الحريات الدينية خارج أسوار المملكة السعودية
لا مكان للحريات الدينية داخل السعودية، حيث تقوم السلطات بالتعاطي مع الأقليات الدينية على أساس طائفي، كما أنها لا تسمح لكل من يخالفها الرأي من رجال الدين بأن ينشط على أرض المملكة، إذ توجّه له السلطات تهماً متعددة من قبيل “الإرهاب والتخابر مع دول أجنبية أو التحريض على العنف” كما فعلت مع سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري .
التقرير الأخير للخارجية الأمريكية بشأن الحرية الدينية يكشف هذه التفاصيل، إذ جاء في التقرير إن التهم التي وجهتها السعودية لرجال دين وعلماء وأكاديميين تتضمن روابط مزعومة فقط مع جماعة الإخوان المسلمين أو جماعات تابعة لها.
وأضاف التقرير استناداً إلى بيان لـ”هيومن رايتس ووتش” إن التهم الموجهة للشيخ سلمان العودة معظمها له علاقة بروابط مزعومة بجماعة الإخوان المسلمين وليس فيها ما يشير لأي أعمال عنف أو الدعوة إليها.
ونقل التقرير عن منظمات حقوقية أن إدانة السعودية لشيعة بتهم أمنية والحكم على عدد منهم بالإعدام كان بدوافع طائفية.
وأشار التقرير إلى أن عدداً كبيراً من الإدانات تستند إلى اعترافات انتزعت إثر الحبس الانفرادي المطوّل والتعذيب.
وقال السفير الأمريكي للحريات الدينية سام براونباك خلال مؤتمر صحفي بمناسبة نشر التقرير السنوي بشأن الحرية الدينية إنه: “بحث مع السعوديين مسألة حماية حقوق الأقليات، خصوصاً الأقلية الشيعية”.
وأضاف براونباك: “إن السعودية التي تم تصنيفها كدولة مثيرة للقلق في مجال الحرية الدينية، من بين أسوأ دول العالم من حيث المحاكمات الدينية”.
وبحسب وكالات أنباء عالمية فقد تلقّى براونباك سؤالاً خلال المؤتمر الصحفي عن أنه كانت هناك إعدامات جماعية – 37 شخصاً- وبشكل غير متناسب من الأقلية الشيعية، بعضهم حسبما ما ورد في تقارير تم صلبهم وكان جوابه: “سبق أن أثرت هذا الأمر بالتأكيد، إنهم دولة مصنّفة كمصدر قلق خاص (في مجال الحرية الدينية)، أحيلكم إلى التقرير الذي تمت الإشارة فيه إلى هذه الأمور والإشارة لهذه الإعدامات، وسنستمر في طرح هذه القضايا مع السعودية، أعتقد أنه كان هناك الكثير من الأمل في البداية أن يتغير الوضع بشكل ملحوظ مع تغير القيادة، نحن بحاجة لرؤية إجراءات يتم اتخاذها بالاتجاه الإيجابي، ولكنهم لايزالون من أسوأ الفاعلين في العالم من حيث المحاكمات الدينية”.
إعدام العودة والقرني والعمري
عندما وصل ابن سلمان إلى السلطة قال إنه يريد إعادة البلاد إلى الإسلام الوسطي، وفي خريف العام 2017 تعهد ابن سلمان بالعودة “إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم”، وكانت غايته حينها إحداث ضجة إعلامية في العالم الغربي ليظهر نفسه بأنه “سوبر مان” السعودية الذي سيحرر البلاد من “الفكر الوهابي” المتشدد، وكان يريد حينها جذب المستثمرين وكسب ثقة الغرب.
لم يطل أمد هذا الكلام حتى بدأ ولي العهد بممارسة أشنع حملة اعتقالات بحق كل من يقف بطريقه ووصلت به الأمور إلى حد تصفية كل من يقف في طريقه، وصدق كلام مضاوي الرشيد، الكاتبة المقيمة في بريطانيا حين قالت بعد تصريحات ابن سلمان هذه أن “الإسلام المعتدل”، الذي يروّج له ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ما هو إلا ديزني لاند للروبوتات وليس مجتمعاً مفتوحاً، مشيرة إلى أن “فهم ولي العهد للإسلام المعتدل مشروع تُكتم فيه أصوات المخالفين، ويُغيّب النشطاء فيه وراء القضبان، ويُجبر الناقدون فيه على الخنوع”.
كلام المضاوي تحقق بعد فترة وجيزة، وها هو اليوم يحضر سيفه لقصّ رقاب ثلاثة رجال دين بارزين وجّهت إليهم تهم بالإرهاب، وهم عوض القرني والداعية علي العمري وسلمان العودة، علماً أن الأخير ألقي القبض عليه في أيلول 2017، بعد فترة قصيرة من تغريدة له دعا من خلالها للمصالحة بين السعودية وجارتها الخليجية قطر.
وفي شهر أيلول 2018، عقب مرور عام على اعتقال العودة، ظهر العودة في جلسة استماع مغلقة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، وهي محكمة شكَّلتها وزارة الداخلية السعودية للنَّظر في قضايا الإرهاب، ووجه النائب العام حينها للعودة 37 تهمة إرهابية.
حينها أخبر الصحفي جمال خاشقجي أصدقاءه في لندن قبل قتله بيومين، أنَّ هذه الاتهامات الـ37 تكشف كلَّ ما يحتاجون لمعرفته عن سيادة القانون في السعودية، تحت حاكمها الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقال خاشقجي وقتها: “سيقمع المعارضة مهما كان الثمن، لا بدّ من نشر هذه الاتهامات علانيةً، لن يُعدَم العودة لأنَّه متطرف، بل لأنَّه وسطي، لهذا السبب هم يعتبرونه تهديداً”.
وبحسب المصدر الذي نقل معلومات التحضير لإعدام العلماء الثلاثة إلى الموقع البريطاني “ميدل ايست اي”، فإن السلطات السعودية: “حين وجدت أنَّه لم يَصدُر أيُّ ردّ فعلٍ دولي يُذكر، وتحديداً على مستوى الحكومات ورؤساء الدول، قرَّروا المضي قدماً في خطتهم بإعدام شخصيات بارزة”.
وهنا كان يقصد رد الفعل الدولي تجاه إعدام السعودية لـ37 سعودياً جلّهم من الشيعة، ومن جهته، قال قريبٌ لأحد العلماء الثلاثة في تصريح للموقع البريطاني: “إذ نُفِّذَت عمليات الإعدام فسيكون ذلك أمراً بالغ الجدية، وسيمثل نقطة تحوّل خطيرة”.
إياد البغدادي وعمر عبد العزيز
في مطلع الشهر الحالي كشفت مجلة “تايم” الأمريكية، أنّ وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه”، وأجهزة أمن أجنبية، حذّرت أصدقاء للصحافي السعودي جمال خاشقجي وعائلاتهم من أنّهم عرضة لـ”أعمال انتقامية” من السلطات السعودية، على خلفية نشاطهم للمطالبة بالديمقراطية.
وأشارت المجلة إلى أنّ الناشطين الثلاثة كانوا يعملون عن كثب مع خاشقجي، على مشاريع إعلامية “حساسة” من الناحية السياسية، وأخرى معنية بحقوق الإنسان، وقت اغتياله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا في تشرين الأول الماضي.
الكاتب والناشط الفلسطيني إياد البغدادي قال إنه تلقّى في 25 نيسان الماضي معلومات من الاستخبارات النرويجية بشأن تهديدات بتصفيته من قبل أجهزة أمنية سعودية، وأبلغته بأن وكالة استخبارات “حليفة” هي مصدر هذه المعلومات، وبالتالي عليه الانتقال معهم إلى مكان آمن على حياته.
البغدادي تحدّث عن أن سعود القحطاني مستشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو من يقوم بإعداد قائمة للنشطاء والمعارضين الذين قد يتم استهدافهم، بحسب معلومات قال إنها وصلت إليه.
وكان قد وصف البغدادي السعودية بأنها “محتلة من قبل شرذمة يمثلها محمد بن سلمان وعدد قليل جداً من أعوانه”، مشدداً على أنه يجب تسليط الأضواء على العلاقة الوطيدة التي تربط بن سلمان بجاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لأن هذه العلاقة هي التي أدّت لهذا الجو الذي يسود السعودية الآن، وأمريكا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها معاقبة ابن سلمان ولكن في ظل وجود ترامب فإن ذلك لن يحدث؛ حسب تعبيره.
المصدر / الوقت