ما الذي تريده واشنطن من مشروع الصحوات الجديدة في الأنبار؟
لم يكن مستغرباً أن تعود أمريكا للتلاعب في الداخل العراقي، التوجّه الأمريكي الجديد لإعادة تجربة “الصحوات”، بدءاً من محافظة الأنبار(غرب)، وتكرار سيناريو عام 2006 يؤكد أن واشنطن لم تسلّم حتى الساعة بخسارة الرهان في هذا البلد، بل تنتهز الفرص لتمرير مشاريعها بأي أسلوب ممكن.
الشيخ عواد الجميلي، أحد الشيوخ القبليين في محافظة الأنبار، يوضّح في تصريح لأحد الصحف الخليجية: أنّ “القوات الأمريكية في الأنبار أجرت عدة لقاءات مع قادة الصحوات السابقين وشيوخ عشائر مؤخراً”، مؤكداً أن القوات الأمريكية “أبلغتهم بضرورة إعادة هيكلة الصحوات بالمحافظة، وتولي الملف الأمني في المرحلة المقبلة”.
وأضاف الجميلي: “قوات الصحوات تمكّنت من تحقيق استقرار أمني في مناطقها، وهو ما لم تتمكن منه القوات العراقية الحالية منذ تشكليها ولغاية اللحظة، وهو ما دفع الجانب الأمريكي إلى العمل والتحرك لإعادة تجربتها السابقة، في محافظة الأنبار”.
ولفت الجميلي الانتباه إلى أن “الجانب الأمريكي توعّد بدعم هذه القوات بالسلاح والمال، وأن يكون ارتباطهم بالقوات الأمريكية بصورة مباشرة وبعيداً عن الحكومة العراقية”.
لا ندري موقف الحكومة العراقية من هذا الأمر الذي يعدّ انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية، وبصرف النظر عن قناعتنا بأن أمريكا هي المسؤولة عن كل ويلات العراق منذ العام 2003 وحتى الساعة، فالسؤال الذي يطرح نفسه حالياً في ظل الحديث عن “الصحوات” العراقية، هو ما هي قدرة هذه القوات على المواجهة؟ وما هي الأجندة التي يدينون بالولاء لها؟ وما هو دورهم في المرحلة المقبلة، مرحلة بناء الدولة العراقيّة، هل ستكون ورقة جديدة في يد واشنطن؟
إن تجربة الصحوات هي أحد أهمّ المشاريع الجديدة لاستهداف وحدة العراق وسلمه الأهلي، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التالي:
أولاً: يبدو أن الصحوات هي الجناح الآخر في استهداف وحدة العراق وسلامة أرضيه، أي إنها إلى جانب المشروع الأمريكي تجاه الأكراد تمثّل الأجنحة التي يريد من خلالها الأمريكي الطيران في العراق، لطالما أمسكت واشنطن بورقة الأكراد في العراق، وكانت خلفهم في الاستفتاء الذي فشل، اليوم تريد القيام بالأمر ذاته من خلال تشكيل صحوات سنيّة، والزجّ بها في مواجهات لا ناقة لهذه الصحوات فيها ولا جمل.
ثانياً: لماذا تعمد الحكومة الأمريكية إلى تشكيل هذه الصحوات بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي؟.
في السابق، اعتمدت واشنطن على استراتيجية إضعاف الجيش العراقي، وجعله بمثابة الشرطة التي لم تصمد حتى ليوم واحد أمام قوات تنظيم داعش الإرهابي.
اليوم، هناك قوة كبيرة داخل الجيش العراقي تحت مسمّى الحشد الشعبي، هذه القوة تمنع بروز أي تنظيم جديد، إلا أنها في الوقت عينه سدّ منيع أمام التحركات الأمريكية في العراق، لذلك تتمثل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي والتلويح بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم.
ثالثاً: إن الحديث عن صحوات سنيّة يعني أن واشنطن تحضّر لحرب أهلية جديدة، من خلال هذا المشروع يمكن لواشنطن ضمان بقائها في الداخل العراقي، ناهيك عن أن هذه الصحوات ستكون ورقة قوّة بيد واشنطن لمواجهة أي قرار من الحكومة العراقية لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي، لا نستبعد أن تعلو أصوات التقسيم من جديد، وتبدأ المرحلة الجديدة من تقسيم العراق عبر البوابة العربية لا الكردية لأسباب معروفة منها: عدم وجود حساسيّة تركية حول هذا الأمر، البعد الجغرافي للإقليم السني الذي تريده واشنطن أي على الحدود مع سوريا، والأردن والسعودية.
رابعاً: يقول القيادي السابق في صحوة الأنبار قصي المرعاوي: إنّ “أكثر من 3000 مقاتل من عشائر الأنبار سُجلوا لدى القوات الأمريكية لضمهم إلى قوات الصحوات”، مؤكداً أن “القوات الأمريكية تعهدت بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لهذه القوات”. وهنا نسأل: إذا كان الهدف من الصحوات السابقة مواجهة تنظيم القاعدة، فما الهدف من تشكيل الصحوات اليوم، ألا تكفي القوات العراقيّة الحالية التي قضت على داعش لمواجهة فلول هذا التنظيم الإرهابي؟ لو كان لأمريكا حسن نيّة من تشكيل مثل هذه الصحوات لفعلت ذلك في خضم الحرب، وليس اليوم.
يبدو أن واشنطن تريد تجنيد مقاتلين للدفاع عنها في حال نشوب أي مواجهة مع الحشد الشعبي، مستغلةً الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها السكان في الأنبار وحالة البطالة التي يعيشها الشباب العراقي.
خامساً: نسأل ما هو موقف الحكومة العراقية اليوم من هذا المشروع، لأن أي تأخير في الرد سيكون في مصلحة واشنطن. اليوم تملك الحكومة العراقية، وبفضل دماء الشهداء العراقيين في القضاء على التنظيم الإرهابي ومن خلفه المشروع الأمريكي، وكذلك بفضل صلابة القوات العسكرية الحالية من جيش وشرطة وحشد شعبي، تملك الكثير من الأوراق التي تسمح لها بالضغط على واشنطن، سواءً عبر المشاريع النفطيّة، أم الوجود العسكري.
لذلك، نتوقّع ردّاً عراقياً حازماً، بالتوازي مع العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية لسكان الأنبار، نقطة الضعف التي تسعى واشنطن للدخول منها.
عوداً على بدْء، نرى أن مشروع الصحوات هو أحدث المشاريع الأمريكية لاستهدف وحدة العراق، هذا المشروع الذي يبدأ بانتهاء السيادة العراقية، وكذلك القانون العراقي، لن ينتهي إلا بعد أن يمرّ بمحاولة واشنطن لإشعال حرب أهلية في العراق، وفي النهاية تقسيم هذا البلد العائد بقوّة إلى أقاليم ضعيفة متناحرة فيما بينها.
المصدر / الوقت