عن ماذا تبحث سوريا في زيارتها إلى الصين وماذا تريد بكين من دمشق؟
صحيح أن العلاقة بين الصين وسوريا هادئة وغير محسوسة كثيراً على منصّات الإعلام إلا أنها في الحقيقة عميقة إلى حدّ كبير ولم تتراجع إطلاقاً مع بداية الأزمة السورية، ولم تتذبذب حتى، بل على العكس تطوّرت العلاقة بين البلدين خلال سنوات الأزمة وتبادل الطرفان العديد من الزيارات واللقاءات وتم توقيع عقود تجارية بين البلدين، وآخر التحرّكات الدبلوماسية بين البلدين شهدناها قبل يومين عندما زار وزير الخارجية السوري وليد المعلم “بكين” بناءً على دعوة من نظيره الصيني “وانغ يي”.
الزيارة جاءت لتطوير العلاقات الثنائية وتعزيزها، هذا وجرى خلال اللقاء بحسب وكالة “سانا” للأنباء بحث العلاقات التاريخية التي تربط البلدين الصديقين، وضرورة تعزيز التنسيق والتعاون بينهما على مختلف الأصعدة بما يؤدي للارتقاء بهذه العلاقات إلى المستوى الذي تطمح إليه قيادتا البلدين.
الوزير السوري شكر الصين على دعمها السياسي المبدئي في المحافل الدولية وعلى المساعدات الإنسانية التي قدّمتها إلى سوريا والتي ساهمت في تعزيز صمود الشعب السوري خلال السنوات الماضية، وأكد أن بلاده ترغب في تطوير علاقاتها مع الصين في كل المجالات بما في ذلك المجال الاقتصادي للوصول به إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية.
من جانبه، شدد وانغ تشي شان نائب الرئيس الصيني على استمرار بلاده في تقديم الدعم لسوريا واهتمامها بتطوير وتعزيز علاقاتها الثنائية في مختلف المجالات.
وبالتأكيد كان للحرب السورية نصيبٌ من المحادثات والتصريحات، والتي كان أبرزها ما قاله وزير الخارجية السوري حول الوجود التركي في سوريا واحتمالية التصادم معها في إدلب، إذ قال الوزير إن سوريا لا تريد مواجهة مسلّحة مع تركيا وذلك بعد أن قالت أنقرة إن أحد مواقعها للمراقبة في إدلب تعرّض لهجوم من منطقة واقعة تحت سيطرة القوات الحكومية السورية.
وأضاف المعلم “والسؤال هنا ماذا يفعل الأتراك في سوريا؟” وتابع إن “تركيا تحتل أجزاءً من الأراضي السورية” ولها وجود عسكري في أجزاء من سوريا.
وتساءل “ماذا يفعل الأتراك في سوريا؟ هل يتواجدون لحماية تنظيمي جبهة النصرة وداعش وحركة تركستان الشرقية الإرهابية؟” في إشارة إلى جماعة متطرفة تلقي الصين باللوم عليها في هجمات بمنطقة شينجيانغ وعمليات في مناطق أخرى.
وقال إنه يجب أن تُسأل تركيا عن هدفها الحقيقي مضيفاً إن سوريا تقاتل الجماعات والتنظيمات الإرهابية وإن العالم كله يعلم أن من تقاتلهم سوريا إرهابيون.
أبعاد الزيارة إلى الصين!
بغض النظر عن الجدلية حول الوجود التركي في سوريا والذي أصبح يشكّل ورطة للأتراك أنفسهم بعد أن دعمت الجماعات المسلحة في محافظة إدلب السورية والتي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” وهو الاسم الجديد لجبهة النصرة الإرهابية وبالتالي ظهرت تركيا بأنها تدافع عن الإرهاب لذلك تحاول الآن الهروب من هذه الورطة عبر القنوات الدبلوماسية ويبدو أنها تأخرت لكونها فشلت في الحفاظ على اتفاقية سوتشي وصونها والدفاع عنها.
المهم اليوم ما سرّ العلاقة بين سوريا والصين؟
يمكننا أن نلخص العلاقة بينهما من خلال ثلاثة ملفات “إعادة الإعمار ومحاربة الإرهاب، وتحديداً الحزب الإسلامي التركستاني بالإضافة إلى إعادة تفعيل طريق الحرير عبر سوريا”.
فيما يخص إعادة الإعمار أشار وزير الخارجية السوري خلال زيارته إلى بكين لهذا الموضوع عندما قال: “الأولوية في عملية إعادة الإعمار لمن وقف إلى جانب سوريا في حربها على الإرهاب”.
وقبل حوالي العامين التقى وزير الخارجية الصيني وانغ مع المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان. وخلال الاجتماع، بيّن وانغ رؤية الصين للسلام والتنمية في سوريا، قائلاً: “إن مكافحة الإرهاب والحوار وإعادة الإعمار هي الركائز الثلاث للخروج من الأزمة”، عادّاً مكافحة الإرهاب الأساس، والحوار وسيلة للخروج، وإعادة الإعمار الضمانة، وتتبع الإجراءات التي اتخذتها الصين مؤخراً داخل سوريا ومعها النهج الثلاثي، ويضع الجانبان الأساس “لإعادة الإعمار”.
الأمر الآخر يتمثّل في التخلص من أعضاء الحزب الإسلامي التركستاني والذين ينتشرون في محافظة إدلب، ويشكّلون خطراً كبيراً على الأمن القومي الصيني، حيث وصل حوالي 5 آلاف من هؤلاء إلى سوريا بطرق غير شرعية، ويهدفون من الوجود في سوريا إلى تقوية أنفسهم والارتباط ببقية الجماعات الإرهابية كما فعلوا مع تنظيم القاعدة لكي يحققوا حلمهم في الانتشار داخل الصين وإقامة دولة مستقلة تسمى تركستان الشرقية من بعض المناطق في شينغيانغ، وقد هاجم هؤلاء عدة أهداف في الصين أو مصالح للصين خارج البلاد، ولذلك، من المهم بالنسبة للصين القضاء على هذه المجموعة في سوريا.
الأمر الثالث يتعلق بإعادة تفعيل طريق الحرير القديم عبر سوريا، حيث يحمل المشروع الجديد ” حزام واحد وطريق واحد”، وتهتم الصين بسوريا لكونها تملك واجهة بحرية على البحر المتوسط عبر محافظتي طرطوس واللاذقية، وإذا كانت سوريا ستلعب أي دور فعّال في هذه المبادرة فيجب على حكومتها أن تبسط سيطرتها على جميع أراضيها، وبغضّ النظر عن المدة التي ستستغرقها الحرب، فإن الصين تتخذ خطوات للاستثمار في سوريا.
وفي سبتمبر (أيلول) 2017. اجتمع وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية السوري وليد المعلم.
ووصف وانغ سوريا خلال الاجتماع بأنها “إحدى المحطات المهمة على طريق الحرير القديم”، مشيراً إلى أن مبادرة “الحزام والطريق” التي تهدف إلى إعمار البلد يمكن أن تكون «وسيلة مهمة لتعميق التعاون الثنائي في المستقبل، وأن الصين ترحّب بمشاركة سوريا في مشروعات الحزام والطريق، وترغب في التعاون مع سوريا في إطار المبادرة من أجل التنمية المشتركة”.
المصدر / الوقت