن هناك تريد أن تقول إن إيران تثير القلاقل في المنطقة، إلا أن الدول الحاضرة لم تشارك الرياض طموحاتها في مواجهة إيران، لأن أغلبية الدول المشاركة لديها علاقات جيدة مع طهران، ولا يمكنها معاداتها أو الوقوف في وجهها لمصلحة الرياض، والعراق مثال حي على ذلك.

مكة تحمل رمزية دينية خاصة لجميع المسلمين، والرياض أرادت استغلال هذا المكان ومكانته لدى المسلمين لتأجج الصراع ضد دولة مسلمة أخرى، ولكن وعي بقية الدول وقف سدّاً منيعاً في وجه طموحات السعودية الرامية إلى خلق المزيد من التفرقة في المنطقة.

لا نعلم لماذا تركّز مثل هذه القمم على دولة مثل إيران ساهمت في الدفاع عن العراق وسوريا وفلسطين ولبنان ودفعت الكثير لاقتلاع جذور الإرهاب منها، ولم تركّز على مركز الإرهاب في الشرق الأوسط “إسرائيل” التي تنتهك جميع الأعراف الدولية وتحاول طمس الهوية الفلسطينية عبر أذرع عربية كانت قد استقبلت وفوداً إسرائيلية خلال الفترة الماضية وتساند العدو الصهيوني في تمرير “صفقة القرن” التي من شأنها تصفية القضية الفلسطينية.

عندما بدأ الحراك الدبلوماسي الإيراني خلال الفترة الماضية وتوجّه وزير الخارجية الإيراني ومستشاره إلى دول المنطقة، واقترح محمد جواد ظريف مبادرة من أجل الاتفاق على معاهدة حسن الجوار وحفظ الأمن المشترك في المنطقة، لم يحشد إطلاقاً ضد السعودية وشتان بين الأسلوبين.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق